"حلم الولاية الثانية، والتأسيس لوجود سياسي راسخ في المشهد العراقي"، طموحات طالما وضعت رؤساء حكومات عراق ما بعد 2003، الذين جرت العادة في تسلم مناصبهم أنهم يأتون عبر توافق سياسي بين الأحزاب الشيعية التقليدية -التي سريعاً ما تنقلب ضد مرشحيها وتبدأ في تحجيمهم خشية من تمدد نفوذهم- بأنها لا تريد استثناء رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني من المعادلة، سيما بعد تداعيات "سرقة القرن"، وفضيحة شبكة الابتزاز والتنصت التي يديرها موظفين داخل مكتبه.
مشهد يبدو أنه قد وضع السوداني الذي تنقسم حول أدائه ومساعيه لولاية ثانية قوى الإطار التنسيقي -التحالف الجامع للقوى الشيعية باستثناء التيار الصدري المنسحب من العملية السياسية- تحت ضغوطات كبيرة، بخاصة بعد لجوء بعض أطراف "الإطار" إلى بند الانتخابات المبكرة الذي سبق واتفق عليه قبيل توليه المنصب. الأمر الذي فسر محاولة لوضع حد لتمدد رئيس الوزراء الذي يلقى مقبولية من ركني العملية السياسية الأساسيين، السنة والكورد.
مبدئياً، يريد السوداني وداعميه ولاية ثانية، وكانت خطاه واثقة إلى ذلك، قبل أن يخرج زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي -صاحب أكبر عدد من المقاعد داخل تحالف "الإطار"- في وقت سابق، ويلقي حجرة في الماء الراكد، من خلال التأكيد على ضرورة الذهاب لانتخابات مبكرة، قبل أن تتصاعد الرغبة بذلك، وتدخل بعض الأطراف المدنية على خط الأزمة، وتزيد من تفاعلها قضيتي السرقة "المليارية" والتنصت، مما تترك المشهد مفتوحا على احتمالات عدة.
ضمن الاحتمالات الواردة، عدم صمود السوداني أمام الضغط، والذهاب نحو الاستقالة. هناك وجهة نظر مقابلة، ترى خيار الاستقالة عقب نجاح مرحلي -يعتقد أن السوداني نجح في تحقيقه- يعني التحرر من القيود والاستعداد لنزال انتخابي يتوقع أن تكون له نتائج إيجابية.
موفق إطاري متضارب وتشريني مطالب
في الوقت الحالي، يبدي "الإطار" موقفا معلنا، بأن "متسع الوقت لا يسمح لانتخابات مبكرة"، لكن ذلك لا قد لا يعني جموح رغبة بعض أطرافه بانتخابات تقييد من نطاق السوداني، وقد تتعدى الفكرة إلى من ورائه، سيما وأنه (السوداني) المعروف عنه بمرشح قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق، التي لا تتوقف عن مد جذورها بمفاصل الدولة.
"القوى الشيعية التقليدية لا تريد بزوغ نجوم جديدة"، عبارة باتت تتردد كثيرا في الوسط السياسي العراقي.
في حين أن قوى "تشرين"، وهي مجموعة فواعل سياسية أفرزتها ساحات احتجاج 2019، الذي اجتاح وسط وجنوب العراق، وأطاح بحكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي؛ ترى أن الانتخابات المبكرة باتت ضرورة ملحة، تجعل من القوى المدنية أكثر استعدادا.
بهذا الصدد، يقول عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون، المنضوي في تحالف "الإطار"، ثائر مخيف، إن "الوقت المتبقي من عمر الحكومة لا يسمح بإجراء انتخابات مبكرة".
ويضف، في حديث لموقع "الجبال"، أن "ما حدث خلال الآونة الأخيرة، من اعتقال شبكة تنصت داخل مكتب رئيس الوزراء، وتصريحات رئيس هيئة النزاهة، فضلا عن الاعتداءات على خريجي ذوي المهن الطبية، لا يمكن اعتبارها دافعا لإجراء انتخابات مبكرة"، مؤكدا أن "الانتخابات المبكرة هي أحد بنود البرنامج الحكومي الذي اتفق عليه تحالف إدارة الدولة".
"إدارة الدولة"، تحالف يجمع القوى الشيعية والسنية والكوردية، تأسس عقب انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، عقب فوزه في الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2021، بأكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، على خلفية معارضة تحالف "الإطار"، لمشروع تشكيل حكومة وطنية تستثني مشاركته فيها. على إثر تشكلت حكومة السوداني بناء على ورقة اتفاق سياسي بينها إجراء انتخابات مبكرة في غضون عام.
"الانتخابات تحتاج لمقومات"
غير أن الانتخابات المبكرة، لها مقوماتها، وتلك المقومات يجب أن تكون متوفرة، وأبرزها تسمية مفوضية الانتخابات، بحسب مخيف، الذي لفت، إلى أن "عمل مفوضية الانتخابات انتهى بشكل رسمي في كانون الأول الماضي، وذلك بعد إتمامه الفترة القانونية، إلا أن ذلك تزامن مع إجراء انتخابات مجالس المحافظات ولهذا قررت الكتل السياسية التمديد لهم لحين إكمال الانتخابات".
وأكد، أن "الوقت المتبقي من عمر الحكومة لا يسمح بإجراء انتخابات مبكرة، وأن أغلبية النواب غير راغبين في إجراءها، مفضلين إكمال الدورة البرلمانية الحالية".
ولا يرى مخيف، أن قضية شبكة التنصت، بأنها سببا كافيا لذهاب لانتخابات مبكرة، معتبرا أن "القضية حتى الآن إعلامية. ولا يوجد دليل على وجود شبكة تنصت داخل مكتب رئيس الوزراء، والملف موكل إلى القضاء وهو الفيصل بذلك".
منذ نحو أسبوع، تثير قضية شبكة التنصت والابتزاز داخل مكتب رئيس الوزراء جدلا واسعا في العراق، حيث أعلن -حسب تصريحات رسمية- القبض على 3 موظفين في مكتب السوداني حتى الآن، يديرون شبكة للتنصت وابتزاز برلمانيين، وسياسيين، بينهم نائب المدير العام في الدائرة الإدارية لمكتب رئيس الوزراء محمد جوحي، فضلا عن تورط ضباط كبار، حسبما المعلومات المتداولة.
ومع ذلك، استبعد عضو ائتلاف دولة القانون، "استقالة السوداني من منصبه كما حدث في العام 2019 مع رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي"، مشيرا إلى أن "السوداني يعتبر الأزمة الحالي عابرة".
حكومة في زمن جوحي وزهير معدومة الثقة
على الجانب الآخر، سأل مراسل "الجبال"، الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" المنبثقة عن "تشرين"، مشرق الفريجي، عن موقفهم مما يجري ورؤيتهم المستقبلية. أجاب الأخير بعبارة مقتضبة قبل أن يبدي رؤيته، بوصف النظام السياسي في العراق بـ "اللانظام".
واستغرب الفريجي، كيف لـ "دولة ما بعد 2003، أن يخترقها محمد جوحي، الذي لا أحد يعرف ما هو تاريخه، وقبله يسرقها نور زهير، مجهول التاريخ أيضا"، متسائلا: "كيف يمكن لهذه الدولة أن تقيم نظاما يؤمن به المواطن العراقي؟".
يقول الأمين العام لـ "نازل آخذ حقي"، إن "النظام السياسي متهاوي".
ويرى، أن "الانتخابات المبكرة باتت ضرورية في الوقت الحالي، لاتزان العملية السياسية، ،أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة يجعل القوى المدنية أكثر استعدادا وتحضرا"، مشيرا إلى "زعماء الكتل السياسية هم من يتحكمون بالمشهد السياسي الحالي، ومجلس النواب تحول إلى سلطة توجيهة".
إن "الإطار التنسيقي لا يريد صنع زعامات جديدة، ويعتقدون بأن السوداني ذاهب تجاه مشروع سياسي قد لا يتفق معهم مستقبلا، لذلك هناك محاولات لإضعاف رئيس الوزراء"، الفريجي أكد.
ولفت، إلى أن "السوداني أمام مفترق طرق، أما يبقى داخل الإطار ويقدم التنازلات، ليكون شبيها برئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عندما خسر مشروعه السياسي في الانتخابات الأخيرة، أو يكون مصيره كرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ويمنع من الترشيح للانتخابات وينتهي مستقبله السياسي ايضا".
واستبعد ذهاب رئيس الوزراء تجاه الاستقالة، على اعتبار أن الحكومة "هي حكومة الإطار التنسيقي"، والأخير يمنع ذلك، حسبما يرى الأمين العام لـ"نازل آخذ حقي".
"السوداني لم يرضخ ومؤتمر النزاهة موجه"
من جهته، يشير مناف الموسوي، رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، إلى أن الإطار التنسيقي "يضغط على السوداني كي لا يشارك في الانتخابات المقبلة".
ويقول الموسوي في حديث لموقع "الجبال"، إن "الأزمات الأخيرة في العراق تتطلب مواقف حازمة، وإدارة للمشكلات"، مستدركا: "لكن المؤشرات تذهب تجاه أن الحكومة غير مكترثة للشعب".
ويلفت رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية إلى، أن "الإطار يضغط على رئيس الوزراء، حتى لا يشارك في الانتخابات المقبلة، لكن السوداني لم يوافق على شروط الإطار ومستمر تجاه مقاومة الضغوط".
ويشير الموسوي الى، أن "ما تحدث به رئيس هيئة النزاهة في مؤتمر أربيل، وفي هذا الوقت هو محاولة لتخفيف الضغط عن قضية شبكة التنصت وتوجيه الرأي العام إلى اتجاهات أخرى".
والأربعاء الماضي، في مؤتمر صحافي كشف رئيس هيئة النزاهة العراقية حيدر حنون بشكل غاضب، عن صدور مذكرة قبض بحقه على خلفية التحقيق في "سرقة القرن"، وسرد تفاصيل عن شبهات فساد "تورط بها متنفذون"
وقال حنون، إن المتهم الرئيسي بسرقة "الأمانات الضريبية"، نور زهير، "قام بتزوير 114 صكا ماليا، وعليه أن يعاقب بـ114 حكما»، وكشف عن أنه "سرق 720 دونما في شط العرب" جنوبي العراق.
وشدد حنون قائلا: «لن نتستر على سرقة الأمانات الضريبية (...) بدأنا المعركة وسنستمر في محاربة الفساد حتى النهاية"، مضيفا بصوت مرتفع: "القاضي ضياء جعفر (الذي يحاكم زهير) يلاحقني، وأصدر أمر إلقاء قبض بحقي (...)، مع العلم بأن القضية كانت في البصرة، ونقلت إلى بغداد لدى القاضي جعفر؛ لكن الملفات اختفت عنده".
وكان جعفر قد صرح الشهر الماضي بأنه هو من أصدر "قرار الإفراج عن زهير بكفالة قانونية، ليتسنى له تسديد ما بذمته من أموال".
وقال حنون، "أفضل أن أودع السجن بشرف، دون أن أتستر على المتهمين في قضية (سرقة القرن)"، مشيرا إلى أن "هيئة النزاهة مستضعفة، ولا يجوز للقاضي ضياء جعفر استخدام سلطته ضدنا".
وكشف قاضي النزاهة عن أن "القضاة والوزراء تسلموا قطع أراض بمساحات 600 متر مربع من الحكومة السابقة لضمان الولاء".
وتتمثل "سرقة القرن" باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف مليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية. وكانت جهات متعددة قد كشفت عن السرقة قبل نحو شهرين من انتهاء مدة حكم الحكومة العراقية السابقة برئاسة، مصطفى الكاظمي.