سلّط الخبير الاقتصادي منار العبيدي، السبت 5 تموز 2025، الضوء على ما وصفه بـ"اقتصاد الظلّ"، والمتمثّل بجمع المخلّفات بأنواعها من بين الأزقّة والأحياء وهي مهنة يُطلق على من يعملون بها "العتاكَة"، منتقداً عدم وجود رؤية حكومية إزاء مسارات تلك المخلفات وعدم تدويرها محلياً، ومن يقف وراء تصديرها.
وقال العبيدي في تدوينة تابعتها "الجبال"، إن "اقتصاد الظل مهنة (العتاكة) تعدّ اليوم ملاذاً لعشرات الآلاف من الشباب والنساء في العراق، ممن لم يجدوا فرص عمل بديلة، ولم يمتلكوا الحد الأدنى من المؤهلات العلمية أو المهارات المهنية التي تؤهلهم للالتحاق بوظائف رسمية أو في القطاع الخاص".
"العتّاكة"، ليست مجرد مهنة عشوائية، بحسب وصف العبيدي، الذي أشار إلى أنها "ظاهرة اجتماعية واقتصادية متنامية تسير بهدوء بين أزقة المدن وشوارعها دون أن تلتفت إليها الدولة أو المجتمع".
ولفت العبيدي، إلى أن "هذه الفئة، تلعب دوراً حيوياً في عجلة الاقتصاد الوطني، وخصوصاً في قطاع إعادة التدوير. وتشير بيانات استيراد دول مثل تركيا، إيران، الصين، الإمارات والسعودية إلى تزايد ملحوظ في استيرادها لأنواع متعددة من المخلفات العراقية، مثل: مخلفات الورق، ومخلفات الألمنيوم، ومخلفات الحديد، ومخلفات الأخشاب، وغيرها من المواد القابلة لإعادة التدوير".
كل صنف من هذه المخلفات يفتح المجال أمام سلاسل تشغيلية توفّر ما لا يقل عن 20 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يجعل هذا "القطاع غير الرسمي" أحد أكبر مولّدات فرص العمل، خاصة في ظل محدودية البدائل، بحسب العبيدي.
تنافس.. وأسباب عديدة
وحدّد العبيدي، أسباباً، قال إنها جعلت مهنة "العتّاكة"، "خياراً شبه وحيد للكثيرين، مع زيادة التنافس عليها بشكل لافت"، وهذه الأسباب هي: "تسارع النمو السكّاني، وضعف قدرة الاقتصاد الرسمي على استيعاب الأيدي العاملة الجديدة، إضافة إلى محدودية التعليم والتدريب".
وأضاف العبيدي، أنه على "رغم أهمية هذا القطاع، إلا أنه يعمل خارج نطاق رقابة الدولة، بل ويتعرض أحياناً لهيمنة شبكات منظمة تقسم مناطق النفوذ حسب نوع المخلفات وطبيعة المواد، وتفرض رسوماً وإتاوات على العاملين فيه، ما يعكس وجود اقتصاد خفي موازٍ يفتقر إلى التنظيم والعدالة".
وتوقّع العبيدي، أن "يزداد اعتماد القطاع الصناعي – خاصة الصناعات التحويلية – على المواد الأولية المستخرجة من هذا النشاط، وذلك في ظل تزايد الاستهلاك المحلي وتنامي حجم المخلفات، إلى جانب ارتفاع أعداد الباحثين عن العمل، من المتوقع أن يزداد".
وأكمل الخبير الاقتصادي، "لا توجد لغاية الآن رؤية حكومية واضحة، لمعرفة أين تذهب هذه المخلفات، وكم تبلغ قيمتها الحقيقية، ومن المستفيد من تصديرها، ولماذا لا تُعاد معالجتها داخل العراق لتحقيق قيمة مضافة محلياً".
وخاطب العبيدي، الدولة العراقية، بشأن "العتّاكة"، قائلاً: "لا بد من أن تعي الدولة أن (العتاكة) أصبحت بالنسبة لآلاف العراقيين، الفرصة الوحيدة المتبقية لكسب لقمة العيش. فهي تمثّل شريحة منسية من المواطنين الذين حُرموا من التعليم والتدريب، ولم يجدوا طريقاً آخر سوى جمع المخلّفات والعمل على بيعها لتأمين حاجاتهم الأساسية".