معاناة مريرة لأطفال العراق.. أكثر من 2.5 مليون "غير بالغ" بحاجة لمساعدات إنسانية وتعليمية

8 قراءة دقيقة
معاناة مريرة لأطفال العراق.. أكثر من 2.5 مليون "غير بالغ" بحاجة لمساعدات إنسانية وتعليمية

بفروة على الرأس وملابس سميكة، ويدان تكادان تتجمدان من شدة البرد، يقف الطفل صفاء ذي الرابعة عشرة من عمره كل صباح في بسطة لبيع المخضر في سوق شعبي شرقي العاصمة بغداد، لإعانة والدته في العمل وتوفير احتياجات وعلاجات والده المعاق.

 

المشهد يكاد يكون كأنه فيلم سينمائي، طفل ما يزال دون سّن البلوغ، يكافح لتوفير لقمة العيش لعائلته، رغم أن من في سنه يجلسون على مقاعد الدراسة.

 

لم ينخرط صفاء إلى مقاعد الدراسة إذ دخل في سوق العمل منذ نعومة أظافره. والدة صفاء تستيقظ منذ الفجر وتتوجه الى ما يسمى بعلوة المخضر بصحبه طفلها، للتسوق وافتتاح بسطتها منذ الصباح الباكر.

 

"عيشتنا على هذا المكان"، تقول أم صفاء في حديث لمنصة "الجبال"، وتضيف: "ليس لدينا راتب رعاية.. راجعنا عشرات المرات لكننا لم نحصل على نتيجة".

 

وتابعت بحسرة: "زوجي مقعد، ولديه أمراض قلب وسكر، وأغلب الوارد من العمل يذهب لتكاليف علاجه"، مشيدة بدور صفاء بجانبها: "صفاء قطعة من قلبي.. ولولاه لما كنت أستطيع أن أدير العمل وحدي".

 

تتأسف أم صفاء لعدم مقدرتها على إدخال صفاء المدرسة والالتحاق بأقرانه، وتؤكد أن المسألة لاعلاقة لها بالمال بقدر احتياجها لولدها بجانبها في العمل.

 

لم تنجب أم صفاء سوى طفلها الوحيد، وتتنمى أن يكون له مستقبل مختلف عما يعشيوه حالياً لكنها تقول بحزن: "أخاف على ولدي كثيراً.. ولا أعلم من سيكون له من بعد رحيلنا أنا وأبيه"، معربة عن أملها بأن تتحسن ظروفهم ويصبح لهم راتب رعاية اجتماعية ليتسنّى لها زج صفاء إلى مقاعد الدراسة ليتعلم ولو القراءة والكتابة، وفق تعبيرها.

 

ويقصد بعمالة الأطفال التحاق الأطفال بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، ولأسباب أبرزها الفقر والعوز، وتكون تلك الأعمال مقابل أجر حيناً، وبلا أجر حيناً آخر، أو بحد أدنى من الرعاية يكفل لهم الحياة.

 

وتعرّض "عمالة الأطفال" صغار السن إلى الخطر في أغلب الاحيان، بشكل يؤثر على نموهم البدني والعقلي والاجتماعي، إذ تنشط في الأسواق الشعبية والأحياء الصناعية، وأنشطة جمع الخردوات من مكبات النفايات، مما يزيد المخاطر الصحية التي يتعرضون لها.

 

حاولت "الجبال"، التواصل مع المتحدث باسم هيئة رعاية الطفولة في العراق، العقيد عزيز ناصر للحصول على احصائية بعدد الأطفال الداخلين لسوق العمل وعدد من ترك مقاعد الدراسة إلا اننا لم نحصل على إجابة.

 

سفيرة الطفولة في العراق زينة القره غولي، أشارت الى عدم وجود احصائية رسمية بعدد الأطفال الذين يعانون من نقص الخدمات في العراق، فيما بينت أن الإحصاء تأخر نتيجة ظروف غير واضحة المعالم.

 

"أطفال العراق يعانون من نقص في الخدمات وأبرزها الصحية، إذ لا يوجد تأمين صحي"، حسب قول القره غولي لـ "الجبال"، وإن "واقع التعليم الحكومي ليس بالمستوى المطلوب، ولا يتم التشديد على التلميذ، لذلك نرى كثرة ظاهرة التسوّل والتسرّب من المدارس".

 

في منتصف كانون الثاني 2024، كشفت منظمة اليونيسيف عن وجود أكثر من مليون طفل عراقي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وذكر تقرير للمنظمة أن "هناك ما يقارب من 2.5 مليون شخص في العراق بضمنهم 1.1 مليون طفل، يشكل المعاقون منهم نسبة 5.6%، ما يزالون بحاجة لمساعدات إنسانية".

 

وترى سفيرة الطفولة في العراق زينة القره غولي، أن من واجب الحكومة جمع الأطفال المشردين سواء أكانوا متسولين او مسروقين من أهاليهم، وإعادة زجهم في المدارس، لافتة الى أن ظاهرة التسوّل تعتبر من ضمن عمالة الأطفال التي تنافي اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها العراق في عام 1994.

 

لمنظمات المجتمع المدني دور مساند للحكومة بالإضافة إلى أن جزءاً من المسوؤلية يقع على عاتق المجتمع، إذ يجب على كل مواطن الإبلاغ عن الحالات الغريبة التي تحدث للأطفال، وفق القره غولي.

 

وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين "الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل"، أو حتى إيقاف النشاط، أما في قانون الإتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصاً لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.

 

رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي، يرى ان هناك أكثر 2.5 مليون طفل في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والتعليمية وأسس الحماية في تفاصيلها وجزئياتها.

 

و"في السنوات الثلاث الماضية بدأت ظاهرة عمالة الأطفال بالتوسع في العراق"، على حد قول الغراوي الذي ذكر في حديث لمنصة "الجبال" أن "للظاهرة سلبيات كثيرة، نتيجة ما يتعرض له الأطفال في سوق العمل من معاملة قد تصل إلى حد التعنيف".

 

الكثير من الأطفال فقدوا طفولتهم نتيجة عيشهم وسط أعمال شاقة لا تتناسب مع اعمارهم، وأغلبهم مثل الآلة يعملون منذ الصباح الباكر حتى المساء دون أخذ استراحة، وهذه لها تأثيرات سلبيّة كبيرة على حياتهم، بحسب الغراوي.

 

ويلفت رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان إلى أن الأعمار التي تم تأشيرها للأطفال في سوق العمل هي "من عمر 8 إلى 15 سنة"، مؤكدا أن "هذه شريحة مهمة ويجب مراعاتها، كون هذه الأعمار لا تتناسب مع اتفاقية حقوق الطفل ولا مع الدستور العراقي الذي أكد أن الطفل تنتهي طفولته عندما يبلغ الثامنة عشر من عمره".

 

شخّص الغرواي، انتهاكات للأطفال في سوق العمل، تتمثل بـ"الساعات الطويلة التي يقضونها من الصباح الباكر وحتى المساء، وبذل جهد كبير بأجور زهيدة لا تتناسب مع قيمة الأعمال التي يقومون بها، وتعرّض بعضهم للتنمر والسخرية".

 

وشدّد الغراوي: "يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة فيما يتعلق بستراتيجة حقوق الطفل كونها ستراتيجة وطنية تامة"، داعياُ إلى "اتخاذ معالجات للقوانين العقابية ومنع عمالة الاطفال وفتح برامج تأهيلية ومشاريع مدرة للدخل والاسراع في تشريع قانون حماية الطفل".

 

ويشير رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان إلى ان "اسباب اقتصادية وبطالة واليتم وكثرة متطلبات الحياة بغياب المعيل بالإضافة الى النزوح اضطر الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، والعمل لتأمين متطلبات الحياة".

 

إلى ذلك، تنوه رئيسة منظمة النجدة الشعبية هناء حمو، بأن الطفولة في العراق تعاني من مشاكل كثيرة وعدم اكتمال الجهود في حصول الأطفال على واقع أفضل وعادل، فكثير من الأطفال يعيشون هم وعوائلهم تحت خط الفقر، والكثير منهم متسرب من الدراسة، وأعداد كبيرة من الأطفال العاملين، فضلاً عن اكتظاظ المدارس، وزواج قاصرات، وأطفال بلا أوراق ثبوتية.

 

وتطرح حمو عدد من الفقرات التي تعتقد أنها ضرورية لحماية الطفل، بقولها لمنصة "الجبال": "هناك حاجة ملحّقة لتفعيل قانون التعليم الإلزامي لضمان الطفل بالتعليم، وإقرار قانون حماية الطفل، فضلاً عن تطبيق مفردات السياسة الوطنية لحماية الطفولة في العراق".

 

كذلك شدّدت على "ضرورة إقرار قانون مناهضة العنف الأسري، وتفعيل قانون العقوبات وملاحقة مرتكبي الجرم ضد الأطفال، وتوفير الخدمات والبنى التحتية للأطفال من ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصّة ودعم عوائلهم أو مقدمي الرعاية لهم، بالإضافة لاستخراج الوثائق الثبوتية للأطفال من ذوي العوائل ذات العلاقة بداعش".

 

الصعوبات التي تواجهها الحكومة، تتمثل بالإرادة السياسية، والبنى التحتية، وإقرار تشريعات، وكوادر غير مؤهلة لتقديم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، وفق رئيسة منظمة النجدة الشعبية.

 

وترى حمو، انه ليس من مسؤولية الطفل أن يتحمل العبء الاقتصادي للعائلة أو معنى ذلك القبول بتعرض هؤلاء الأطفال للعنف، بل لا بد من إجراءات حكومية للحد من تسرب الأطفال من الدراسة وتوجههم لسوق العمل ومزاولة اعمال رخيصة او مهينة.

 

وتؤكد أن التسرب من الدراسة يؤثر كثيراً على مسار حياة الأطفال ويوسع الفجوة بينهم وبين اقرانهم، وبالتالي ممكن ان تزداد مغذيات العنف ويتعرض هؤلاء الأطفال المبتعدين عن الدراسة الى الاستغلال القانوني أو الوظيفي وفقدان الحقوق، بسب الجهل بالقراءة أو الجهل الالكتروني.

 

يذكر أن اتفاقية حقوق الطفل الدولية نصت في المادة (32-1) على أن "الدول الأطراف تعترف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".

حسين حاتم صحفي عراقي

نُشرت في الاثنين 8 يوليو 2024 06:20 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.