الانجرار لاضطراب أو بقاء رؤوس القيادة العراقية منخفضة.. تقرير بريطاني يحدد سيناريوهات العراق المحتملة

9 قراءة دقيقة
الانجرار لاضطراب أو بقاء رؤوس القيادة العراقية منخفضة.. تقرير بريطاني يحدد سيناريوهات العراق المحتملة الإطار التنسيقي الحاكم في العراق (أرشيف)

قال تشاثام هاوس إن استقرار العراق الهش مهدد بسبب النظام المتغير في الشرق الأوسط

طرح تقرير بريطاني، سيناريوهات عدة بخصوص مستقبل العراق في ظل الاهتزازات الحاصلة في الإقليم واحتدام الصراعات في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد المواجهة التي نشبت بين إيران و"إسرائيل"، وقدرته - أي العراق - على التكيّف وإعادة تعريف دوره في المنطقة، فيما طرح عدة سيناريوهات مستقبلية قد تواجه البلاد، منها أن يكون "ساحة معركة محتملة"، أو تعرضه لـ"فراغ أمني"، أو "توريطه في حروب خارجية"، أو بقاء رؤوس القيادة العراقية منخفضة.

 

وقال التقرير الذي نشره معهد "تشاتهام هاوس" للأبحاث، وتابعته "الجبال"، إنه "للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة، يجد العراق نفسه على هامش صراع كبير في الشرق الأوسط وليس في مركزه. لقد وصل الصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل خلال فترة نادرة من الاستقرار النسبي والتقدم التنموي. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تستمر لحظة الهدوء الهش هذه. إن العراق على حافة الانجرار إلى ما يبدو أنه اضطراب تحويلي في النظام الإقليمي".

 

وأضاف التقرير: "لقد أعاد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 تشكيل المشهد الجيوسياسي وبشر بعصر جديد - حقبة صعدت فيها إيران كقوة إقليمية مهيمنة. والآن أصبحت أسس هذا النظام مضطربة في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول التي شنتها حماس، والهجوم الإسرائيلي على غزة، والصراع الإقليمي الذي أعقب ذلك، ولا يزال المسار الكامل لهذا التحول غير واضح. لكن من شبه المؤكد أن تكون مضطربة وعنيفة".

 

وتابع التقرير: "يحدث هذا التحول في وقت بدأ فيه العراق في الخروج من سنوات الصراع، مما يسلط الضوء على الضعف الذي يشعر به الطيف السياسي العراقي. وتظل النخبة السياسية في العراق، بغض النظر عن انحيازها الآيديولوجي أو العرقي والطائفي، حذرة من الانجرار إلى صراع إقليمي. وحتى الفصائل التي تتمتع بعلاقات وثيقة تاريخياً مع إيران، مثل قوات الحشد الشعبي، مارست ضبط النفس إلى حد كبير منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وباعتبارهم قادة ضمن الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في بغداد، فإنهم ليسوا مستفيدين من الدولة فحسب، بل هم القائمون عليها".

 

تاريخ الصراع السابق

وأكمل التقرير البريطاني، "هذا يمثل خروجاً كبيراً عن موقفهم السابق. وقاتلت الفصائل العراقية في نفس الجانب مع القوات الأميركية لهزيمة تنظيم داعش في الفترة من 2014 إلى 2017. ولكن بعد ذلك تدهورت العلاقات بين الاثنين، وفي النهاية وجها أسلحتهما نحو بعضهما البعض".

 

وأردف بالقول: "أطلقت إدارة ترامب الأولى حملة الضغط الأقصى ضد إيران وحلفائها العراقيين. استهدفت الفصائل العراقية المنشآت الأميركية، وشنّت هجمات صاروخية على قواعد مثل قاعدة الأسد. كما كانت الأراضي العراقية بمثابة منصة انطلاق لهجمات محور المقاومة على إسرائيل والخليج. في عامي 2021 و2022، على سبيل المثال، أطلقت الجماعات المرتبطة بقوات الحشد الشعبي وحلفاؤها طائرات بدون طيار إلى الأراضي السعودية والإمارات العربية المتحدة من جنوب العراق. وفي العام الماضي، قتلت كتائب حزب الله المرتبطة بقوات الحشد الشعبي ثلاثة من أفراد الخدمة الأميركية في البرج 22 على الحدود الأردنية السورية. أظهرت مثل هذه الحوادث الخطر الحقيقي المتمثل في احتمال أن يصبح العراق نقطة انطلاق لتصعيد إقليمي أوسع نطاقاً".

 

وتابع تقرير المعهد البريطاني، "ومع ذلك، منذ ذلك الحين، ساد ضبط النفس. وفي السنوات الأخيرة، قامت مجموعات رئيسية من قوات الحشد الشعبي، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق، بترسيخ وجودها داخل الدولة العراقية. وهم الآن يشغلون حقائب وزارية، ويديرون مناصب بيروقراطية عليا، ويؤثرون على الشركات المملوكة للدولة التي تولد إيرادات كبيرة".

 

وبلغ متوسط ​​الميزانية الاتحادية العراقية أكثر من 100 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الثلاث الماضية، وبحسب تقرير المعهد "فقد شجعت الرغبة في الحفاظ على الوصول إلى هذه الموارد على اتباع نهج أكثر براغماتية وأقل صدامية. هذه الجماعات ليست مجرد وكلاء لإيران، فعدم الاستقرار بالنسبة لهم يضر بأعمالهم التجارية".

 

ولفتت إلى أن "غريزة ضبط النفس تنبع أيضاً من التجربة. ففي عام 2020، اغتالت الولايات المتحدة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، القائد الفعلي للحشد الشعبي. وقد كشفت هذه الاغتيالات عن الواقع الصارخ المتمثل في محدودية سيطرة العراق على مجاله الجوي وسيادته. ولا يزال هذا الدرس يُشكل الحسابات الاستراتيجية للجهات الفاعلة العراقية اليوم، مما يعزز تفضيل ضبط النفس على المواجهة. ودرك هذه المجموعات ضعف تأثيرها على النظام الإقليمي المتغير. فهي تُعطي الأولوية للبقاء، مُركزةً على الحفاظ على نفوذها المحلي".

 

جرّ إلى الصراع والحرب طويلة الأمد

ومع ذلك، فإن الاضطرابات الإقليمية المستمرة قد تشكّل تحدياً قريباً لموقف العراق من ضبط النفس الاستراتيجي. هناك عدة مسارات محتملة يمكن أن تعيد تشكيل الحسابات في بغداد، يقول التقرير.

 

وأضاف، أن "أحد السيناريوهات هو حرب طويلة الأمد بين إيران وإسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، من الممكن أن ينجر العراق تدريجياً إلى هناك عندما تضغط إيران على الجماعات المسلحة المتحالفة معها لتنفيذ هجمات ضد الأميركيين في المنطقة أو في إسرائيل. ونظراً لهشاشة وقف إطلاق النار منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر والمستوى الحالي من عدم الاستقرار الإقليمي، فإن هذا السيناريو يبدو معقولاً".

 

أزمة الخلافة في إيران والفراغ الأمني

وتابع، "ولطالما اشتبهت طهران في أن عملاء الموساد ربما تسلّلوا إلى أراضيها عبر العراق. وقد يؤدي ذلك إلى إثارة التوترات بين الدولتين، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضربات عبر الحدود، خاصة في إقليم كوردستان. وسبق أن استهدفت إيران المنطقة بحجة تفكيك مواقع موساد المزعومة. وحتى في غياب المشاركة المباشرة، فإن خطر الانتشار سيزداد، مما يجعل العراق مرة أخرى ساحة معركة محتملة".

 

أما السيناريو الثاني، يقول التقرير، إنه "يتلخص في خفض التصعيد بشكل منظم، بدفع من الدبلوماسية الأميركية ــ واستراتيجية إسرائيلية معاد ضبطها. وهذا قد يسمح للعراق بعزل نفسه عن التورط المباشر والتركيز على التنسيق الإقليمي، ففي مثل هذا الوضع، قد ينضم العراق إلى الشركاء الخليجيين لتطوير بنية أمنية إقليمية أكثر قوة، مصممة لتقليل التعرض للصدمات الخارجية المستقبلية. ومن الأمور الأساسية لهذا التكامل مع الخليج بذل جهد دبلوماسي متواصل لحل النزاع الحدودي البحري مع الكويت".

 

ولفت التقرير، إلى أن "السيناريو الثالث الأكثر زعزعة للاستقرار هي حدوث أزمة الخلافة في إيران، وتفتت النظام. وقد يؤدي مثل هذا الانهيار إلى كسر شبكة محور المقاومة، ودفع اللاجئين عبر حدود العراق، وخلق فراغ أمني".

 

بالنسبة للعراق، يشير التقرير، إلى أنه "قد يكون هذا السيناريو محفوفاً بالمخاطر وقد يكون تحويلياً. فمن ناحية، قد تتدخل الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران في إيران أو المنطقة، وتقاتل من أجل الحفاظ على النظام القائم. ومن ناحية أخرى، قد يمثل ذلك فرصة نادرة للقادة العراقيين لتأكيد قدر أكبر من الاستقلال. وربما يتحرر العراق أخيراً من نفوذ إيران الذي دام عقدين من الزمن على سياساته".

 

سيناريو التصعيد النووي

ويرى التقرير، أن "هناك سيناريو آخر وهو التصعيد النووي، حيث تعلن إيران عن اعتزامها الحصول على الأسلحة النووية وتعزيز نظامها. وإذا تمكّنت طهران من إعادة تأكيد سيطرتها وتحقيق الاستقرار في إيران داخلياً، فمن المرجح أن يستمر العراق في مساره الحالي. وهذا يعني إدارة العلاقات بحذر، وإعطاء الأولوية للتعافي المحلي، ولكن مع النضال من أجل الحفاظ على سيادتها. ولكن في هذا السيناريو، فإن شبح الانتشار النووي الإقليمي سوف يلوح في الأفق".

 

"قد تفضل القيادة العراقية إبقاء رؤوسها منخفضة والتركيز على التنمية الاقتصادية المحلية والاستقرار"، وفق تقرير المعهد البريطاني، "لكن الديناميكيات الإقليمية الناشئة تقع خارج نطاق سيطرتهم إلى حد كبير، ومن الممكن أن يؤدي عدم الاستقرار الذي طال أمده إلى تقويض الروابط الحيوية في مجالي الطاقة والتجارة، مما يعرقل التعافي الاقتصادي الهش في العراق. كما يمكن أن يعرض للخطر السلطة التي بدأت النخب العراقية في تعزيزها مؤخراً".

 

وقال التقرير: "من الممكن أن تؤدي التهديدات الأمنية إلى إشعال الصراع الداخلي من جديد أو توريط العراق في حروب خارجية، في حين أن الصدمات السياسية من طهران يمكن أن تؤدي إلى كسر توازن القوى الدقيق في بغداد"، لافتاً إلى أن "الأمر المؤكد، بغض النظر عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، هو أن النظام الإقليمي في حالة تغير مستمر. ولم يعد التشبث بالوضع الراهن قابلاً للتطبيق. إن البصيرة الاستراتيجية، والقدرة على التكيف، وإعادة تعريف دور العراق في المنطقة سوف تشكل ضرورة أساسية إذا كان العراق راغباً في الصمود في وجه العاصفة المقبلة".

 

الجبال

نُشرت في الخميس 26 يونيو 2025 08:35 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.