الكورد والصِدام الإسرائيلي - الإيراني.. انفراجات جديدة أم مخاطر قديمة؟

8 قراءة دقيقة
الكورد والصِدام الإسرائيلي - الإيراني.. انفراجات جديدة أم مخاطر قديمة؟ تصاعد الدخان من موقع في طهران إثر قصف إسرائيلي

على الرغم من سريان وقف إطلاق النار الآن بعد المواجهة بين الكيان الإسرائيلي وإيران التي دامت 12 يوماً، فإن الضربات الإسرائيلية التي اخترقت عمق الأراضي الإيرانية في 13 حزيران حطمت محظوراً إقليمياً عمره عقود. 

 

للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية عام 1988، استهدف الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر البنية التحتية العسكرية الإيرانية على نطاق واسع - مما يشير إلى أن (الوضع الراهن) السابق لم يعد سارياً، وأن إمكانيات ومخاطر إقليمية جديدة آخذة في الظهور.

 

من بين الشعوب الأكثر تأثراً بهذا الواقع الإقليمي الجديد هم الكورد في إيران، الذين طالما كانوا ضحايا للتهميش الممنهج. واستغلالًا للحملة الحربية الإسرائيلية، قام النظام الإيراني بإعدام ثلاثة كورد اعتقِلوا بتهم لا أساس لها من التجسس لصالح إسرائيل في 25 حزيران، هذا ليس بجديد. غالباً ما يُوصَم النشطاء السياسيون الكورد بالانفصاليين ويُعاملون كتهديدات للأمن القومي، ويستمر النظام في إعدام الكورد وأفراد المجتمعات العرقية الأخرى بشكل غير متناسب بسبب نشاطهم السياسي، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان. 

 

يتزامن القمع السياسي الساحق مع الصعوبات الاقتصادية المتعمدة التي تفرضها الدولة. على سبيل المثال، تحتل المحافظات ذات الأغلبية الكوردية مثل كوردستان وكرمنشاه وإيلام مراتب بين أفقر مناطق البلاد وأقلها نمواً.

 

في خضم هذا الواقع العام، فإن استهداف "إسرائيل" لقواعد الحرس الثوري في هذه المحافظات كان من شأنه أن يخلق فرصة لجماعات المعارضة الكوردية المتمركزة في كوردستان العراق- كانت العديد من معاقلهم مكشوفة – ومع ذلك، امتنعت جميع الأحزاب الكوردية الرئيسية في إيران، من "الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني (KDPI)" وفروع "كومله" إلى حزب "الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)"، عن "استثمار" الأمر. 

 

وعلى الرغم من الدعاية الصادرة عن الجمهورية الإسلامية والمفاهيم الخاطئة بين العديد من المحللين ووسائل الإعلام، فإن المطالب المعلنة لهذه الأحزاب تهدف إلى إنهاء التمييز العرقي والديني وتأمين حكم لامركزي – وليس الاستقلال التام.

 

هذا التقييد الاستراتيجي متجذر في الحذر. لقد حسب القادة الكورد بحق أنه تحت الضغط الوجودي، قد تحاول إيران تصوير الكورد والجماعات السياسية العرقية الأخرى على أنهم يسعون للانفصال وتقسيم البلاد. يمكن بعد ذلك استخدام هذه السردية لتبرير حملة قمع قاسية ضد المنطقة الكوردية، مع توليد تأثير "الالتفاف حول العلم" في الوقت نفسه – خاصة في المراكز الحضرية المختلطة عرقياً مثل طهران وفي المناطق ذات الأغلبية الفارسية والشيعية – بالتالي كسب الوقت للنظام وتعزيز المشاعر القومية. لكن بعد أن نجا من هذه الحرب، قد يسعى النظام الآن إلى ترهيب السكان الأوسع وإظهار القوة عن طريق إعدام المزيد من النشطاء من المجتمعات العرقية.

 

الآثار المترتبة على كورد العراق

 

إضعاف إيران يحمل تداعيات كبيرة تتجاوز حدودها – خاصة بالنسبة لكورد العراق. على الجانب العراقي، قام القادة العراقيون أيضاً بمناورات دبلوماسية – وكانوا محظوظين نسبياً – في تجاوز العاصفة الإقليمية حتى الآن. ومن أبرز العوامل الرئيسة والمحظوظة للعراق كانت عدم رغبة إسرائيل الواضحة فتح جبهة في العراق، على الأقل في الوقت الحالي، بالنظر إلى أن التهديد الذي واجهته من الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع طهران كان ضئيلاً مقارنة بحزب الله اللبناني أو جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن.

 

ومع سريان وقف إطلاق النار الحالي، سيتعين علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت بغداد ستقرر تقديم تنازلات – على الأقل على صعيد الرواتب – مع حكومة إقليم كوردستان في الوقت الحالي، أو بدلاً من ذلك تضاعف حملة الضغط على الكورد.

 

بالنظر إلى أن نفوذ إيران قد شكل "الجبهة الشيعية" منذ فترة طويلة، فإن إيران الضعيفة – وخاصة تلك التي تتعرض لضغط إسرائيلي وأميركي مستمر – يمكن أن تحول ميزان القوى داخل العراق لصالح الجماعات غير الشيعية وتدفع بغداد لإظهار مرونة أكبر في القضايا المعلقة منذ فترة طويلة مثل دفع رواتب الكورد وصادرات النفط. وحقيقة أن حكومة إقليم كوردستان والأحزاب الكوردية العراقية بشكل عام تعاملت مع فترة الحرب الحرجة بحذر ولم تسمح باستخدام أراضيها كمصدر للتهديد لإيران، قد تلعب دوراً في تليين موقف طهران وبغداد تجاه إقليم كوردستان.

 

ومع ذلك، وبصرف النظر عن كل الاعتبارات، قد تختار بغداد التصرف بمرونة أقل تجاه الكورد – على الأقل طالما استمر وقف إطلاق النار وبقي الضغط على إيران، وبالتالي على العراق، خفيفاً.

 

السياق التركي والسوري

 

إعادة المعايرة الإقليمية تؤثر على السياسة التركية أيضاً. حذر الرئيس رجب طيب أردوغان في اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في 22 حزيران قائلاً: "لن نسمح بإقامة نظام سايكس-بيكو جديد في منطقتنا بحدود ترسم بالدم". بل ذهب شريكه في الائتلاف الحاكم وزعيم القوميين الأتراك المتطرف دولت بهجلي إلى أبعد من ذلك، وأعرب عن قلقه من أن "الهدف الرئيس" للحملة الإقليمية لإسرائيل هو تركيا.

 

بغض النظر عن صحة مخاوفهم، تميل تركيا للنظر إلى التحركات الإسرائيلية كجزء من مخطط أوسع لإعادة تشكيل المنطقة عن طريق إضعاف الدول التي تعارض إسرائيل. وقد يكون تصاعد التوترات بين تركيا وإسرائيل منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – وخاصة في عهد حزب العدالة والتنمية – وتصريحات من بعض الأوساط الإسرائيلية التي تدعو إلى "الفدرالية" للدول الإقليمية قد أزعج صناع السياسات الأتراك بشدة.

 

سواء كانت هذه المخاوف مبنية على حقائق أو نابعة من جنون الارتياب السياسي، فإن الحقيقة تظل قائمة: تخشى تركيا أن يتحالف الكورد في نهاية المطاف مع إسرائيل لتقويضها على المستويين الداخلي والإقليمي.

 

من المحتمل أن يكون هذا الخوف مبالغاً فيه – خاصة وأن كبار القادة الكورد المسجونين في تركيا، مثل عبد الله أوجلان وصلاح الدين دميرتاش، عارضوا علانية المخططات الإقليمية لإسرائيل، سواء كانت حقيقية أو متصورة. لكن ما تكشفه مخاوف القادة الأتراك بلا شك هو وعي أنقرة الخاص بأن معاملتها للكورد – داخل حدودها وخارجها – كانت غير عادلة. كما يعكس قلقاً أعمق أن: الكورد قد يسعون يوماً ما لتصحيح الظلم التاريخي لعدم امتلاكهم دولة بعد الحرب العالمية الأولى.

 

يجب أن تكون الأولوية الأكثر إلحاحاً لتركيا، وللدول الإقليمية الأخرى، هي بناء نماذج حكم شاملة وعادلة تشعر فيها جميع المجتمعات العرقية والدينية بأن حقوقها محمية ومحترمة.

 

بالطبع، يرتبط مصير الكورد في سوريا أيضاً ارتباطاً عميقاً بالديناميكيات الإقليمية الأوسع ونتائج مواجهات إسرائيل مع الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا – إذا حدثت مثل هذه المواجهات، حتى بشكل غير مباشر، عبر الساحة السورية.

 

ومع ذلك، وإدراكاً منهم للمخاطر والأخطار التي تشكلها التنافسات الحالية، امتنع الكورد السوريون إلى حد كبير عن طلب المساعدة من إسرائيل. هذا على الرغم من بعض الخطابات التي ظهرت فور سقوط نظام بشار الأسد، التي أشار فيها كبار الشخصيات الكوردية إلى أنهم سيرحبون بالدعم الإسرائيلي. صدرت تلك التصريحات في ظل ظروف ضغط هائل، حيث بدا أن تركيا والفصائل المسلحة السورية المتحالفة معها كانت على وشك شن حملة تطهير عرقي أخرى في شمال سوريا – مماثلة لما حدث في عامي 2018 و2019.

 

القاسم المشترك المحزن بين جميع الدول التي تحكم الكورد – من العراق وإيران إلى تركيا وسوريا – كذلك بين العديد من النخب الفكرية والإعلامية للمجموعات العرقية والدينية المهيمنة التي تحتكر السلطة في تلك الدول، هو نشر الخوف بلا هوادة ضد الكورد.


وبدلاً من الانخراط في مثل هذا السلوك وإلقاء اتهامات بالانفصالية والتقسيم، يجب على هؤلاء الفاعلين أن ينظروا في المرآة، يجب أن يسألوا أنفسهم ما الذي يستمرون في فعله خطأً قد يدفع الكورد إلى التفكير في طلب تحالفات خارجية أو استغلال الديناميكيات الإقليمية المتغيرة التي خلقتها الحرب، لتحدي وضع راهن قمعي وإقصائي.

محمد أ. صالح زميل أقدم غير مقيم بـ (معهد أبحاث السياسة الخارجية) في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، وباحث ومستشار مستقل. حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة (بنسلفانيا)، وله كتابات واسعة عن الشؤون العراقية والكوردية والإقليمية.

نُشرت في الخميس 26 يونيو 2025 03:17 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.