محطات حول قانون العفو العام.. كيف تدور قوى "الشيعة والسنة" في "حلقة مفرغة"؟

8 قراءة دقيقة
محطات حول قانون العفو العام.. كيف تدور قوى "الشيعة والسنة" في "حلقة مفرغة"؟

أغلق الباب على التنظيمات.. وقد يصل بمنفعته إلى "تشرينيين" وعشائر

 

اختتم قانون العفو العام أكثر من عام على إقامته داخل جدران مجلس النواب، منذ تسلمه من الحكومة في تموز 2023، لكن أي تقدم لم يحصل لا على القانون ذاته، ولا حتى على تصورات القوى السياسية والآراء المتعددة تجاهه.

 

وعجزت القوى السياسية عن إيصال صورة واضحة عن سبب الحماس له أو التحذير منه، لأنها على ما يبدو لا تمتلك أساساً تصوراً كافياً حول حقيقة خطورته من عدمها، بالرغم من أن القانون ليس سوى سطر واحد، وهو عبارة عن تعديل سيضاف إلى القانون الأصلي المشرّع عام 2016.

 

نظرة على القانون الأصلي

 

يمنح قانون العفو العام المشرّع عام 2016 والنافذ حتى الآن، عفواً عاماً عن العراقي المحكوم بالإعدام أو بإحدى العقوبات أو بالتدابير السالبة للحرية، ويأتي العفو وفق طلبات تقدم من ذوي المحكوم ويتم النظر فيها من قبل لجنة مختصة بذلك.

 

لكن القانون يستثنى في المادة الرابعة منه 13 نوعاً من الجرائم ويحرمها من الشمول بالعفو العام، وفي صدارتها الجرائم المنصوص في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005، وهذه الجرائم هي جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.

 

أما الفئة الثانية التي لا يشملها العفو العام هي: الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة وجريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية، وكل "جريمة إرهابية ساهم بارتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق".

 

صيغة قانون العفو العام النافذ الآن

 

 

كما يشمل الاستثناء جرائم تزوير العملة وجرائم الماسة بأمن الدولة والمخدرات والخطف والاتجار بالبشر، والاغتصاب واللواط، واختلاس أموال الدولة باستثناء من يسددوا ما بذمتهم من أموال، حينها يمكن شمولهم بالعفو.

 

 

 

 

ما هي الجريمة الإرهابية؟

 

والحديث هنا، عن الفئة الثانية المستثناة من العفو العام، والتي تمت الإشارة إليها بالجريمة الإرهابية، حيث وصف القانون الجريمة الإرهابية التي ينشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة وجريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة، وكل جريمة إرهابية ساهم بارتكابها بالمساعدة والتحريض والاتفاق.

 

لكن الحلقة المفقودة هنا، ما المقصود بالجريمة الإرهابية؟ بمعنى آخر: هل أن كل عملية تخريب لمؤسسات الدولة هو جريمة إرهابية؟، إذا كان كذلك فهذا قد يشمل عمليات الحرق التي تدّعي السلطات أنها طالت بعض مؤسسات الدولة خلال تظاهرات تشرين، كما أنّ محاربة القوات المسلحة هل يدخل ضمنها الاشتباكات التي تحصل بين بعض الفصائل والقوات الأمنية أحياناً فضلاً عن العشائر؟ وهل أن من قام على سبيل المثال بمنح عجلته لشخص ما تبيّن فيما بعد أنه قام باستخدامها بعملية إرهابية سيعتبر إرهابياً أيضاً باعتباره "ساهم" بالمساعدة.

 

 

ضرورة التعريف

 

جميع الملاحظات المذكورة، دفعت القوى السنية للتحرك نحو تعديل القانون، ولا يتضمن التعديل كما يشاع أحياناً شمول "المحكومين بالأرهاب بالعفو"، أو رفعهم من الفئات المستثناة في القانون الأصلي، بل أنّ التعديل عبارة عن إضافة تعريف فقط، لمن هو الإرهابي.

 

وجاء في صيغة التعديل، أن تتم إضافة عبارة تعريفية تضاف إلى الفقرة ثانياً من المادة 4 في القانون الأصلي، حيث يتم تقييد استثناء العفو بالجرائم الإرهابية، إذ يتضمن التعريف والتعديل كله فقط جملة "ويقصد بجريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية، كل من عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".

 

 

 

صيغة تعديل قانون العفو العام

 

 

التعديل قد ينقذ "تشرينيين" وجماعة "الدكة العشائرية"

 

من صيغة التعديل يمكن استنتاج الكثير، أولًا أن التعديل أغلق الباب تماماً على المحكومين بالإرهاب ممن هم مثبت عليهم أنهم في التنظيمات الإرهابية وعملوا فيها، أي أن التعديل حصر الإرهابي بأنه من عمل ضمن التنظيمات الإرهابية فقط، وليس أي شخص تم اتهامه بالإرهاب لأسباب كثيرة بالرغم من كونه لم يكن ضمن التنظيمات.

 

ووفق صيغة التعديل هذه، قد يستفيد الكثير ممن هاجموا مؤسسات الدولة خلال فترة تظاهرات تشرين، فضلاً عن المحكومين بالإرهاب بسبب "الدكة العشائرية"، فأفعالهم وفق صيغة القانون الحالي النافذ لعام 2016، تعتبر أفعالاً إرهابية تستثنيهم من العفو العام، لكن صيغة التعديل الجديد واشتراط أن يكون من قام بهذه الممارسات هم المنتمون في التنظيمات الإرهابية فقط، قد تنقذ الكثير ممن اتهموا بـ"الإرهاب" لأسباب كثيرة ليس في المحافظات المحررة فقط، بل حتى الجنوبية.

 

 

تفريغ القانون من محتواه

 

بالرغم من أن صيغة التعديل أغلقت وأسقطت أية مبررات تقول إن القانون يستهدف إخراج الإرهابيين، بل أنه أغلق الباب على المنتمين في التنظيمات تماماً، إلا أن الكثير من القوى والشخصيات الشيعية ما تزال تتهم القانون بأنه "يستهدف إخراج الإرهابيين".

 

وبرزت اعتراضات العديد من القوى على القانون وتعديله، بالرغم من أن قادة الإطار التنسيقي قد وافقت منذ البداية على القانون ضمن ورقة الاتفاق السياسي مع القوى السنية والكوردية والتي أدت لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

 

بل أن مجلس النواب سبق أن صوّت على هذه الصيغة التعديلية عندما صوت على البرنامج الحكومي، كما قالت الحكومة ذاتها في تموز 2023 عندما أعلنت إرسال القانون إلى البرلمان وذكر صيغة التعديل بالضبط وأشار إلى أنّ "البرلمان صوت عليها ضمن التصويت على البرنامج الحكومي".

 

من جانب آخر، يظهر بعض القادة السياسيين والقوى والنواب، رضاهم على قانون العفو العام بشرط "عدم مناقشة قصة الإرهاب"، فيما يعتبر مراقبون أن هذا الرأي يفرغ القانون من محتواه أساساً، فمقترح تعديل القانون المقدم من القوى السنية لا تستهدف أي شيء أساساً سوى فك الاشتباك عن المحكومين بالإرهاب، وتصنيفهم بين إرهابيين حقيقيين أو متهمين بالإرهاب، وعدم مناقشة أو تعديل فقرة الإرهاب، تجعل الحديث عن قانون العفو العام أساساً بلا جدوى.

 

 

العفو أم إعادة المحاكمة.. دوران في حلقة مفرغة

 

يقول بعض النواب السنة في معرض تبريرهم للقانون، أنه لا يستهدف العفو عن المحكومين، بل اعادة محاكمتهم او اعادة التحقيق، واعتبر العديد منهم أن قانون العفو لعام 2016 يتضمن اعادة المحاكمة والتحقيق، لكنه يبقى يستثني المحكومين بالارهاب حتى من اعادة المحاكمة والتحقيق.

 

لكن في الحقيقة، أن قانون العفو العام لسنة 2016 والنافذ الآن، يحتوي في المادة 9 منه، إمكانية شمول حتى المحكومين بالإرهاب وجميع الفئات الـ11 المستثناة من العفو، يمكن لهم طلب إعادة المحاكمة والتحقيق.

 

وتنص المادة 9 من القانون، على أنه للمحكوم عليه بجناية أو جنحة بمن فيهم مرتكبوا الجرائم المستثناة بالمادة (4) من إحكام هذا القانون ادعى انتزاع اعترافه بالإكراه أو اتخذت الإجراءات القانونية بحقه بناءً على أقوال مخبر سري أو  اعتراف متهم آخر، يمكنهم طلب تدقيق الأحكام من الناحيتين الشكلية والموضوعية والطلب بإعادة المحاكمة وللجنة سلطة تقديرية في القيام بإعادة التحقيق في الدعاوى المنظورة من قبلها.

 

يتضح من ذلك، أن العديد من القوى الشيعية والسنية، أما تجهل مضامين القانون السابق والتعديل الحالي، أو أنها تتعمد تحريف محتوياتها الحقيقية أمام الجمهور، بين من يتهم التعديل بأنه سيؤدي إلى إخراج الإرهابيين، وبين من يقول إن التعديل يستهدف إعادة المحاكمة، بالرغم من أن القانون السابق يتيح أساساً للمحكومين بالإرهاب طلب إعادة محاكمتهم.

 

لكن التعديل المقترح، ربما يكون تأثيره الأكبر، هو إمكانية العفو عن المحكومين بالإرهاب الذين لم يكونوا يوماً ضمن التنظيمات الإرهابية، سواء في المحافظات الغربية، أو في جنوب العراق من محتجي تشرين أو المتورطين بـ"الدكات العشائرية".

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأربعاء 4 سبتمبر 2024 09:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.