يبدو أن الانتخابات البرلمانية المرتقبة ستكون على صفيح ساخن، يُمدد حرارة الصيف حتى الحادي عشر من تشرين الثاني المقبل وهو الموعد المزمع لإجرائها، إذ تشهد العاصمة بغداد سباقاً انتخابياً غير مسبوق مع إعلان شخصيات سياسية بارزة خوض الانتخابات النيابية ضمن قوائم رئيسية.
حضور أسماء مثل محمد شياع السوداني، ونوري المالكي، وهادي العامري، ومحسن المندلاوي، ومحمد الحلبوسي على قوائم انتخابية في بغداد بتسلسل 1 أو "واحد بغداد" كما أطلق عليه، لا يُعد مجرد تنافس على مقاعد برلمانية، بل يحمل في طياته أبعاداً مركبة تتعلق بإعادة رسم خارطة النفوذ والشرعية السياسية داخل البلاد، ويعكس تحركات جدية للسيطرة على مركز القرار.
ونزول تلك الشخصيات في قوائم انتخابية في العاصمة بغداد، ولاسيما اشتداد المنافسة بين المالكي والسوداني سيُشتت أو ربما "يطحن" فرص الوجوه الجديدة والمستقلين والقوى المنبثقة عن احتجاجات تشرين 2019، بحسب سياسيين.
وأعلن كل من ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم منظمة بدر هادي العامري، ونائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، عزمهم الترشح للانتخابات المقبلة عن العاصمة بغداد بالتسلسل الأول، إلى جانب القيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، وآخرين.
وتتجه المسارات الى أن ترشح تلك القيادات في بغداد هو "صراع قادة" مفتوح ومحاولة لتقاسم النفوذ بين أقطاب القوى التقليدية، خصوصاً داخل الإطار التنسيقي.
"تحرك استراتيجي ونوايا هيمنة"
ويرى عائد الهلالي، مستشار رئيس الوزراء، أن ترشح تلك الشخصيات في بغداد ليس مجرد خطوة انتخابية، بل تحرك استراتيجي يعكس نوايا الهيمنة، ويكشف عن تحولات قادمة في بنية السلطة وتوزيع النفوذ.
ويقول الهلالي، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "ترشح شخصيات سياسية بارزة مثل محمد شياع السوداني، ونوري المالكي، وهادي العامري، ومحسن المندلاوي، ومحمد الحلبوسي على قوائم انتخابية في العاصمة بغداد يمثل حدثاً ذا أبعاد استراتيجية متعددة، قد يترك انعكاسات عميقة على الخريطة السياسية للبلاد، خاصة في العاصمة التي تعد مركز الثقل السياسي والديمغرافي".
وأضاف الهلالي، أن "ترشح تلك الشخصيات لا يعكس مجرد تنافس انتخابي محلي، بل يحمل ملامح صراع بين مراكز القرار التقليدية في الدولة"، مبيناً أن "بغداد ليست محافظة عادية؛ بل هي رمز للشرعية والسلطة السياسية، ومن يسيطر على تمثيلها، يمتلك ورقة قوية في المعادلة الوطنية. لذا، يبدو أن الصراع في العاصمة سيكون بين أقطاب نافذة تسعى لترسيخ وجودها كقوة حاكمة، لا مجرد تنافس على مقاعد برلمانية".
الأهداف الاستراتيجية لترشيح قيادات بارزة في بغداد، بحسب الهلالي هي ترسيخ شرعية القيادة داخل المكونات، وفرض ثقل رمزي على الخريطة الوطنية، إذ أن الترشح في بغداد يرسل رسالة إلى الخصوم والحلفاء بأن الزعيم حاضر في القلب السياسي للعراق، فضلاً عن إحراج الخصوم أو تقليص مساحة تحركهم، خصوصاً المستقلين أو القوائم الناشئة، تمهيد لصفقات بعد الانتخابات على رئاسة الحكومة أو مناصب سيادية.
وعن تأثير نزول المرشحين القادة بقوائم بالرقم (1) على الخريطة السياسية لبغداد، يرى مستشار السوداني، أن "ذلك سيؤدي إلى إضعاف فرص الوجوه الجديدة والمستقلين بفعل طغيان المال السياسي والإعلام والدعاية المكثفة"، مشيراً الى "انقسام خارطة التصويت داخل المكون الواحد، سواء الشيعي أو السني، قد يؤدي إلى تشتت الأصوات ما لم تُحسم التحالفات باكراً، فضلا عن تحجيم القوى الصاعدة ومحاولة إقصائها من بغداد تحديداً لمنع تشكّل معارضة مدنية قوية".
"احتكار للقرار السياسي"
ولفت الهلالي إلى أن "الترشح في بغداد يعكس رغبة واضحة في احتكار القرار السياسي في العاصمة، إذ تسعى هذه الشخصيات إلى احتكار الصوت الانتخابي عبر أدوات النفوذ الأمني، العشائري، والاقتصادي، وربما توظيف المؤسسات الحكومية لضمان التفوق الانتخابي".
وأشار الى أن "المستقلين والوجوه الجديدة، فرصهم محدودة جداً في ظل الهيمنة المالية والإعلامية للقوائم الكبرى، إلا أن وجود سخط شعبي متصاعد قد يوفر لهم حواضن شعبية في بعض المناطق، خاصة في مناطق الشباب والطبقة الوسطى". لافتاً الى أن "الأمر يعتمد على قدرة المستقلين على بناء تحالفات تكتيكية وخطاب جذاب يعكس تطلعات الشارع".
ومضى مستشار رئيس الوزراء بالقول، إن "هناك بالفعل قلق من تهميش مناطق معينة أو تغييب أصوات مكونات بعينها، خصوصاً إذا تم رسم الدوائر الانتخابية بشكل غير عادل أو تم استغلال أدوات الدولة لصالح تحالفات السلطة، هذا قد يولّد شعوراً بالتهميش قد ينفجر سياسياً أو اجتماعياً لاحقاً".
ووفق الهلالي فإن "وجود السوداني والمالكي والعامري في مضمار واحد قد يفاقم التنافس الداخلي في الإطار التنسيقي، خصوصاً إذا تعارضت المصالح الشخصية أو اختلفت حسابات ما بعد الانتخابات".
أما بالنسبة للعلاقة مع القوى السنية والكوردية، أفاد بأن "هذه الخطوة قد تُفسّر بأنها محاولة للهيمنة على بغداد على حساب التوازن الوطني، ما قد يعقّد مشاورات تشكيل الحكومة أو توزيع المناصب".
وأكد الهلالي، أن "ترشح تلك الشخصيات في بغداد ليس مجرد خطوة انتخابية، بل تحرك استراتيجي يعكس نوايا الهيمنة، ويكشف عن تحولات قادمة في بنية السلطة وتوزيع النفوذ، لكن النجاح في ذلك يعتمد على مدى تقبّل الشارع وتماسك التحالفات، وفي المقابل، مدى قدرة المستقلين والناشطين على خلق بدائل مقنعة".
"منافسة ساخنة بين المالكي والسوداني"
بدوره، يرى استاذ العلاقات العامة علاء مصطفى أن المنافسة الانتخابية داخل العاصمة بغداد "ستكون ساخنة".
ويقول مصطفى في حديث لمنصة "الجبال"، إن "السوداني سيترأس لأول مرة تحالفاً انتخابياً بالحجم الذي أعلن عنه، بينما محمد الحلبوسي يريد دخول المنافسة في بغداد كي لا يبقى محصوراً ضمن المكون السني في الانبار ويتحرك تجاه الفضاء العام".
المؤشر الأهم بحسب الاكاديمي علاء مصطفى، هو نزول نوري المالكي إلى الانتخابات بشكل مباشر، مبيناً أن "المالكي قرأ المعطيات الانتخابية وبالتالي وجد من الأنسب خوض الانتخابات بنفسه لعدة أسباب، أبرزها موازنة المنافس الأهم وهو محمد شياع السوداني، إذ أن ترشيح المالكي جاء لإحداث توازن مع رمزية السوداني وتحالفه الإعمار والتنمية".
أما عن القوائم الصغيرة والوسطى، أشار مصطفى الى أنها "تعمل وفق قواعدها وتنظيماتها واتصالاتها الشخصية، والقوائم التي لا تمتلك رموز كبيرة ستطحن بين القوائم الكبيرة التي سترشح في العاصمة بغداد لا سيما ما بين المالكي والسوداني".
إعادة ترسيم مركز السلطة
من جهته، يقول الباحث بالشأن السياسي والمقرب من التيار الصدري، مجاشع التميمي، إن "ترشح شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ونوري المالكي، وهادي العامري، ومحسن المندلاوي، ومحمد الحلبوسي ضمن قوائم انتخابية في العاصمة بغداد، يُعد تحوّلاً سياسياً لافتاً يحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز التنافس الانتخابي التقليدي".
ويذكر التميمي في حديث لمنصة "الجبال"، أن "أولئك القادة لا يترشحون من فراغ، بل يأتون إلى بغداد بهدف إعادة ترسيم مركز السلطة، في مرحلة تتداخل فيها التحديات الداخلية مع التحولات الإقليمية، بما في ذلك التفاهمات الأميركية–الإيرانية المرتقبة".
وأشار التميمي الى أن "وجود تلك القيادات في بغداد قد يشير إلى (صراع قادة) مفتوح، لكنه أيضاً يُفسَّر كمحاولة لتقاسم النفوذ بين أقطاب القوى التقليدية، خصوصاً داخل الإطار التنسيقي، الذي يشهد بدوره تمايزاً داخلياً"، مبيناً أن "ترشيح هذه الشخصيات يُرسل رسالة واضحة بأن القرار السياسي المقبل سيُصاغ في قلب العاصمة، وليس عبر المحيطات الجغرافية أو المحاور الإقليمية".
ورأى الباحث بالشأن السياسي، أن "ذلك الزخم القيادي الكثيف قد ينعكس سلباً على فرص المستقلين والوجوه الجديدة، الذين يفتقرون إلى الدعم المالي والتنظيمي والإعلامي الكافي"، مشيراً الى أن "المنافسة ستكون غير متكافئة، ما يُهدد بإعادة إنتاج الطبقة السياسية الحالية، وتهميش التيارات التغييرية التي برزت بعد احتجاجات تشرين".
ولفت التميمي إلى أن "تركّز الزعامات الشيعية والسنية في بغداد يثير تساؤلات حول مدى شمولية التمثيل، وإمكانية تهميش مناطق أو مكونات معينة لصالح تحالفات السلطة، وهو ما قد يُغذّي شعوراً بالاحتكار السياسي. كذلك، قد تُسهم هذه التكتلات الكبيرة في تعميق الانقسامات داخل الإطار التنسيقي، خاصة إذا ما طغى التنافس الشخصي على التفاهمات المرحلية، كما يمكن أن تعيد خلط أوراق العلاقة بين القوى الشيعية والسنية والكوردية".
وختم الباحث بالشأن السياسي قوله بإن "ما يجري في بغداد ليس مجرد سباق انتخابي، بل إعادة رسم للمعادلة السياسية، حيث تسعى الزعامات التقليدية إلى الإمساك بمفاصل القرار من داخل العاصمة، في لحظة سياسية فاصلة على المستوى المحلي والإقليمي".
تعزيز نفوذ القوى التقليدية
من جانبه، يرجح المرشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، ضياء المحسن، أن تشكل تلك الترشيحات الكبيرة صراعاً على النفوذ والزعامة في بغداد.
ويقول المحسن في حديث لمنصة "الجبال"، إن "وجود قادة بذلك الثقل السياسي يتنافسون على أصوات العاصمة سيؤدي حتماً إلى تنافس حاد على استقطاب أكبر شريحة من الناخبين وقد لا يكون صراعاً مباشراً بالضرورة، بل منافسة على إثبات الحضور والأكثرية".
وأضاف المحسن أن "هناك عدة أهداف استراتيجية محتملة، منها تأكيد الثقل السياسي، حيث أن بغداد تعتبر مركز الثقل السياسي والإداري في العراق، والفوز بأغلبية فيها يعزز من مكانة التحالف وقادته على المستوى الوطني، كما أن حصد أكبر عدد من المقاعد فيها يمنح قوة تفاوضية أكبر في تشكيل الحكومة المقبلة، أخير فإن ذلك يمثل رسالة قوة، الهدف منه إظهار قوة التحالف وتماسكه وقدرته على حشد التأييد الشعبي في العاصمة".
وتابع قائلاً: "من المرجح أن يؤدي ترشح هذه القيادات إلى تعزيز نفوذ القوى التقليدية في بغداد، كما أنه قد يشهد تراجعاً نسبياً في حظوظ القوى الجديدة والمستقلة قياساً بالثقل الانتخابي الذي تمثله هذه الشخصيات وتحالفاتها".
ولفت المحسن الى أن "هناك بالتأكيد عنصر المواجهة والسعي لتحقيق أكبر قدر من النفوذ، لكن في الوقت نفسه، قد تكون هناك تفاهمات ضمنية أو علنية لتقاسم النفوذ بشكل أو بآخر، خاصة بين قوى الإطار التنسيقي نفسها".
وأشار المحسن الى أن "تلك الترشيحات من العيار الثقيل تعكس رغبة في الحفاظ على النفوذ وتأكيده في العاصمة، وهو ما يمكن تفسيره بأنه محاولة لعدم السماح لقوى أخرى بتشكيل ثقل كبير في مركز القرار السياسي".
ولفت المرشح للانتخابات المقبلة الى أن "القوائم المدعومة من الزعامات التقليدية تتمتع بموارد مالية وإعلامية وتنظيمية أكبر بكثير، مما يجعل المنافسة صعبة للغاية على المستقلين الذين غالباً ما يفتقرون لهذه الإمكانيات".
وبحسب المحسن، فقد يتمكن بعض المستقلين الذين يتمتعون بشعبية شخصية أو يتبنون قضايا محددة من تحقيق بعض النجاح، لكن اختراقهم سيكون محدوداً نسبياً، لذا فإن منافسة المستقلين صعبة للغاية.
ورأى أن "هناك مخاوف حقيقية من تهميش مناطق أو مكونات معينة إذا ما تركزت المنافسة بين تحالفات السلطة التي قد تستهدف قواعدها الانتخابية بشكل أساس، مما قد يقلل من الاهتمام بمطالب واحتياجات المناطق الأخرى".
وختم المحسن حديثه بالقول: "من الممكن أن يؤدي هذا التكتل إلى زيادة التنافس الداخلي بين قوى الإطار التنسيقي على النفوذ في بغداد، أما بالنسبة للعلاقة مع القوى السنية والكوردية، فقد لا يؤثر هذا الترشيح بشكل مباشر على مستوى الانقسام، لكن النتائج النهائية للانتخابات في بغداد وتوزيع المقاعد قد تؤثر على شكل التحالفات اللاحقة وتوازنات القوى على المستوى الوطني.
يشار إلى أن غياب التيار الصدري عن الانتخابات المرتقبة فتح المجال أمام عدد من القوى السياسية للتنافس على بغداد، التي تُعد الساحة الأبرز التي خلّف فيها التيار فراغاً ملحوظاً، إذ ويُنظر إلى هذا الفراغ على أنه فرصة استثنائية لبقية الكتل، لاسيما القوى الشيعية والسنية الصاعدة، لإعادة تشكيل موازين القوى داخل العاصمة وسد الفراغ الانتخابي الذي كان يشغله الصدريين في بداية الدورة البرلمانية الخامسة قبل انسحابهم من مجلس النواب.