في الذكرى الرابعة والأربعين لفاجعة "ثانوية الكاظمية"، إحدى الجرائم التي أدين بها النظام العراقي السابق، توصّل جهاز الأمن الوطني العراقي لاعترافات جيدة حول الحادثة، دوّنها عن لسان مرتكبيها من عناصر وقيادات النظام السابق، الذين جرى القبض عليهم في عمليات رصد وتتبع معقدة داخل وخارج العراق.
وقعت الفاجعة في 14 أيار عام 1981، حينما كتب أحد الطلبة عبارة "يسقط صدام" على السبورة، فرد النظام بإصدار أحكام بالإعدام على 40 طالباً دون محاكمة.
وحدّد جهاز الأمن الوطني، اليوم الثلاثاء الموافق 20 أيار 2025 وقفة لأحياء الذكرى الـ44 للحادثة واستذكار ضحاياها الذين أطلق عليهم فيما بعد "شهداء ثانوية الكاظمية".
وتضمّن تقرير نشرته الجريدة الرسمية، تزامناً مع الذكرى الـ44 للواقعة اليوم الثلاثاء، وكشف مدير الشعبة الرابعة، اللواء (سابقاً) في مديرية الأمن العامة التابعة للنظام السابق، نعمة سهيل صالح الدليمي، خلال التحقيق معه في جهاز الأمن الوطني أن "المجرم صدام (شخصياً) هو من أمر بإعدام طلبة الثانوية وذويهم وأقاربهم"، في وقت، دعا إعلاميون وحقوقيون وذوي الشهداء المغدورين لتخليد هذه الذكرى المفجعة واعتبارها من المناسبات الوطنية.
في قبضة جهاز الأمن الوطني
وقال رئيس جهاز الأمن الوطني، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، عبد الكريم عبد فاضل الملقب بـ "أبو علي البصري"، في حديث خاص للجريدة، إنه "بالرغم من أن (الشعبة الخامسة) في مديرية الأمن العامة كانت تتمتع بـ(قدرة مرعبة) على فرز وتنظيم المعلومات التي كانت تتجمع لديها عن حركات المعارضة والأصول الدينية والمذهبية عن الشخصيات المهمة، إلا أنها عجزت عن الوصول إلى الطالب الذي كتب بيده شعار (يسقط صدام) على (سبورة) صف الرابع عام شعبة (دال) في ثانوية الكاظمية عام 1981، فصدرت الأوامر باعتقال جميع الطلبة في ذلك الصف، وذلك خلافاً للمبادئ الدولية والشرعية لعدالة الأحداث".
وأضاف "ولما كانت أوامر الاعتقال أو الاغتيال تصدر من صدام مباشرة - بحسب اعترافات اللواء السابق في مديرية الأمن العامة المجرم نعمة سهيل الدليمي - فإن (مديرية أمن بغداد استخدمت بتعليمات من صدام حسين نفسه)، أبشع أساليب التعذيب والإذلال خلال اعتقال وإعدام جميع الطلبة البالغ عددهم 44 مراهقاً وبريئاً، والذين كانوا بأعمار 16 عاماً فما دون، كذلك استخدام ذات الأساليب الإجرامية خلال اختطاف نحو (632) مواطناً من آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأقارب الطلبة الأبرياء من شوارع مدينة الكاظمية وإعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية".
ذكرى المذبحة
وبصدد التذكير بضحايا النظام المباد، قال "البصري": "إننا وذوي الشهداء، هذا اليوم الثلاثاء 20 أيار الجاري، نحيي ذكرى هذه المذبحة التي ارتكبها صدام وأجهزته المرعبة في 14 أيار عام 1981 والمكان ثانوية الكاظمية في بغداد التي ارتكبت فيها المجزرة والتي أزهقت فيها أرواح نحو (676) طفلاً وشاباً وشابة ورجلاً وامرأة وكبار السن على أساس طائفي"، مؤكداً "أهمية أن تتناول الكثير من المدارس والجامعات هذا الموضوع خلال الدروس، وطباعة الكتب التي تتناول السيرة التاريخية وبموضوعية لـ(مذبحة ثانوية الكاظمية)، بعد أن استغرق الأمر نصف قرن لإحيائها، ويجب رفض أي شكل من أشكال إنكار جرائم صدام وعقارب أجهزته القمعية، والمساعدة في منع التنظيمات الإرهابية من أن تنفذ إبادة جماعية في المستقبل" .
عقوبة "يسقط صدام"
بيّنت اعترافات اللواء السابق في مديرية الأمن العامة (الشعبة الرابعة - طلبة) نعمة سهيل صالح الدليمي، عن "نوايا كانت قائمة من جانب الرئيس السابق صدام حسين وأجهزته القمعية لإفناء الجماعات المعارضة لنظامه من خلال تهجيرهم إلى معسكرات الاعتقال ثم القضاء عليهم" .
وأدلى الدليمي بتفاصيل عن "مجزرة ثانوية الكاظمية"، قائلاً: "خلال الساعات الأولى من صباح يوم الخميس 14 أيار 1981؛ قرع جرس الإنذار في مديرية أمن بغداد، وعلى الفور توجهت قوة كبيرة من ضباط ومراتب المديرية يقودها (علي عبد الله برع) مدعمة بفوج الطوارئ باتجاه (ثانوية الكاظمية للبنين)، يأتي ذلك على إثر بلاغ رسمي من قبل مدير الثانوية عن كتابة شعار (يسقط صدام) على إحدى (السبورات) في أحد صفوف الثانوية" .
وأضاف الدليمي أنه "بعد وصولنا بالقوة القادمة من المديرية تم تطويق الثانوية بالكامل واقتحامها، وبعد التحري عثرنا فعلاً في صف الرابع العام شعبة (دال) على (الشعار) وبكتابة واضحة"، مؤكداً أنه "تم اعتقال جميع طلبة الصف الرابع الـ44 طالباً، وانسحبنا إلى مقر مديريتنا، وجرى فتح أبواب التحقيق على وجه السرعة وباستخدام كافة الأساليب القمعية الجسدية والنفسية بهدف انتزاع اعتراف الطلبة عن الطالب الذي قام بكتابة (الشعار)". واعترف الدليمي أنه "برغم استخدامنا كل وسائل التعذيب والتدمير النفسي لم نحصل على أهدافنا بالتحقيق والوصول للطالب الذي كتب (الشعار)".
صدام يتذمر
ويقول الدليمي إن "صدام أبدى تذمره وصبَّ جام غضبه على المحققين وضباط المديرية والقوة الأمنية المنفذة للواجب ومعاقبة ضباطها وذلك لتأخرهم في اعتقال ذوي الطلاب وأقاربهم، الأمر الذي جعل اهتمامنا يصبّ في خانة إرضاء المجرم صدام بأي شكل من الأشكال}. وأضاف "لذا، أعدّت مديريتنا (أمن بغداد) خطة لاختطاف جميع ذوي وأقارب كل طالب يتم الإخبار عنه من قبل المخبرين تنفيذاً لتعليمات المجرمين صدام حسين وعلي حسن المجيد – علي كيمياوي (مدير الأمن العام 1984 – 1987) والعمل بالسياق المعروف بتنفيذ حكم الإعدام ميدانياً بحق المعتقلين المعارضين للنظام البائد" .
ولفت الدليمي في اعترافاته إلى أن "قرار إعدام الطلبة نفذ بتاريخ 2 آب 1981 وحسب السياقات المتبعة والمتفق عليها بين صدام وفاضل البراك الناصري (مدير الأمن العام 1976 – 1984)، على أن يكون تنفيذ الإعدامات من قبل الضباط والمحققين مباشرة وميدانياً (دون محاكمة) ودفنهم في مقابر جماعية دون محاكمات أو اعترافات" .
وبخصوص ذوي وأقارب الطلبة، كشف الدليمي أنه "تم إعدامهم بالتسلل خلال ثلاث سنوات لغاية 1983، وذلك بالتسلسل الزمني، أي أنه كلما يتم اعتقال مجموعة منهم يجري تنفيذ الإعدام وحسب السياق المعمول"، مشيراً إلى أنه "تم إخفاء رفاتهم لمدة خمسة عشر عاماً ليتم تسليمهم إلى من تبقّى من أقارب كل عائلة ضمن تعليمات صدرت في عام 1996، وذلك للتخفيف من حالة الغضب والغليان التي سادت الأوساط الاجتماعية وعوائل الشهداء في المحافظات الجنوبية".
مطالبات بمحاسبة المجرمين
وركّزت دعوات صحفيين وذوي الشهداء ومختصين بحقوق الإنسان، على ضرورة محاسبة الضباط والمحققين في أجهزة صدام حسين القمعية عن ارتكابهم "جرائم الإبادة الجماعية، التعذيب، والتهجير القسري"، باعتبارها إطاراً قانونياً قوياً يمكنه محاسبة المسؤولين وحتى رؤساء الدول عن أفعالهم.
في السياق، ناشدت بقية عوائل شهداء "ثانوية الكاظمية" وذوو ضحايا "المقابر الجماعية" الحكومة العراقية ومجلس النواب إلى تقديم ضباط الأجهزة القمعية للنظام السابق إلى المحاكم المختصة، ومطاردة الضباط والمحققين المسؤولين عن إعدام أبنائهم وتعذيبهم باستخدام أنواع الأساليب والضغوط النفسية لانتزاع اعترافاتهم الوهمية، متهمين رأس النظام صدام بافتعال الحادثة بهدف السيطرة على مدينة الكاظمية.
الناجي الوحيد من "مذبحة الكاظمية" والد الشهيد (عبود عبد الوهاب حسن يعقوب)، قال إن "مسؤولية النظام المباد في التخطيط للجريمة واضحة، فقد تسلل أحد (عقارب الأمن) إلى صف الرابع شعبة (دال) وكتب (الشعار)، مستغلاً وجود الطلبة في ساحة الثانوية عند بدء الدوام صباحاً للمشاركة في (رفع العلم) المعتاد كل خميس"، مبيناً أن "ترتيب المذبحة بهذا الشكل كان يهدف لغرس الخوف والإرهاب بين الأوساط الاجتماعية والطلبة وزرع الفتنة على أساس طائفي في مدينة الكاظمية المقدسة" .
وأشار الوالد المفجوع إلى أنه "منذ يوم اعتقال ولدي الشهيد في أيار 1981، وبعد مرور 4 عقود من الزمن على إعدام الشهيد، مازلت آمل في تحقيق حلمي بإنزال القصاص العادل بحق المجرمين ضباط الأجهزة القمعية الذين اعتقلوا ولدي وكان لايزال فتى صغيراً بتهمة كتابة شعارات ضد الطاغية المقبور" .
وتساءل الأب بغضب يملأه الحزن وغصة تكاد تقتله: "إذا أعدم ولدي في معسكرات الموت الصدامية بسبب شعار واحد لم يكتبه، فلماذا لم يعدم كل ضابط أو محقق أو منتسب للأجهزة القمعية ممن ارتكب جرائم القتل والتعذيب، وإنصافاً أن نتوقف دائماً عند علامات التحذير حتى لا تتحول جرائمهم إلى مزايدات سياسية لا تليق بالعراق وشعبه وحضارته وتاريخه الإسلامي؟".
وأضاف "صدام مجرم وإرهابي وقاتل وطائفي، ولابد من اعتبار فترة حكمه أداة لتنفيذ الإبادة الجماعية التي تعرض لها أبناء المحافظات الجنوبية وبغداد والكورد في المحافظات الشمالية والأقليات على مدى 3 عقود من الزمن، ولابد من الكشف عن مصير أبنائهم وذويهم الضحايا ومكان دفنهم، ومحاكمة الضباط والمحققين المسؤولين عن قتل أكثر من 500 ألف مواطن في معسكرات (عقارب الأمن العامة) ببغداد" .