اختارت الموت حفاظاً على "سترها" بانفجار 2016.. ضجة في البصرة بعد إزالة تمثال "خالدة تركي"

5 قراءة دقيقة
اختارت الموت حفاظاً على "سترها" بانفجار 2016.. ضجة في البصرة بعد إزالة تمثال "خالدة تركي" تمثال خالدة تركي قبل الإزالة (فيسبوك)

في مشهد أثار غضب وحفيظة الشارع البصري، أُزيح بهدوء وفي جنح الظلام تمثال المعلمة خالدة تركي من ساحة الطيران في مدينة البصرة، دون بيان رسمي أو توضيح، ليتحول غياب التمثال إلى حضور طاغٍ لأسئلة واحتجاجات.

 

خالدة تركي، التي سجّلت موقفاً إنسانياً نادراً في يوم دموي من عام 2016، حين اختارت البقاء داخل سيارتها لحظة انفجار "حفاظاً على سترها"، لتجسّد بذلك شجاعة أخلاقية، قبل أن يتحول جسدها إلى رماد، وروحها إلى ذاكرة جمعية خالدة.

 

وقد خُلدت تلك اللحظة في نصب نحتي ظلّ شاخصاً لسنوات في قلب البصرة، بوصفه تحية متأخرة لصوت النسوة المقهورات وأجسادهن المحجوبة خلف الأبواب والأسوار.

 

ردود الفعل لم تتأخر إزاء إزالة تمثال خالدة تركي، إذ عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات غاضبة وعبارات احتجاج من ناشطين ومدونين ومواطنين، رأوا في الخطوة "محواً لرمز الشجاعة والكرامة الأنثوية"، وطمساً متعمداً لصورة امرأة اختارت الموت على أن يُكشف سترها، حين وقع التفجير عام 2016.

 

 موقع تمثال "خالدة تركي" في ساحة الطيران بالبصرة

 

وقال بعض المدونين إن "التمثال لم يكن مجرد منحوتة من حجر، بل شاهدٌ على موقف أخلاقي نادر"، فيما تساءل آخرون عن الجهات التي تجرأت على رفعه من دون الرجوع للشارع أو تقديم توضيح رسمي يهدّئ الرأي العام.

 

الشارع البصري الذي لطالما اعتزّ بالتمثال كرمز لصبر نسائه وتضحياتهن، عبّر عن رفضه لهذا القرار، وسط دعوات إلى إعادة ا لتمثال إلى مكانه فوراً، واحترام الرموز التي تختصر تاريخاً من الصمت النبيل.

 

المواطن همام علي، قال في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "تمثال الشهيدة خالدة تركي لم يكن مجرد قطعة نحتية وضِعت في ساحة عامة، بل كان بمثابة شاهد حيّ على قصة استثنائية من الشجاعة والكرامة، قصة امرأة عراقية واجهت الموت بوعي كامل واختارت أن تحافظ على سترها حتى اللحظة الأخيرة. هذه القصة تحوّلت مع الزمن إلى رمز نادر في مجتمع أنهكته الحروب والنسيان".

 

وأضاف: "التمثال لم يشكّل أي ضرر على حركة السير أو تخطيط الطرق، ولم يكن عائقاً في ساحة الطيران كما قد يتوهم البعض. مكانه كان مدروساً، وكان يضفي على الشارع بعداً إنسانياً وتاريخياً نفتقر إليه في معظم معالم المدينة. بل على العكس، كان نقطة توقّف وجداني لكل من يمرّ بالمكان، تذكاراً صامتاً بأن في هذه الأرض نساء قدّمن أرواحهن بثبات لا يُصدّق".

 

وتابع علي: "نحن أبناء البصرة لا نرى في التمثال مجرد صرح نحتي، بل نراه امتداداً لذاكرتنا الجمعية، ورفعه بهذه الطريقة المباغتة وفي وقت متأخر من الليل، دون أي توضيح من الجهات الرسمية، أمر يدعو للريبة ويثير الألم. ما جرى هو إهانة مزدوجة؛ الأولى لروح الشهيدة، والثانية لذاكرة المدينة التي بدأت تُنسى رموزها تحت ذرائع غامضة".

 

وختم بالقول: "نطالب بإعادة التمثال إلى مكانه فوراً، لا دفاعاً عن حجر، بل دفاعاً عن قصة، عن امرأة، عن قيمة نادرة لم يعد لها مكان في الفضاء العام، ولأننا ببساطة لا نريد أن نتحوّل إلى مدينة تمحو رموزها بالصمت".

 

من جهتها، أوضحت عضو مجلس محافظة البصرة أطياف التميمي في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "ملف تمثال الشهيدة خالدة تركي ما زال قيد المتابعة والنقاش داخل الأوساط الإدارية المعنية، ولم يُتخذ حتى الآن قرار نهائي بشأن ما إذا كان التمثال سيُعاد إلى موقعه الأصلي في ساحة الطيران، أو سيُنقل إلى مكان آخر، أو حتى يُعاد تقديمه بطريقة فنية وتصميمية جديدة تراعي المتغيرات الفنية أو المكانية".

 

وأكدت التميمي، أن “مجلس المحافظة يُدرك حساسية الموضوع، ويتابع ردود الفعل الشعبية التي عبّر عنها المواطنون والناشطون خلال اليومين الماضيين، لا سيما أن تمثال خالدة لا يمثل مجرد عمل نحتي، بل يحمل في طياته دلالة رمزية مؤثرة تتصل بواحدة من أندر صور التضحية التي عرفها المجتمع العراقي، من خلال امرأة واجهت الموت بثبات حفاظاً على قيمها وكرامتها".

 

وأضافت: "هناك تواصل مباشر مع الجهات التنفيذية والفنية في المحافظة لمتابعة أسباب الإزالة وتفاصيلها، وللتأكد من أن أي خطوة لاحقة ستُتخذ بخصوص التمثال ستكون منسجمة مع ما يتطلبه احترام الرموز العامة وذاكرة المدينة".

 

واختتمت التميمي حديثها، بالتأكيد على أن "الأولوية في هذا الملف هي لامتصاص الغضب الشعبي المشروع، وضمان أن لا يتم التعامل مع الرموز الوطنية بشكل ارتجالي أو خارج إطار الشفافية، خصوصاً في مدينة كالبصرة تزخر بالتاريخ، ويحتفظ أبناؤها برموزهم كجزء من هويتهم الثقافية والإنسانية".

 

 

الجبال

نُشرت في الاثنين 12 مايو 2025 05:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.