لم ينتهِ الجدل حول قانون الأحوال الشخصية، حتى بعد مرور ثلاثة أشهر على تعديله، إذ ما تزال تداعياته تتجه بين مسارين، أحدهما مؤيد والآخر رافض.
وسبق أن واجه تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي في كانون الثاني الماضي، انتقادات حادة من الأوساط الشعبية والسياسية، حيث يرتبط هذا التعديل بالقانون رقم 188، الذي عمل به العراق منذ عام 1959.
وأُتهم تعديل القانون بأنه يضم بنوداً مثل السماح بتزويج القاصرات، وسلب حضانة الأم، بالإضافة إلى حرمان الزوجة من الإرث في أصل العقار، كما أنه "يشكل انتهاكاً لحقوق المرأة والطفل ويهدد بتداعيات اجتماعية خطيرة".
التعديل قلل نسب الطلاق
عضو مجلس النواب رائد المالكي وهو صاحب مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، استشهد بآخر إحصائية نشرها مجلس القضاء الاعلى للطلاق والزواج مدّعياً أن تعديل قانون الأحوال الشخصية، ساهم في تقليل نسبة الطلاق بالمحاكم العراقية.
ونشر المالكي تغريدة على منصة "إكس"، كتب فيها أنّ "معدلات الطلاق باتت في انخفاض مستمر نتيجة إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية"، مشيراً إلى أنّ "العراق سجل خلال شهر آذار الماضي أدنى مستوى لحالات الطلاق".
ولم يكتف عضو اللجنة القانونية في البرلمان بهذا، بل أشار إلى "انخفاض معدلات الطلاق في جانب الرصافة من بغداد بالمقارنة مع جانب الكرخ، في إشارة إلى انخفاض نسب الطلاق في الجانب الذي تقطنه غالبية شيعية، على حساب المناطق ذات الكثافة السكانية السنية".
وتشير إحصائية حالات الطلاق الواقع في شهر آذار لثمان سنوات سابقة – بحسب المالكي - إلى أن شهر آذار 2025 انخفضت فيه معدلات الطلاق مع التفريق القضائي بشكل كبير جداً وكالاتي: آذار 2017 عدد الحالات: 6242، وآذار 2018 عدد الحالات: 6582، آذار 2019 عدد الحالات:6751، آذار 2021 عدد الحالات: 6603، أما في آذار 2022عدد الحالات: 6606، وآذار 2023 عدد الحالات: 6715، إضافة إلى أن عدد الحالات في آذار 2024 كانت: 6222، وفي آذار 2025 عدد الحالات: 4974.
ودخل التعديل الذي أقره مجلس النواب حيز التنفيذ في 17 شباط 2025 الماضي، بعد نشره في جريدة الوقائع الرسمية في العدد رقم "4814"، مع تعديل قانون العفو العام وقانون العقارات، إذ صوّت البرلمان على القوانين الثلاثة بصيغة السلة الواحدة وسط الكثير من الاعتراضات والإشكالات القانونية.
بينما سجل شهر شباط الماضي، أي شهر دخول القانون حيز التنفيذ 6392 حالة طلاق، بارتفاع بفارق 68 حالة عن ذات الشهر خلال العام الماضي، إذ سجل شهر شباط 2024 حالات طلاق بلغت 6324 حالة.
"الطلاقات ستستمر بالانخفاض"
ويتفق عضو مجلس النواب الآخر، ياسر الحسيني مع زميله المالكي بشأن انخفاض نسبة الطلاق بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية.
ويقول الحسيني في حديث لمنصة "الجبال"، إن "البيانات التي وردت إلينا من مجلس القضاء الأعلى تشير إلى انخفاض نسبة الطلاق في المحاكم العراقية"، مضيفاً أن "تلك البيانات التي جاءات بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية تبشر بخير".
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن "نسبة الطلاق انخفضت بشكل كبير خلال شهر آذار الماضي، وقانون الأحوال الشخصية بدأ يقطف ثماره نتيجة التعديل".
ولفت الحسيني إلى أن "الطلاقات ستنخفض خلال الأشهر المقبلة إلى نسب أكثر مما هي عليه، إلى أن تصل إلى أدنى مستوياتها وهذا بفضل تعديل قانون الأحوال الشخصية".
وسجّل العراق، خلال عام 2023 أكثر من 70 ألف حالة طلاق، وفق بيانات مجلس القضاء الأعلى رصدتها "انفوبلس"، فيما سجل العراق قرابة 70 ألف حالة طلاق في العام 2022 وفق إحصائية رسمية من موقع مجلس القضاء الأعلى الذي كشف أيضاً أنه تم تسجيل أكثر من 73 ألف قضية طلاق خلال العام 2021 في العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، وهي حصيلة مماثلة لحصيلة العام 2018.
"التراجع وهمي"
بدوره، يبدي محمد جمعة وهو باحث في الشأن القانوني ومن أبرز الرافضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية، موقفاً مغايراً، ويفند إداعاءات انخفاض نسبة الطلاق بالمحاكم العراقية.
ويقول جمعة في حديث لمنصة "الجبال"، إن "معدلات الطلاق لم تنخفض في العراق لغاية الآن وإنما هي في المعدل الطبيعي الذي كانت عليه".
وأضاف أنّ "الإحصائية الأخيرة لشهر رمضان انخفضت بنسبة بسيطة كون الشهر الماضي تزامن مع حلول شهر رمضان، وفي ذلك الشهر من المنطقي أن تقل الطلاقات".
وأشار جمعة إلى أن "هناك نسبة وتناسب، يقابل الانخفاض في نسبة الطلاق خلال شهر رمضان، انخفاض في نسبة الزواج". وتابع قائلاً: "لو قارنّا حالات الطلاق مع حالات الزواج خلال الشهر الماضي، ستكون نسبة الطلاق تقترب من 23 بالمئة، هل 23 بالمئة نسبة منخفضة؟".
ولفت جمعة إلى أن "تعديل قانون الأحوال الشخصية سيزيد من حالات الطلاق وليس العكس"، مشيراً إلى أن "لفظ كلمة الطلاق من قبل الرجل سيتعبر الزوجة مطلقة وفقاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية".
وأكد الباحث بالشأن القانوني أن "نتائج تعديل قانون الأحوال الشخصية بدأت تظهر خلال الشهرين الماضيين، من خلال زيادة دعاوى إسقاط النفقة والحضانة في المحاكم العراقية".
"إجحاف بحق المرأة"
إلى ذلك، يرجح مصطفى اللامي، وهو محامي في محكمة استئناف الرصافة، ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج، بسب "الإجحاف بحق المرأة" في تعديل قانون الأحوال الشخصية.
ويقول اللامي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "معدلات الطلاق انخفضت نوعاً ما، خلال شهر آذار 2025، حيث سجلت أقل نسبة منذ سنوات".
وأضاف: "لا يمكن الجزم بأن تعديل قانون الأحوال الشخصية أدى إلى انخفاض دائم في معدلات الطلاق في العراق، إذ يعتمد ذلك على عدة عوامل، بما في ذلك كيفية تطبيق التعديل والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة".
ووصف تراجع معدلات الطلاق بـ"المؤقت"، إذ من المتوقع أن ترتفع المعدلات خلال الأشهر المقبلة.
وأشار المحامي إلى أن "تعديل قانون الأحوال الشخصية، مجحف بحق المرأة، وقد يزداد العزوف عن الزواج بسبب رفض النساء".
ووفقاً لبحث نشره مجلس القضاء الأعلى على موقعه الإلكتروني، "تشكل الحالة الاقتصادية ما نسبته 50 في المئة من أسباب الطلاق"، لكن تردّي الوضع الاقتصادي هو جزء من أسباب كثيرة أخرى أهمها "التدخلات الاجتماعية، وتفاوت المستوى العلمي والثقافي بين الشريكين".