قد يكون حصان الملك (آشور بانيبال) الذي ظهر معه في طقس الصيد الملكي للأسود، والذي وثقته مجسمات القصر الآشوري المنحوت في نينوى ما بين 635-645 ق.م، هو أقدم حصان يجر العربة موثق بهذه الصورة الواضحة و المعروضة الآن في الغرفة رقم A10 في المتحف البريطاني.
لم ينقطع استخدام الخيل في المنطقة كوسيلة للنقل. بقيت الخيل وسيلة للنقل لكنها لم تستطع منافسة الجِمال التي كانت تتفوق عليها في المسافات الطويلة، لكن الخيل استمرت في نقل الإنسان حتى سنوات قريبة.
يتذكر العراقيون جيداً الربلات التي تجرها الخيول، لاسيما أولئك الذين عاشوا طفولتهم في الأعظمية والكاظمية وعلاوي الحلة وباب الشيخ ومدن عراقية أخرى، حتى بعد دخول السيارات بقيت الخيل وعرباتها وسيلة النقل الأكثر شيوعاً في العراق حتى ستينيات القرن الماضي، إلا أنها اختفت من الشارع في العقدين الأخيرين بسبب كثرة السيارات ودخول "التكتك" و"الستوتة" التي حولت الخيول من وسيلة نقل إلى تحفة يحتفظ بها الأغنياء كعلامة على الرفاهية.
اختفت الخيل وعرباتها بشكل شبه تام من شوارع بغداد وبقية المحافظات العراقية، وحلّت مكانها سيارات الحمل و"الستوتة"، لكنها عادت للظهور بشكل مختلف هذه المرة، إذ ينتظر شيعة العراقِ حلولَ شهر محرم من كل عام ليبدأون بتزيين الخيول واستخدامها في شعيرة (التشابيه)، وهي شعيرة مسرحية جادة تعيد تمثيل مشاهد واقعة كربلاء التاريخية الشهيرة التي قتل فيها الحسين بن علي إمام الشيعة الثالث عام 61 هجرية المصادف 10 تشرين الاول/ اكتوبر سنة 680 ميلادية.
لا توجد إحصائية رسمية لعدد الخيول المشاركة في هكذا مناسبات دينية، لكن يقدر عدد الخيل التي تتجه إلى كربلاء عن طريق محافظة بابل في يوم واحد بأكثر من 85 حصاناً وفرساً، في حين يستمر المسير لمدة 14 يوماً أو أكثر في كل عام، وأعداد الخيل في كل يوم مقاربة لبقية الأيام.
بعضها يشارك في سباقات محلية
يقول "أبو عدي الجريان" أحد مالكي هذه الخيول لـ"الجبال"، أن "خيولهم عربية أصيلة بعضها مسجل في وزارة الشباب والرياضة، وبعضها مسجل في وزارة الزراعة، وبقية الخيل ما زالت ليست مسجلة في جهة حكومية، وأنهم يقومون بتربيتها ورعايتها ليس من أجل المراسم الدينية فقط، بل أن بعضها يشارك في سباقات محلية، وأنه يسعى لأن ينتج خيلًا قد تشارك في سباقات عالمية".
خيول بجوازات سفر
مدير المدرسة العراقية المركزية لتعليم الفروسية كاظم محمد علي الذي عرضنا عليه صور الخيل المشاركة في الشعائر الدينية قال لـ"الجبال"، إن "هذه الخيل عراقية محلية، بعضها يحمل صفات الخيل العربية الأصيلة، لكنها ليست ثمينة"، ويعزو سبب انخفاض أسعارها إلى "افتقارها للإنجازات الرياضية الدولية المسجلة، وإلى جهل نسبها".
ويضيف أن "الخيول العالمية تكون معلومة النسب وأن آبائها وأجدادها أبطال رياضيين، ولديهم جوازات سفر دولية، أما الخيول المحلية التي تشارك في هكذا مناسبات وبالرغم من أن شكلها عربي أصيل إلا أنها ليست ذات قيمة عالية لأنها ليست من نسل معروف".
ويكمل علي قائلا إن "الخيول سابقًا كانت للعمل ووسيلة نقل، لكنها الآن أصبحت علامة على الرفاهية والغنى، إذ يشتري الأغنياء من التجار والمسؤولين والسياسيين الخيل ليحتفظون بها في مزارعهم وأن أغلبهم ليسوا فرساناً أصلًا، وإنما يستخدمون الخيل ككماليات في مزارعهم أو للتفاخر بها أمام الضيوف".
إرث حضاري
بدوره قال المواطن فؤاد شاكر الحلي لـ"الجبال"، إنه "أحضر ابنته إلى طريق الزائرين من أجل أن يريها الخيل والجمال المستخدمة في المواكب، لأنها ومنذ أن ولدت لم تشاهد حصاناً ولا جملاً حقيقياً، على عكس آبائها وأجدادها الذي كانوا يملكون ناقة في منزلهم"، على حد قوله.
وطالب الحلي الحكومة بأن يعاملون الخيل العراقية "كإرث حضاري"، وأن "يساهموا بالحفاظ على السلالات العراقية النادرة والاهتمام بها بشكل أكبر".