تشهد محافظة ذي قار تصاعداً حاداً في التوتر داخل القطاع التربوي بعد موجة من الاستقالات الجماعية والاحتجاجات، أعقبت حادثة اعتداء وُصفت بأنها "تمس كرامة الكوادر التعليمية والإدارية".
عشرات الطلبات، بعضها تم الإعلان عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى وصلت رسمياً إلى مجلس المحافظة، يطلب فيها مدراء ومعاونو المدارس إعفاءهم من مناصبهم احتجاجاً على ما وصفوه بـ"الانتهاك لحقوقهم وكرامتهم".
البداية جاءت من قضاء الفهود، حيث أكد حيدر طعمة مدير قسم التربية في القضاء لمنصة "الجبال" أنه "تقدم بطلب رسمي لإعفائه من منصبه"، مشيراً إلى أن "نحو 90% من مدراء المدارس في القضاء، وعددها 75 مدرسة بادروا أيضاً بطلبات إعفاء جماعية".
وأضاف أن "هذه الخطوة جاءت كرد فعل تربوي على ما تعرضت له كوادرنا من إساءة واعتداء".
وفي تطور جديد للأزمة المتصاعدة داخل القطاع التربوي في محافظة ذي قار، نظم قرابة 300 مدير ومديرة مدرسة وقفة احتجاجية أمام مبنى نقابة المعلمين وسط المحافظة اليوم الخميس للمطالبة بإقالة قائد شرطة ذي قار وتعديل سلّم الرواتب بما يضمن العدالة والكرامة للكادر التربوي.
وقال علي الحمداني، مدير أحد المدارس لمنصة "الجبال": "هناك تقديم طلب إعفاء جماعي على خلفية هذه الاعتداءات أمام مديرية التربية التي شهدت إصابة واعتقال العشرات من المعلمين والمعلمات".
وفي سياق متصل، ذكر رئيس مجلس محافظة ذي قار، عزة الناشي، في تصريح لـ "الجبال" أنه استلم عدداً من الطلبات من مدراء ومعاوني مدارس تقع في جنوب وشرق الناصرية، لاسيما في أقضية "الجبايش" و"الفهود" و"كرمة بني سعيد"، جميعها تتضمن طلبات بالإعفاء من المناصب، لافتاً إلى أنهم "في مجلس المحافظة نستنكر بشدة الاعتداء الذي تسبب في هذا التصعيد، لكن البتّ في هذه الطلبات يبقى من صلاحية مديرية التربية، وهي من تقرر القبول أو الرفض".
القضية لم تتوقف عند التربويين، بل طالت أيضاً أعضاء مجلس المحافظة، إذ أعلن عضو مجلس محافظة ذي قار سلام جبار الفياض ونائب رئيس لجنة التربية فيه، عن تقدّمه بشكوى رسمية ضد قائد شرطة المحافظة اللواء نجاح العابدي، بسبب تعرضه للاعتقال والاعتداء من قبل القوات الأمنية أثناء حضوره إلى التظاهرة لأداء دوره الرقابي، مبيناً أن اعتقاله "كان من دون صدور مذكرة قبض".
وأضاف أن "هذا التصرف غير مبرر، ويخالف القوانين النافذة"، مشيراً إلى أنه "الآن بصدد عرض القضية على مجلس النواب، الذي يأمل أن يتخذ موقفاً واضحاً بشأن الاعتداءات، سواء التي طالت الكوادر التربوية أو ممثلي الشعب أنفسهم، أما استقالات المدراء فهي برأيي رد فعل طبيعي ناتج على ما حصل"، بحسب تعبيره.
من جانبه، أوضح مدير تربية ذي قار، علي إسماعيل سبتي، أن مديريته لم تتسلم حتى الآن أي طلب رسمي من طلبات الإعفاء المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال سبتي لـ "الجبال" إن "التربية اتخذت عدة خطوات تضامنية، وتم رفع تقارير رسمية إلى الجهات العليا في رئاسة الوزراء للتعبير عن احتجاجنا واستنكارنا لأي اعتداء على الكوادر"، مؤكداً أنه يحترم ويقدر مشاعر الكوادر ومدراء المدارس. فقال: "هم قادة المؤسسة التربوية ونعتز بهم وبجهودهم، ونحن بحاجة ماسة لهم، كما أن الطلبة يحتاجونهم في هذه المرحلة الحساسة".
وعن حالة الإعفاء الخاصة بمدير تربية الفهود، أشار سبتي إلى أن "طلب حيدر طعمة بالإعفاء كان قد حصل على الموافقة منذ فترة من قبل وزارة التربية، لأسباب تتعلق بانتقال سكنه من ذي قار إلى كربلاء، إلا أن تنفيذ النقل تم تأجيله إلى ما بعد انتهاء العام الدراسي الحالي، لعدم إرباك العملية التربوية".
وشهدت محافظة ذي قار يوم الثلاثاء توتراً أمنياً خلال تظاهرة نظمها عدد من الكوادر التربوية أمام مبنى مديرية التربية، احتجاجاً على ما وصفوه بـ "تهميش لحقوقهم وسوء الإدارة" وسرعان ما تحولت التظاهرة إلى مشهد من العنف بعد أن تدخلت قوات مكافحة الشغب لتفريق المحتجين ما أسفر عن وقوع إصابات واعتقالات في صفوف المشاركين.
وأفاد مصدر بأن القوات الأمنية واجهت المتظاهرين بالعصي والغاز المسيل للدموع حال اقترابهم من مبنى المديرية، مما تسبب بإصابة 27 تربوياً بكدمات وجروح متفاوتة، فيما تم اعتقال نحو 35 آخرين واقتيادهم إلى مراكز احتجاز قريبة ومن ثم تم الافراج عنهم.
ووصف في حينها اتحاد الأدباء والكتاب في ذي قار ما جرى بـ"الاعتداء السافر والبربري"، مؤكداً في بيان له أن ما حدث يمثّل "انتكاسة كبيرة، في القيم الديمقراطية، وجرح كبير ومؤلم في قلب العراق ووصمة سوداء في جبين الحكومة"، وطالب الاتحاد وفق البيان، الحكومتين المركزية والمحلية ومجلس النواب ومجلس المحافظة بـ"التدخل السريع والعاجل لمحاسبة المعتدين وردّ الاعتبار لهذه الفئة العظيمة".
أما رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس المحافظة، أحمد فرحان، أكد في تصريح سابق رفض المساس بالكوادر التربوية، قائلاً: "من حق التربويين التعبير عن مطالبهم، هذا الحق مكفول دستورياً، ولا يجوز التضييق عليهم بأي شكل من الأشكال".
وقد أدانت نقابة المعلمين في ذي قار ما وصفته بـ"الاستخدام المفرط للقوة"، مطالبة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذا التصرف "غير المبرر".