تشهد مناطق جنوب النجف تحدياً بيئياً متزايداً جراء الانبعاثات الناتجة من معمل إسمنت الكوفة، الذي يُعد من أكبر مصادر التلوث في المحافظة، بحسب مختصين بيئيين وصحيين.
ويشكل المعمل، الذي يقع في منطقة كانت في السابق بعيدة عن المجمعات السكنية، مصدراً مستمراً لانبعاث الغبار والجزيئات الدقيقة الناتجة عن احتراق الأفران، ما يؤدي إلى آثار ضارة على الصحة العامة والبيئة الزراعية في المناطق المحيطة، لاسيما في مناطق أبو صخير، الرضوية، المحاجير والمشخاب.
تلوث الهواء
وفي حديث لمنصة ”الجبال”، أوضح مدير بيئة النجف، جمال عبد زيد، أن “معمل إسمنت الكوفة يمثل نشاطاً ملوثاً للهواء، وينتج عنه غبار متساقط وجزيئات احتراق ضارة تؤثر بشكل مباشر على الجهاز التنفسي للسكان القريبين من الموقع”.
وأشار عبد زيد إلى أن “الموقع الذي أُنشئ فيه المعمل لم يكن مأهولاً بالسكان في السابق، لكن التوسع العمراني حوّله إلى مصدر تلوث رئيس، والحل الحقيقي يكمن في نقل المعمل إلى منطقة أخرى، وهو أمر يتطلب قراراً من الجهات العليا”.
وبيّن أن فرق الرقابة البيئية تقوم بزيارات ميدانية دورية لمتابعة الأثر البيئي للمعمل، ويتم فرض غرامات أو إنذارات في حال توقف المرسبات أو ارتفاع مستويات التلوث عن الحد المسموح.
أضرار صحية خطيرة
من جانبه، تحدث الطبيب أحمد سودي، من مستشفى الصدر التعليمي، لـ”الجبال” عن التأثيرات الصحية لغبار الأسمنت قائلاً: “هذا الغبار يحتوي على جزيئات دقيقة من السيليكا البلورية، التي يؤدي استنشاقها المزمن إلى الإصابة بمرض السليكات (Silicosis)، وهو مرض رئوي خطير. كما أن التعرض الطويل لهذه الجزيئات مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة، خاصة بسبب وجود الكروم سداسي التكافؤ، وهو من المواد المسرطنة”. وأضاف أن الغبار يسبب تهيجاً مستمراً في العينين والجلد والجهاز التنفسي، ما يزيد من احتمالية التغيرات الخلوية ونشوء خلايا غير طبيعية.
تهديد المحاصيل
ولم تقتصر الأضرار على الجانب الصحي فقط، بل امتدت لتشمل القطاع الزراعي، حيث تضررت محاصيل رئيسية مثل العنب والتين. وأكد عدد من المزارعين أن الجزيئات المتطايرة من المعمل تترسب على أوراق النباتات وتؤدي إلى اختناقها، مما يهدد الإنتاج الزراعي في تلك المناطق.
وفي هذا السياق، قال زهير علي، أحد مالكي البساتين في جنوب النجف، لـ”الجبال”: “نضطر حالياً لاستخدام البيوت المحمية لحماية محاصيلنا (التين خاصة)، لكن تكاليفها مرتفعة ولا يستطيع أغلب المزارعين تحملها"، مشيراً إلى أن " الغبار المتطاير يسد الثغور على أوراق الأشجار ويمنع التبادل الغازي، وهو ما يضر بنمو المحاصيل ويؤدي إلى تراجع الإنتاج”.
ولفت المزارع إلى أن المعمل أُنشئ في بادئ الأمر في منطقة بعيدة، لكن التوسع السكاني والزراعي جعله الآن في قلب مناطق مأهولة، "ما خلق تناقضاً بيئياً يحتاج إلى معالجة جذرية".