"المهفّة" تسافر للكويت و"الطبق" إلى الدوحة.. دكّان بصري يُنعش ذاكرة الخليج

4 قراءة دقيقة
"المهفّة" تسافر للكويت و"الطبق" إلى الدوحة.. دكّان بصري يُنعش ذاكرة الخليج محمد حسين - مالك محل لبيع أدوات تقليدية في البصرة

من زقاق ضيق في سوق البصرة القديم، تُشحن طلبات خاصة إلى الكويت وقطر والبحرين ليس عبر حاويات إلكترونية ولا مواقع تسوق حديثة، بل عبر دكان صغير يبيع سُفر الخوص والمكانس اليدوية والجرّات الطينية.

 

محمد حسين، صاحب أقدم محل للأدوات التراثية في سوق البصرة القديم، يقف شامخاً بين أكوام من السُفر، المكانس، الجِلال، الزبالات، والطباق المصنوعة يدوياً من خوص النخيل، لا تراه يصرخ لجذب الزبائن، ولا يعلّق لافتات تجارية. وجوده وحده إعلان حي عن تراث لا يزال يتنفس.

 

ويقول حسين وهو يمسح الغبار عن طبق ضخم، في حديث لمنصة "الجبال": "هذي الطباق مو بس تنباع بالبصرة.. هاي تطلبها عوائل من الكويت، يستخدموها بشكل يومي، أو يعلّقوها زينة ببيوتهم، وأنا أرسلها لهم حسب القياس، وحسب الذوق، بس أهم شي تكون من شغل أبو الخصيب، أصلي مو تقليد”.

 

في الوقت الذي اندثرت فيه المهن اليدوية التقليدية، تحوّل دكان محمد حسين إلى وجهة ثقافية وسوق شعبي حيّ، ليس فقط لأهالي البصرة، بل لأبناء الخليج الذين يحنّون إلى تفاصيل طفولتهم، ويبحثون عن الجرة التي تبرد الماء دون كهرباء، والسفرة التي كانت تجمعهم حول الطعام، قبل أن تحل محلّها الطاولات الحديثة.

 

ويضيف محمد: "أهل الكويت يطلبون مني مهفّات، وطباق مفصلة، وأحياناً يطلبون تصميم خاص مكتوب عليه (رمضان كريم) أو (اسم العائلة)”، مضيفاً: “عندي زبون من البحرين كل سنة يطلب سفرة ملزّاقة"، معرباً: "أمي الله يرحمها كانت تفترش مثلها، ولما اشوفها يرجع الزمن بيه”.

 

 

لا يمتلك محمد حسين حساب إنستغرام ولا متجراً إلكترونياً، لكنه يتلقى الطلبات عبر الهاتف والـ ”واتساب”، ويغلفها بنفسه، ويرسلها إلى الخليج عبر وكلاء شحن.

 

 

ذكر حسين “قبل أيام، أرسلوا لي طلباً من قطر، يريدون طباق للديكور الرمضاني، خمسة وعشرين قطعة، كل وحدة بقياس ولون مختلف. قلت لهم: عيوني، بس انتظرني أشوف خصيب شنو موجود عندهم”.

 

ورغم وفرة المكانس البلاستيكية في الأسواق، إلا أن مكناسة الخوص المصنوعة من أدينة (أوراق النخيل) لا تزال مطلوبة بشدة، "هاي المكناسة تنظف الزرع قبل ما ييبس، تنظف الغبرة بلا ما تنكسر، زبائني يشترونها بالدرزن، خصوصاً قبل رمضان"، يقول محمد وهو يضع مكناسة على رف خشبي.

 

 

السفرة الداكنة، السفرة الكمونية، الطبق، اللوندة، الزبيل، الجلة، المهفة… أسماء قد لا تعني شيئاً للجيل الجديد، لكنها كانت رموزاً في كل بيت بصري وخليجي.

 

ويقول حسين بهذا الخصوص: “كل اسم مرتبط بمناسبة. الجلة للعزايم، الزبيل للثوم، اللوندة للحلوى. هاي القطع ما كانت أدوات فقط، كانت ذاكرة تمشي عدل”.

 

 

ورغم الطلب المستمر من الخليج والعراق، إلا أن محمد حسين يواجه صعوبات كثيرة، منها: (ارتفاع أسعار الإيجارات، قلة الصناع المحليين، غلاء المواد الخام، وحتى جهل بعض الشباب بأهمية التراث)، وهو يقول: "اليوم إذا ما ندعم هالشغلات، باچر تنقرض، وتبقى بس صورها بالإنترنت. المحل هذا موجود من الخمسينات، وأنا بعدني أصرف عليه أكثر مما أربح، بس مستمر.. لأنّه رسالة، مو بس رزق".

 

في زمن تتسابق فيه المدن على الحداثة، يبدو أن محمد حسين اختار الطريق المعاكس، طريق العودة إلى الجذور، فدكّانه ليس مجرد محل تجاري، بل منصة شعبية لتصدير الهوية الثقافية البصرية إلى الخليج.

 

 

الجبال

نُشرت في الأحد 6 أبريل 2025 11:40 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.