عادت قضية ملاحقة محال بيع المشروبات الكحولية في بغداد والمحافظات إلى الواجهة مرة أخرى، الأمر الذي يفتح باب التساؤلات جراء توقيت وأسباب التضييق على تجار الكحوليات في العاصمة، وهل يرتبط الأمر بتطبيق قانون البلديات المثير للجدل؟
وصوت مجلس النواب العراقي، العام الماضي، على قانون البلديات رقم 1 لسنة 2023، والذي ينص في إحدى فقراته على حظر بيع واستيراد وتصنيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها، وهو نفس القانون الذي صوت عليه البرلمان في العام 2016، إلا أنه لم ينشر في جريدة الوقائع الرسمية، ولذلك لم يدخل حيز التنفيذ.
ومنذ التصويت على القانون، تواصل محال البيع في بغداد والمحافظات أعمالها بشكل طبيعي في استيراد وبيع المشروبات، كما شهدت الفترة الماضية افتتاح العديد من المتاجر الكبيرة "مولات"، الخاصة ببيع الكحوليات.
لكن لوحظ خلال الأيام القليلة الماضية، تنفيذ حملات ملاحقة كبرى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية العراقية بحق محال بيع المشروبات الكحولية، ما أسفر عن إغلاق بعض المتاجر واعتقال عدد كبير من العاملين فيها.
الأسعار تتضاعف
وفي هذا الصدد، يقول "أبو رقية"، من سكنة حي الجهاد (غربي العاصمة بغداد)، لـ"الجبال"، إن "هناك تضييقاً كبيراً على محال بيع المشروبات الكحولية في منطقته خلال الفترة القليلة الماضية"، مضيفاً أن "أسباب هذه التضييقات يعود حسب كلام الأجهزة الأمنية في المنطقة لشهر محرم والزيارة الأربعينية".
ويوضح "أبو رقية"، أن "أسعار المشروبات الكحولية شهدت ارتفاعاً كبيراً بنحو 300%، ويعني أن سعر المشروب كان سعره 3 آلاف دينار عراقي أصبح الآن بـ 9 الآف دينار عراقي".
أما "أبو أحمد"، الذي يسكن في منطقة شارع فلسطين (شرقي العاصمة بغداد)، فيقول إنّ "العديد من محال بيع المشروبات الكحولية أغلقت خلال الأسبوعين الماضيين دون معرفة الأسباب الأمر الذي تسبب بأزمة وزحام شديد على باقي المحال التي لم تغلق".
وفي حديث لـ "الجبال"، يتساءل أبو أحمد، عن أسباب إغلاق بعض المحال وترك محال أخرى، إلا أنه يرى السبب يعود إلى المصالح والجهات التي تقف وراء أصحاب بعض المحال خصوصاً التي ترتبط بـ "جهات مسلحة".
وعن أسعار المشروبات الآن، يضيف "أبو أحمد"، أنّ "الأسعار شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة سواء المشروبات المستوردة أم المشروبات محلية الصنع"، مبيناً أن "المشروبات في الأسواق الحرة وفي المطارات باتت أسعارها مقاربة لما يباع الآن في بغداد".
واستورد العراق، في العام 2021، أكثر من 508 آلاف ليتراً من النبيذ والخمر، بلغت قيمتها حوالي 1.5 مليون دولار، وفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط.
وبحسب نفس الإحصاء، فقد بلغت مستوردات مشروب الويسكي 1.1 مليون لتراً، بقيمة تتجاوز 5 ملايين دولار، وحوالي 801 ألف لتر من المشروبات الكحولية غير محددة فاقت قيمتها 2.8 مليون دولار.
أسباب التضييق
وفي الشهر الماضي، وجه مجلس محافظة بغداد، لجنة السياحة بمتابعة موضوع الإجازات الممنوحة لمحال بيع المشروبات الكحولية بمناطق العاصمة، كذلك التنسيق المشترك مع الجهات الأمنية في إغلاق غير المرخص منها.
ويقول مصدر أمني رفيع في وزارة الداخلية العراقية، إن "الأجهزة الأمنية تنفذ حملات عديدة بحق محال بيع المشروبات الكحولية بجميع مناطق العاصمة بغداد"، مبيناً أن "هذه الحملة بغية اغلاق هذه المحال خلال شهر محرم الحرام وليس تطبيقاً لقانون البلديات الذي يحظر بيع واستيراد وتصنيع المشروبات الكحولية".
وفي حديث لـ "الجبال"، يشير المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه إلى أن "هناك حملات أخرى تنفذها الأجهزة الأمنية بحق هذه المحال لكن بعيداً عن قضية شهر محرم وإنما جاءت بناءً على توجيهات وزير الداخلية والجهات الحكومية الأخرى"، مؤكداً أن "هذه الحملات تهدف إلى إغلاق المحال غير المجازة".
وتهدف الحملات إلى ملاحقة أصحاب مخازن المشروبات الكحولية المخالفة للشروط الصحية، والكلام لنفس المصدر الذي أكد أن "الأجهزة الأمنية ستعمل على غلق المنازل التي تعمل على بيع المشروبات الكحولية في الأحياء السكنية، فضلاً عن اعتقال أصحابها".
ووفقاً للمصدر، فإن الحملات تهدف أيضاً إلى اعتقال سائقي (الدلفري)، حيث لا يوجد تخويل أمني ورسمي يسمح لتوصيل المشروبات الكحولية إلى المنازل على غرار الطعام والملابس وغيرها.
وأبلغت هيئة الجمارك في العراق (4 آذار 2023)، كافة مناطقها بمنع دخول المشروبات الكحولية بكل أنواعها، فيما قالت الهيئة في بيان إن "توجيهها جاء استناداً إلى قانون واردات البلدية"، في إشارة إلى المادة 14 من القانون الذي نشر في الجريدة الرسمية في 20 شباط من نفس العام.
"زاد من تجارة المخدرات"
ويقول الخبير القانوني، علي التميمي، في حديث لـ "الجبال"، إن "هناك ضوابطاً خاصة لمن يستورد ويبيع المشروبات الكحولية، بقوانين صادرة منذ العهد الملكي تنظم هذا الملف"، موضحاً أن "أغلب الدول المجاورة لا تمنعها مطلقاً وإنما تقييد وضوابط وأماكن محددة للبيع".
ويضيف الخبير القانوني، أن "مثل هذه الخطوة قد تشجع على تعاطي وتجارة المخدرات، كما يرى البعض خصوصاً أنه البديل المتوفر، وهذا انعكاس سلبي لتشريع مثل هذا القانون الذي يبدو لم تدرس نتائجه قبل التشريع".
وبحسب حديث التميمي، فإن "حل هذه القضية كان بالقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بفرض رسوم على استيراد الكحول تصل إلى 200% هو أفضل من المنع المفاجئ".
وفي (14 شباط 2023)، أقر مجلس الوزراء العراقي فرض رسوم جمركية تبلغ 200% على المشروبات الكحولية المستوردة إلى العراق، مؤكداً أن القرار يطبق لمدة أربع سنوات.
ويرى التميمي في ختام حديثه، أن "هذا التشريع قابل للطعن امام المحكمة الاتحادية وفق المواد 2 و17 و3 من الدستور العراقي".
وينص القانون المنشور في المادة (14 - أولاً)، وفقاً لقانون البلديات "يحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة"، كما فرضت المادة على المخالفين عقوبة غرامة مالية لا تقل عن 10 ملايين دينار ولا تزيد على 25 مليون دينار.
لا تطبيق للمادة 14
وهاجم الناشطون في ذلك الوقت، البرلمان، معتبرين أن القانون يدفع باتجاه تعديل توصيف واسم الدولة من جمهورية العراق إلى جمهورية العراق الإسلامية، وهو ما يخالف نصوص الدستور.
في المقابل، يقول مصدر نيابي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "قانون البلديات طبق فعلياً بعد نشره في جريدة الوقائع الرسمية، إلا أن المادة 14 من القانون الخاصة بالمشروبات الكحولية لم ولن تطبق لأسباب عديدة".
ويضيف المصدر لـ "الجبال"، أن "أحد أبرز أسباب عدم تنفيذ قرار الحظر جاء كون ان هناك جهات سياسية نافذة هي المسؤولة عن استيراد وبيع وتجارة المشروبات الكحولية في عموم البلاد"، مستبعداً في ذات الوقت "إغلاق محال بيع المشروبات الكحولية سواء في العاصمة بغداد أم المحافظات الأخرى".
ويتابع المصدر، قائلاً إنه "من الممكن إجراء بعض التضييقات بحق محال بيع المشروبات خصوصاً غير المجازة منها، لكن قضية الغلق النهائي مستبعد بنسبة كبيرة جداً"، مشيراً إلى أن "الأجهزة الأمنية لديها معلومات عن جميع محال بيع المشروبات حتى المنازل التي تقوم بعمليات البيع لكن دون اتخاذ أي خطوة".
وبحسب المصدر، فإن تمرير هذا القانون في مجلس النواب العام الماضي ساعد على فتح الباب الكبير أمام تجارة المخدرات وانتشارها في عموم المحافظات.