مع إشراقة صباح كل عيد فطر، تفوح رائحة الأطباق التقليدية من "البيوت العراقية"، معلنة عن فرحة العيد بنكهات تمتد جذورها في التاريخ، في الشمال والجنوب، في السهل والجبل، لكل منطقة طريقتها الخاصة في الاحتفال بهذه المناسبة، حيث تتحول موائد العراقيين إلى مهرجان من الألوان والنكهات التي تعكس غنى المطبخ المحلي وتنوعه.
من "الكاهي والقيمر" في بغداد، إلى "البحت والمسموطة" في الجنوب، مروراً بـ "الكباب والتمن والمرق" في الشمال، يحمل العيد معه إرثاً من التقاليد التي تجمع العائلات حول سفرة واحدة مليئة بالبهجة.
قبل ساعات قليلة عن استقبال عيد الفطر المبارك في العراق، سارع فريق منصة "الجبال"، لاستطلاع أبرز هذه الأكلات في أغلب المحافظات العراقية للوقوف على اختلاف كل محافظة إلى أخرى.
البغداديون يحتفظون بتقليد صباح العيد
البداية من العاصمة بغداد، وفي مشهد متكرر كل عيد، يتوافد الأهالي منذ ساعات الفجر الأولى إلى محال بيع "الكاهي والقيمر"، استعداداً لتناول وجبة الإفطار التي أصبحت تقليداً متجذراً في طقوس العيد البغدادية.
وبمجرد انتهاء صلاة العيد، تبدأ الأسواق والمحال المتخصصة في بيع "الكاهي والقيمر" بفتح أبوابها لاستقبال الزبائن الذين يحرصون على شراء هذه الوجبة الشهية والتي تعد رمزاً للفرحة العيدية لدى العراقيين، حيث لا تخلو هذه الوجبة من شراء "الصمون الحار" من الأفران، ليكتمل الإفطار الذي يجمع العائلة بعد عودتهم من المساجد أو بعد تبادل التهاني مع الأهل والأقارب.
ويعتبر القيمر البغدادي، المصنوع من حليب "الجاموس الطازج"، من أشهر أنواع القيمر في العراق، إذ يتميز بقوامه الكثيف وطعمه الغني، ويُقدم عادةً مع العسل أو المربى، أما "الكاهي"، فهو عجينة مقرمشة تُقلى حتى تكتسب لوناً ذهبياً، وتُقدم ساخنة مع القيمر لتكون وجبة مثالية في صباح العيد.
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يقول أبو علي، أحد أصحاب محال بيع الكاهي في منطقة الكرادة، إن "العيد لا يكتمل بدون الكاهي والقيمر. نحن نبدأ التحضير منذ ساعات الفجر، لأن الإقبال يكون كبيراً جداً، والجميع يرغب في تذوق هذه الأكلة التقليدية مع عائلته في أجواء العيد".
تقاليد "الإفطار" في ديالى
وإلى ديالى، حيث تتميز محافظة بعاداتها الاجتماعية الراسخة خلال عيد الفطر المبارك، حيث تحرص العائلات على الاجتماع في بيت الجد أو الأخ الأكبر في أول أيام العيد، لقضاء الوقت مع الأهل وتبادل التهاني وسط أجواء من الألفة والمحبة.
ويبدأ صباح العيد في ديالى بوجبة فطور تقليدية تضم "الكاهي والقيمر" أيضاً، وهي واحدة من أشهر وجبات الإفطار في العراق.
مع اقتراب موعد الغداء، تجتمع العائلة العراقية، حيث يتم تحضير وجبة الغداء التي غالباً ما تكون من الأطباق العراقية التقليدية، وأبرزها وأكثرها شعبية في ديالى هو "تشريب اللحم" وهو طبق يتكون من مرق اللحم المطبوخ مع الخبز الذي يمتص النكهات الغنية، ليشكل وجبة دسمة تلائم أجواء العيد.
كما تحضر بعض العائلات طبق "الفاصوليا"، وهو أحد الأطباق العراقية الشعبية المحببة، حيث يُطهى مع اللحم والتوابل ويقدم مع الأرز، ليكون خياراً مميزاً على موائد العيد.
تقاليد السليمانية.. فطور صباحي دسم
وإلى شمال العراق تحديداً في السليمانية، حيث تتميز المحافظة بعاداتها وتقاليدها الفريدة خلال الاحتفال بعيد الفطر، حيث يبدأ اليوم الأول من العيد بفطور صباحي دسم يختلف عن باقي المحافظات العراقية، إذ يجتمع أفراد العائلة على مائدة غنية بالأطعمة التقليدية التي توارثوها عبر الأجيال.
ويشمل الفطور في السليمانية أطباقاً رئيسة تتكون من "التمر، المرق، اللحم، والدجاج"، إلى جانب طبق "التمن الكوردي"، وهو نوع من الأرز صغير الحجم يختلف عن أنواع الأرز الأخرى مثل العنبر أو البسمتي، حيث يتميز بقوامه الخاص وطعمه الفريد.
كما يشمل الفطور أطباقاً تقليدية مثل مرق الفاصوليا و"الطرشانة"، والتي تُعرف بالكوردية باسم "القيسي"، وهي طبق مميز يُحضر من المشمش المجفف المطبوخ مع اللحم ليمنح نكهة مميزة تمزج بين الحلاوة والحموضة.
تنوع تقاليد الفطور الصباحي في أربيل
وفي أربيل، تتميز عاصمة إقليم كوردستان، بتنوع ثقافي يعكسه اختلاف العادات والتقاليد بين مكوناتها، لا سيما في طقوس الاحتفال بعيد الفطر، حيث يظهر هذا التنوع بشكل واضح في وجبة الفطور الصباحية التي يتناولها الكورد والعرب في أول أيام العيد.
فعند العائلات الكوردية، يُعتبر الفطور الصباحي في العيد وجبة دسمة ومميزة، حيث يُعد "التمن" طبقاً رئيسياً يرافقه اللحم والمرق، ويختلف نوع اللحم المستخدم بين العائلات، فبينما يفضل البعض اللحم الأحمر، يختار آخرون الدجاج بديلًا له، وذلك وفقاً للقدرة الاقتصادية لكل أسرة.
وتُضاف إلى هذه الوجبة أطباق جانبية مثل مرق "الفاصوليا" أو "الطرشانة" (القيسي)، التي تضيف نكهة مميزة للطعام.
أما العائلات العربية في أربيل، فتختلف عاداتها في فطور العيد، حيث تفضل الأطباق التقليدية مثل "القيمر والقشطة مع العسل"، إلى جانب اللبن و"الكاهي"، كما يعتبر "اللحم بعجين" من الأطباق المفضلة لدى الكثيرين، وهو خبز محشو باللحم المفروم مع التوابل.
الدولمة والتشريب.. تقاليد موصلية أصيلة
وإلى نينوى خصوصاً في الموصل، فيحتفظ أهالي مدينة الموصل بعاداتهم الأصيلة في الاحتفال بعيد الفطر، حيث تشكل وجبة الفطور في أول أيام العيد طقساً مهماً يعكس التراث والتقاليد العريقة للمدينة.
وتُعد "الدولمة" الطبق الرئيسي الذي يجتمع حوله أفراد العائلة صباح العيد، بينما يُحضر طبق "التشريب" في حال وجود عزائم كبيرة وسط أجواء تسودها الألفة والاحتفاء بالمناسبة المباركة.
وتعتبر الدولمة من الأكلات التقليدية التي يحرص الموصليون على إعدادها في أول أيام العيد، حيث تتكون من خضروات محشوة بالأرز واللحم والبهارات، مثل ورق العنب، الباذنجان، الفلفل، والطماطم، وتُطهى على نار هادئة لتكتسب نكهتها الغنية والمميزة.
وتُعد هذه العادات جزءاً من الهوية الثقافية والاجتماعية لأهالي الموصل، حيث تعكس ترابط العائلات وحرصها على الحفاظ على الإرث الغذائي التقليدي، الذي يضفي على أجواء العيد طابعاً خاصاً يمزج بين الفرح والدفء العائلي.
الكوت.. "الكاهي للعوائل والكباب للشباب"
وإلى جنوب العراق، حيث تمتاز مدينة الكوت مركز محافظة واسط، بعاداتها الفريدة في استقبال صباح أول أيام العيد، حيث يحرص الأهالي على تناول وجبتين أساسيتين، يختلف تفضيلهما بحسب الفئات العمرية.
يعد "الكاهي والقيمر" الطبق المفضل لعائلات الكوت في أول أيام العيد، حيث تبدأ طوابير المواطنين أمام الأفران منذ منتصف الليل، استعداداً لشراء "الكاهي" الطازج، ومع تزايد الطلب يشهد سعر القيمر ارتفاعاً ملحوظاً في هذه الليلة، نظراً للإقبال الكبير عليه.
أما الشباب في الكوت، فيتوجهون منذ ساعات الصباح الأولى إلى سوق المدينة، بحثاً عن وجبة دسمة تعوضهم عن إغلاق المطاعم طوال شهر رمضان، ليكون "الكباب" الخيار الأول.
ويشهد مطعما "فياض" و"رزاق" في ساحة العامل ازدحاماً شديداً في أول أيام العيد، حيث يتوافد الزبائن بكثافة لتناول وجبة الإفطار بالكباب الطازج المشوي على الفحم، في مشهد أصبح تقليداً سنوياً لشباب المدينة.
البحت لأهل السماوة والمسموطة للبصرة والقيمر للجميع
وفي السماوة مركز محافظة المثنى، يميل سكان المناطق الريفية تحديداً إلى تناول "البحت"، بينما يفضل أهالي البصرة "المسموطة" كوجبة رئيسية لصباح العيد، فيما يبقى "القيمر" عنصراً مشتركاً بين المنطقتين.
ويعد "البحت" الطبق التقليدي الأكثر انتشاراً في السماوة، خاصة في المناطق الريفية، ويتكون هذا الطبق من اللحم المجفف الذي يُطبخ بطريقة خاصة ليمنح نكهة مميزة تشتهر بها المدينة.
ويفضل الأهالي تناوله مع الخبز الحار أو الأرز، مما يجعله وجبة دسمة تناسب أجواء العيد الاحتفالية.
على الجانب الآخر، تشتهر البصرة في صباح العيد بتناول "المسموطة"، وهو طبق تقليدي يعتمد على السمك المجفف والمملح، الذي يُطهى مع البهارات والتوابل ليعطي نكهة قوية ومميزة.
ويمثل هذا الطبق جزءاً أصيلاً من الموروث الغذائي لأهالي البصرة، الذين يحرصون على تناوله في المناسبات المهمة.
ورغم اختلاف الأطباق الرئيسية، يبقى "القيمر" عنصراً أساسياً يجمع بين السماوة والبصرة، حيث لا تخلو موائد العيد من تقديم القيمر الطازج مع العسل أو الدبس، إلى جانب الخبز الحار، ليكون وجبة مفضلة لعائلات المدينتين في الصباح الباكر.
الديوانية.. القيمر والكباب للإفطار والكليجة والبحت للتحلية
وإلى الديوانية، حيث يحتفظ أهالي المحافظة بعاداتهم الخاصة في استقبال أول أيام عيد الفطر المبارك، اذ تميز موائد الإفطار لديهم بتنوعها بين الأطباق التقليدية التي تعكس أصالة المطبخ الديواني.
ويجمع سكان المدينة بين "القيمر" و"الكباب" كوجبتين أساسيتين للفطور، فيما لا تكتمل فرحة العيد دون "الكليجة" و"البحت" كتحلية بعد وجبة الإفطار.
كما يبدأ أهالي الديوانية صباح العيد بوجبة فطور تقليدية تعتمد على "القيمر"، أما الشباب، فيميلون إلى تناول "الكباب" كما هو الحال في مدينة الكوت، حيث تشهد محال المشويات إقبالاً كبيراً في ساعات الصباح الباكر، إذ يعد الكباب خياراً مثالياً لمن يرغب في وجبة دسمة بعد شهر من الصيام، ويُقدم عادة مع الخبز الحار والطماطم المشوية والمخللات.
وبعد الإفطار، يحرص الأهالي على تقديم الحلويات التي تُعد جزءاً أساسياً من تقاليد العيد، وتأتي "الكليجة" في مقدمة هذه الحلويات، حيث تُعد في المنازل قبل العيد بأيام، وتُحشى بالتمر أو الجوز والهيل، لتكون رفيقة جلسات العيد والضيافة.
أما "البحت"، فهو طبق تحلية تقليدي يتميز بمكوناته البسيطة والمغذية، حيث يتكون من "التمن" المطبوخ مع الحليب والهيل ويُضاف إليه "الدهن الحر"، مما يمنحه قواماً غنياً ونكهة مميزة تجعله من أشهر أطباق التحلية في الديوانية خلال العيد.
"الكربلائية والكليجة والقيمر" تتصدر موائد كربلاء
بينما في كربلاء ومع حلول أول أيام عيد الفطر، تتزين موائد أهالي كربلاء بأطباق تقليدية توارثتها الأجيال، حيث تعد الكربلائية، الكليجة، والقيمر من أبرز الأكلات التي تحضر بقوة في هذا اليوم المبارك.
الكربلائية، وهي أكلة شعبية تشبه "المعلاق" وتتكون من قطع اللحم المطهوة مع البصل والتوابل، تعد وجبة أساسية في صباح العيد، حيث تفضل العائلات تناولها بعد أداء صلاة العيد.
وبحسب الأهالي، الذي تحدثت لهم "الجبال"، فإن "هذه الوجبة تمنح طاقة خاصة في أول أيام العيد، وتعكس روح الكرم والضيافة التي يتميز بها المجتمع الكربلائي".
ويكتمل الإفطار الصباحي بـ "القيمر العراقي"، الذي يُعد رمزاً للمائدة العراقية في الأعياد، حيث يُقدم مع الخبز الحار والعسل، ليضيف نكهة مميزة تنعش الأجواء العائلية في صباح العيد.