الكورد والبغداديون يترددون والبصريون يعتبرونها سرّ العيد.. "المسموطة" أكلة تراثية وتقليد متجذّر بالجنوب

5 قراءة دقيقة
الكورد والبغداديون يترددون والبصريون يعتبرونها سرّ العيد.. "المسموطة" أكلة تراثية وتقليد متجذّر بالجنوب المسموطة

مع حلول عيد الفطر، تفوح رائحة “المسموطة” في أزقة البصرة، حيث لا تكتمل فرحة العيد لدى الكثير من العوائل البصرية إلا بتناول هذه الأكلة التراثية التي تعود جذورها إلى قرون مضت. رغم بساطتها، إلا أن “المسموطة” تحمل رمزية دينية واجتماعية.

 

تنطلق رحلة “المسموطة” من بحر الفاو، حيث يبدأ الصيادون بجمع أسماك “الضلعة”، المفضلة لهذه الأكلة. يتم اصطيادها بعناية، ثم تنظيفها وتقطيعها إلى أجزاء متوسطة قبل وضعها في أماكن بعيدة عن أشعة الشمس المباشرة لمدة ثلاثة أيام، مع إضافة الملح والتوابل لضمان حفظها.

 

البائع علي زعرط، يشير في حديثه لمنصة الجبال، إلى أن التجفيف هو أهم مرحلة، فالتعرض الخاطئ للشمس قد يفسد الطعم، لذا نستخدم طرقًا خاصة لحفظها بأفضل جودة.

 

شهدت أسعار الأسماك المجففة هذا العام ارتفاعًا ملحوظًا، حيث قفز سعر الكيلوغرام من 3000 إلى ما بين 4000 و5000 دينار بسبب المنافسة الشديدة في مزاد الفاو، حيث يسعى التجار لشراء كميات كبيرة من الأسماك الطازجة، ما يرفع الأسعار في الأسواق.

 

ويقول تاجر الأسماك حمد محمد لمنصة الجبال إن “هناك تجار كبار يشترون كميات ضخمة لتخزينها وإعادة بيعها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، ورغم ذلك، يظل الإقبال مرتفعًا".

 

 

في بداية شهر رمضان، يتم شراء السمك من الفاو بكميات تتراوح بين طن وطن ونصف، وفي الأسابيع الأخيرة من الشهر، تنفد هذه الكميات بسرعة.

 

و“المسموطة” ليست مجرد أكلة، بل هي تقليد متجذر، وهذا ما يدفع الزبائن من الناصرية والعمارة للقدوم إلى البصرة خصيصًا لشرائها، فيما يعتبرها بعض سكان النجف هدية تذكارية تعكس أصولهم البصرية.

 

 

وفي السنوات الأخيرة، اتجه بعض الباعة في البصرة إلى إدخال لمسات مبتكرة على أكلة “المسموطة”، محاولين تحديثها دون المساس بجوهرها التقليدي الذي اعتاد عليه سكان المدينة. ومن أبرز هذه التغييرات، تعديل لونها من الأصفر التقليدي إلى الأحمر، وذلك من خلال استخدام خلطات خاصة من البهارات والمكونات التي تعزز نكهتها وتعطيها طابعًا مميزًا.

 

يمحمد أسد، أحد أشهر بائعي المسموطة في البصرة، يقول عن هذه التجربة الجديدة لمنصة الجبال: “لطالما كانت المسموطة طبقًا محبوبًا لدى البصريين، لكنها بقيت لسنوات طويلة تُعد بالطريقة ذاتها دون تغيير يُذكر. أردت أن أضفي عليها لمسة عصرية مع الحفاظ على أصالتها، فقمت بتطوير خلطة خاصة تضفي عليها لونًا أكثر جاذبية، وتعزز طعمها التقليدي بمكونات إضافية. اعتمدت في هذه الخلطة على السماك، ودبس الرمان، ومجموعة من البهارات المختارة بعناية، مما منح المسموطة لونًا أحمر مميزًا وطعمًا أكثر غنى وعمقًا".

 

 

ويشير إلى أن هذا التغيير لم يؤثر على طريقة إعداد المسموطة الأساسية، بل أضاف إليها بعدًا جديدًا جعلها أكثر تنوعًا، حيث يفضل البعض المذاق الحاد والغني الذي تمنحه المكونات الإضافية، بينما لا يزال آخرون يفضلون الطعم الكلاسيكي.

 

ويختم حديثه بالقول: “التجديد في الأكلات التراثية لا يعني إلغاء الأصالة، بل هو محاولة لجعلها أكثر تناغمًا مع الأذواق الحديثة، وهذا ما حاولت تحقيقه من خلال هذه الوصفة المبتكرة".

 

 

يؤكد الشيف لطيف حسين لـ “الجبال” أن اختيار نوعية السمك المناسبة هو العامل الأهم في إعداد “المسموطة”، مشيرًا إلى أن سمكة “الضلعة” تعد الخيار الأمثل لهذه الوصفة، ويضيف أنه أثناء عملية التجفيف، ينبغي وضع السمك في مكان بعيد عن الرطوبة لضمان جودته.

 

ورغم ارتفاع الأسعار، فإن الإقبال على “المسموطة” لم يتراجع، إذ لا تزال جزءًا من التقاليد البصرية الراسخة، كما أنها تحظى بشعبية في مدن أخرى مثل الناصرية والعمارة، حيث يسافر الزبائن خصيصًا لشرائها.

 

 

أما في كربلاء والنجف وبعض المحافظات الأخرى، فتُعدّ “المسموطة” هدية تحمل نكهة الماضي، حيث تأخذها بعض العائلات ذات الأصول البصرية كتذكار يُعيد إليهم ذكريات موطنهم.

 

في المقابل، يندهش الزوار البغداديون والأكراد عند قدومهم إلى البصرة، إذ يحرصون على توثيق هذه الأكلة الفريدة بالصور بعد مشاهدة البائعة وهم يفترشون الساحات والشوارع والجدران بالسمك لكنهم نادرًا ما يجرؤون على تذوقها، حيث يعتبرونها طبقًا غريبًا على مذاقهم.

 

 

أما البصريون، فلهم رأي آخر، فهم يؤمنون أن “المسموطة” ليست مجرد أكلة، بل هي تقليد له فوائد صحية، إذ يقولون إنها “تغسل المعدة وتكسر الصيام صباح العيد”، مما يجعلها طبقاً لا غنى عنه في احتفالاتهم.

 

 

الجبال

نُشرت في الاثنين 31 مارس 2025 01:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.