قرر حسين سعدون في آب/أغسطس 2023، تغيير هوية الأحوال الشخصية الورقية إلى "البطاقة الوطنية الموحدة"، على أمل أن تُنجز خلال أسبوع كحد أقصى، لكن المفاجآت لا تغيب عن الدوائر العراقية، وتدخل كأنك في لعبة "السُلم والثعبان"، إذ تصل إلى نصف إنجاز المعاملة ومن ثم تعود إلى البداية وتكمل كاتماً غضبك حتى لا تُعرقل أكثر من ذلك.
معاملة سعدون لم تنتهِ إلا بعد شهرين من التعقيد والتنقل بين دوائر عدة؛ تمثلت بإحضار صورة قيد ووثيقة دراسية وتأييد مختار، نتيجة وجود خطأ في اسمه بالسجل الرئيسي، هو خطأ غير مسؤول عنه.
60 يوماً بين دوائر الحكومة بسب شطب في السجل
"يوم واحد مخصص لنا حسب الرقعة الجغرافية، للمراجعة في دائرة الأحوال المدنية قرب مجمع سوق الثلاثاء، بمنطقة زيونة، شرقي بغداد"، يقول سعدون ويضيف لمنصة "الجبال"، ذهبت في ذلك اليوم المصادف الأربعاء 16 آب 2023 وكان الطابور طويلاً جداً لسحب الاستمارة الأولية، وبعد أربع ساعات متواصلة ما بين تدقيق المعاملة والتقاط الصور أبلغوني بأن هناك اسم مشطوب كُتب فوقه اسمي في السجل!".
موظفة السجل وهي امرأة كبيرة بالعمر، طلبت صورة قيد وتأييد مختار المنطقة، وبينما ذهب سعدون لإحضار المستمسكات الإضافية، كان دوام الدائرة قد انتهى وتأجلت المعاملة إلى الأسبوع الذي بعده، على حد قوله.
وبعد أسبوع، أحضر صورة القيد وتأييد المختار، لكن الموظفة المسؤولة لم تكتفِ بذلك، بل طلبت منه هذه المرة وثيقة دراسية.
اضطر سعدون الذهاب إلى المدرسة لطلب الوثيقة الدراسية، وصادف ذهابه وقتذاك مع الزيارة الأربعينية، لذا تأجلت المعاملة إلى ما بعد الزيارة.
ثم أكمل بعد ذلك مشوار المعاملة، وأرسل إلى وزارة الصحة بمنطقة باب المعظم، وسط بغداد، لإحضار بيان ولادة للتأكد من اسمه بسبب الشطب الذي وجد بالسجل.
وبعد حوالي شهرين من "المعاناة" حسب تعبير سعدون، استلم بطاقته الموحدة، وقال بسخرية: "كأني رُزقت بمولود.. شكراً لدوائرنا العظيمة".
"غيروا مواليدي ولقبي"
سعدون ليس بمفرده مّر بتلك المعاناة، فهناك الآلاف مثله. في جانب الكرخ من العاصمة بغداد تعرقلت معاملة ياسين طه في دائرة البطاقة الموحدة لمدة شهر.
ويقول طه لمنصة "الجبال" :"قمت بالإجراءات الرسمية بشكل أصولي في مديرية الأحوال المدنية بمدينة الكاظمية، وعندما قرأ الضابط المسؤول في النافذة الأولى للمراجعين المكتوب في المعاملة تحجج بأن صوري قديمة في المستمسكات وطلب مستمسك آخر".
"مضت دقائق فقط على اعتراض الضابط، وبعدها تضاعفت المشاكل"، يذكر طه ويضيف، "خطأ في المواليد بدل 1998 كُتب 1997 بالسجلات، وخطأ في اللقب، بالرغم من أنني غيرت الجنسية في وقت سابق ولم أمر بهذه العراقيل".
ويكمل طه حديثه قائلاً: "اشترطوا إحضار بيان الولادة، بالرغم من إحضار جميع مستمسكات عائلتي (الأب والأم)، لكن لم يقتنعوا بها"، مستدركاً بالقول: "لكن المفاجأة، هي أن بيان الولادة، حين ذهبت إلى دائرة الصحة، حمل أخطاء أكثر من أخطاء دائرة الأحوال المدنية".
وعند سؤال طه لموظف دائرة الصحة عن سبب الأخطاء، أجاب بأن "المواليد سُجلت على تاريخ تنظيم المعاملة وليس على يوم الولادة"، مبيناً أنه "عند استشارة المحاميين طلبوا منه رفع دعوى على وزارة الصحة لتصحيح التاريخ، لكنه تخوف من تعقد المعاملة، بينما نصحه موظف داخل الدائرة بأن يجد له واسطة".
واستغرب من كثرة أخطاء الموظفين، متسائلاً: "ألا يستلمون راتباً مقابل عملهم؟".
كيف يتعامل القانون مع أخطاء الموظفين؟
ومن الجانب القانوني تجاه تلك الأخطاء، يقول الباحث بالشأن القانوني علي التميمي، إن هناك قوانين منظمة لعمل الموظفين وسلوكهم الوظيفي، منها قانون انضباط موظف الدولة رقم 14 لسنة 1991، وقانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960.
التميمي يؤكد لمنصة "الجبال"، إنّ "القوانين أعلاه أوجبت على الموظف أن يؤدي واجبه الوظيفي بأمانة والتزام ودقة، والا يضر بمصلحة المراجع او المواطن".
"هناك قواعد للسلوك تخص الموظفين من حيث المظهر والتعامل مع المراجعين، والا تؤدي تصرفاته إلى ضرر للمواطن"، يوضح التميمي ويضيف أنّ "قانون انضباط موظفي الدولة يوقع عقوبات بحق الموظف المقصر في عمله، وبإمكان رؤساء الموظف اتخاذ العقوبات بشأن الموظف المخالف للقانون من خلال الانذار والتنبيه وقطع الراتب".
تعطيل على موائد الطعام!
ويلفت الباحث بالشأن القانوني إلى، أن "هناك أخطاء في المعاملات غير مقصودة من قبل الموظفين،"، مشيراً إلى أنّ "من حق المراجع المتضرر إقامة شكوى بحق الموظف في حال تعرض مصلحته للضرر أو دفع به ذلك الخطأ إلى خسائر مادية ومعنوية".
ومضى التميمي بالقول: "اقترحنا إدخال الموظفين الجدد إلى دورات تدريبية قبل ممارستهم عملهم، للاطلاع على القوانين وأصول التعامل ولوائح العمل"، منتقداً "ظاهرة موائد الطعام داخل دوائر الدولة وتعطيل الموظفين بطرق غير منطقية".
ويرى الباحث بالشأن القانوني، أنّ "بعض الموظفين بحاجة إلى الاطلاع على قوانين وعقوبات الرشوة والاختلاس والإهمال، حتى لا يقعوا في ذات الأخطاء".
يشار إلى أن الحكومة العراقية كانت قد وعدت مراراً بالتخلص من روتين المعاملات وحلقاته الزائدة، واعتماد إجرائها إلكترونياً، إلا أن تلك الوعود لم تتحقق حتى الآن.