هور الحويزة بين التجفيف "المتعمّد" وشحّ المياه.. ما حقيقة "الخطة الحكومية لتهجير السكّان من أجل النفط"؟

7 قراءة دقيقة
هور الحويزة بين التجفيف "المتعمّد" وشحّ المياه.. ما حقيقة "الخطة الحكومية لتهجير السكّان من أجل النفط"؟ هور الحويزة (الجبال)

"التجفيف المتعمد" للهور "بسبب التوسع النفطي"

في قلب جنوب العراق، حيث كانت أمواج المياه ترقص مع القصب، وأصوات الطيور المهاجرة تملأ الأفق، يقف هور الحويزة اليوم شاهداً على تحولات جذرية تهدد بمحوه من الوجود. فالحويزة يواجه اليوم جفافاً غير مسبوق على الإطلاق، يتمثل بعملية تجفيف حكومية ممنهجة، كما يقول ناشطون أهواريون.

 

يُعتبر هور الحويزة من الأهوار المهمة والكبيرة جنوبي العراق، حيث يتغذى من نهر دجلة، وتتقاسمه محافظتا البصرة وميسان، وتحده من الجهة الشرقية الحدود الإيرانية، ومن الشمال منطقة الشيب وهور السناف. ويعد هور الحويزة أحد أهم أهوار جنوب العراق، حيث تبلغ مساحته حوالي 1377 كيلومتراً مربعاً، أما عرضه فهو 30 كيلومتراً، وطوله 80 كيلومتراً. ويتميز الهور بتنوع مصادر تغذيته، من الأمطار الموسمية والسيول وفروع نهر دجلة، إضافةً إلى تنوع الأنظمة الأحيائية والبيئية فيه.

 

 

أهمية هور الحويزة

 

يقول رئيس مؤسسة "جلجاموس" للآثار والأهوار، علي المسافري في تصريح لـ"الجبال" إن "غالبية السكان القاطنين في الهور يعتمدون في معيشتهم على جمع الحشائش والقصب وتربية الجاموس. كذلك، يحتوي الهور على برك عميقة تتجاوز 6 أمتار، مثل بركة أم النعاج، وبركة العظيم، وبركة السودة، وهي برك دائمة تجذب العديد من الطيور المهاجرة التي تأتي من مختلف بقاع العالم للاستراحة في تلك البيئة الفريدة من نوعها".

 

وعن المشكلة الأساسية التي يواجهها الهور، يؤكد المسافري أن "الهور يتعرض دائماً للجفاف، الذي يكون أحياناً بفعل خارجي وأحياناً بفعل داخلي".

 

ويوضح أن "السبب الداخلي يعود إلى سوء إدارة الموارد المائية، إضافةً إلى الإجراءات التي تتخذها وزارة الموارد المائية والوزارات الأخرى في تحويل هذا الهور إلى حقل لاستخراج النفط، مما يؤثر على عملية إغمار الهور بالمياه".

 

رئيس المؤسسة المعنية بالأهوار يشير إلى أن "بوادر التجفيف الأساسية التي شهدها الهور بدأت مع بناء السدة الترابية الحدودية القاطعة، التي تبعد 600 إلى 700 متر عن الحدود الإيرانية، بعرض قاعدة 30 متراً، وارتفاع 12 متراً، وعرض شارع نهائي 6 أمتار، وامتدت لمسافة 120 كيلو متراً من البصرة إلى الشيب"، مؤكداً أن "هذه السدة اعتُبرت عملية تجفيف فعلية لهور الحويزة".

 

 

بيانات حكومية تخالف واقع الحال

 

من جانبه، قال الناشط الأهواري مرتضى الجنوبي في تصريح لمنصّة "الجبال": "بدأ هور الحويزة بالجفاف نهاية عام 2021 على الرغم من وجود خزين مائي كبير آنذاك ولم تكن هناك أزمة مائية. لكن وزارة الموارد المائية تعمدت قطع الإطلاقات المائية عن الحويزة. وكل هذا موثق بصور وفيديوهات".

 

وأضاف الجنوبي، "ناشدنا أن تُفتَح الإطلاقات المائية لهور الحويزة ولكن لم نحصل على شيء".

 

واستطرد بالقول: "الحكومة في صفحات ومواقع الموارد المائية ومركز إنعاش الأهوار تنشر بصورة متواصلة بأنها قد أطلقت المياه نحو الحويزة ولكن لا شيء على أرض الواقع، وبالوقت نفسه تنفي هذه الصفحات الحكومية وجود أي جفاف في هور الحويزة".

 

 

عوامل خارجية وتأثيرات على السكان والبيئة

 

وعلى صعيد العوامل الخارجية، قال المسافري: "على الرغم من أن 82% من مساحة الهور تقع داخل الأراضي العراقية، و20% داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن إيران قامت بقطع نهر الكرخة وتحويل مساره حتى لا يصب في هور الحويزة. بينما اكتفت الحكومة العراقية بالاعتماد على السيول الموسمية والأمطار لتغذيته، دون ممارسة أي ضغط دبلوماسي على إيران لإعادة مياه نهر الكرخة".

 

المسافري، أكد أن "سكّان الأهوار اليوم معرضون للسموم ودخان آبار النفط، مما يدفعهم تدريجياً إلى مغادرة مناطقهم التاريخية".

 

وأضاف، "للأسف، هذه البيئة مهملة تماماً ولا يوجد من يهتم بها أو يحميها، على الرغم من أن هور الحويزة أُدرج على لائحة التراث العالمي عام 2016، كما اعتُبر أحد المواقع المهمة ضمن اتفاقية رامسر للأراضي الرطبة".

 

من جهته، قال الجنوبي: "يعيش في الحويزة سكّان الأهوار من ناحية المشرح أو قضاء الكحلاء، وقديماً كان السكان يعتمدون على الأهوار بصيد السمك وتربية الجواميس. ولكن منذ 2021 انقطعت الإطلاقات المائية عن الحويزة وجف الهور بشكل تدريجي، ولذلك لم يتبقَ أي أسماك أو أعلاف للجاموس من قصب وحشائش، فانتهى الصيد ويبست أعلاف الجاموس. ثم كثر موت الجاموس، الذي صار يبرك في البرك الطينية المتبقية من الهور بعد جفافه".

 

وأكد الجنوبي "أنه ورفاقه الناشطين أجروا إحصائية داخل هور الحويزة من أصل 4 قرى، هاجرت حوالي 200 عائلة بين عامي 2021 و2023، لكربلاء وبغداد والبصرة، ولم تقدم الحكومة العراقية أية مساعدة لتلك الأسر النازحة".

 

"تجفيف متعمد وخطة لتهجير سكّان الأهوار"

 

يقول المسافري: "فضلًا عن التجفيف المتعمد، هناك بحيرات أسماك عملاقة تستهلك كميات كبيرة من مياه الهور، وهذه البحيرات تعود إلى أشخاص متنفذين يصعب على أجهزة الدولة محاسبتهم أو ردم تلك البحيرات".

 

وأضاف: "نحن أمام خطة متكاملة لتهجير سكان الأهوار وتجفيف هور الحويزة، وتحويله إلى مشاريع لاستخراج النفط، مما سيؤدي إلى انتشار الأمراض السرطانية والمزمنة بين السكان".

 

 

الجنوبي تحدث عن سبب ما وصفه بـ"التجفيف المتعمد"، قائلاً: "نحن نعلم سبب التجفيف المتعمد، وهو بسبب التوسع النفطي. ففي الفترة الأخيرة أعلنت الحكومة العراقية ضمن جولة التراخيص الخامسة عن حقل الحويزة النفطي داخل هور الحويزة، وهنا ظهرت الحقيقة في أن سبب التجفيف لأجل تحويل الأهوار إلى آبار نفطية." وأشار إلى أن "بالإمكان الحفر بطرق حديثة لكنهم يفضلون الطرق السهلة التقليدية، وحتى لو حفروا بطرق حديثة ستظل هناك مخلفات سامة تلوث وتسمم الأهوار".

 

"التجفيف بدأ من عهد الكاظمي"

 

وفي السياق نفسه، قال وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي في "بودكاست" تابعته "الجبال"، رداً على سؤال حول "التجفيف المتعمد": "نعم هناك تجفيف متعمد، وقد واجهت ذلك عندما كنت وزيراً للموارد المائية، ووازنت آنذاك بين التنمية الاقتصادية والبقاء المستدام للأهوار".

 

وأضاف الجنابي، أن "النفط يستخرج من أعماق البحار بطرق الحفر الحديثة، فكيف نحن لا نستطيع استخراج النفط من الأهوار التي عمقها متراً؟. فلا داعي للتجفيف إذن".

 

وأوضح أن "التجفيف بدأ في عهد حكومة الكاظمي ولا يزال مستمراً، وجزء من التجفيف لأجل استخراج النفط، وجزء للاستحواذ على الأراضي".

 

 

نفي حكومي

 

في المقابل، نفى مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري، أحمد كاظم الخزاعي، اتهامات "التجفيف المتعمد"، قائلاً: "يواجه العراق جفافًا غير مسبوق، ولذا فإن انخفاض مناسيب المياه في هور الحويزة يعود لشحّ المياه في نهر دجلة".

 

وأضاف، "الأمور قد تحسنت قليلاً مؤخراً بسبب موجة الأمطار والسيول الأخيرة التي رفعت من مناسيب المياه في الهور".

 

مشيراً إلى، أنه "لا علاقة للنشاط النفطي في الحويزة بتقليص حصته من الإطلاقات المائية".

 

 

الجبال

نُشرت في الأحد 16 مارس 2025 11:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.