من "المطبخ" إلى محطات الحياة المعقدة.. ما الذي تحتاجه المرأة العراقية في يومها؟

9 قراءة دقيقة
من "المطبخ" إلى محطات الحياة المعقدة.. ما الذي تحتاجه المرأة العراقية في يومها؟ تعبيرية

من الفكرة التي كانت شائعة حول "وجودها في المطبخ" إلى مجالات عدّة في الحياة، انطلقت المرأة العراقية من دورها التقليدي لتشق طريقها في مختلف مجالات الحياة المعقدة، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.

 

إن المرأة التي كانت تودع ابنها القتيل بالبكاء و"شق الزيج"، والصامدة التي تنتظر الخروج من الحروب والصراعات منذ 2003 إثر أحداث العراق السياسية والأمنية، كانت دائماً على الهامش في غمرة الدماء والفوضى، وعندما استفاق المجتمع من مرحلة القتل على الهوية، وبدأ يرمم ندوب العنف الطائفي، واجهت المرأة الشابة تحديات جديدة من الجماعات المسلحة المتنفذة التي تحاول أن تفرض قيوداً على حريتها وحركتها.

 

 وحتى تخرج من كل ذلك، حاولت المرأة العراقية الدخول إلى مجال المشاركة السياسية للارتقاء بوضعها، لكنها واجهت أن يكون وجهها أشبه بـ"العورة" على البرلمان العراقي وسائر المؤسسات السياسية، فقد مرّت بصعوبات كبيرة، تعرضت خلالها للابتزاز والمساومة والتشهير لإبعادها عن المشاركة الفعالة، خاصة وإن وصولها دائماً كان مصحوباً بنظام "الكوتا". 

 

التفاعل كان "سلبياً" في وسائل الإعلام


مع كل ذلك، فإن "وسائل الإعلام ساهمت بشكل كبير في خلق صورة سلبية عن النساء السياسيات، وذلك على الرغم من وجود نماذج نسائية قوية وفاعلة خلال الفترات الزمنية الحساسة من 2004 إلى 2018"، وفق حديث للباحث في الشأن السياسي، مصطفى السراي. 

 

ويقول السراي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "هناك أصواتاً نسائية قوية كانت حاضرة ومؤثرة في الأزمات والقضايا المفصلية، وبعضهن كن مفاوضات وقائدات في ملفات معينة، إلا أن انعكاس ذلك في الإعلام كان سلبياً، نتيجة للتفاعل السلبي من قبل وسائل الإعلام تجاههن". 

 

وأضاف أن "وسائل الإعلام ساهمت في تشويه سمعة النساء السياسيات من خلال ترويج الشائعات دون التحقق من صحتها، ما أدى إلى ابتعادهن عن الظهور الإعلامي".

 

المرأة "ليست أولوية" لدى صناع القرار

 

أما في المجال الاقتصادي، فقد تحولت المرأة إلى شبه مهمشة من ناحية الأعمال والوظائف في النظام العراقي الريعي أو النفطي الذي يتأثر بتصورات المجتمع وتقبله لصورة المرأة، فضلاً عن الأعراف الطائفية وجماعاتها المتنفذة، بالإضافة إلى تحولها لـ"سلعة" في ظل النظام الرأسمالي، حيث "تم استغلالها كمستهلك بشكل أساسي". 

 

ويرى الخبير الاقتصادي سلام جبار أن "تمكين المرأة اقتصادياً يتطلب تطبيق حزمة من الإجراءات المتكاملة"، مشيراً إلى أن "الخطوة الأولى تتمثل في تصحيح الوعي المجتمعي تجاه دور المرأة في الأنشطة الاقتصادية، وذلك من خلال تقبل المجتمع لمشاركتها الفاعلة في مختلف المجالات، وتغيير الصورة النمطية التي تحد من طموحاتها".

 

وقال جبار إن "جزءاً من هذه الإجراءات التصحيحية يكمن في مراجعة شاملة للقوانين والتشريعات التي تقيد عمل المرأة، وتحديداً في مجالات ريادة الأعمال والإدارة والعمالة"، مؤكداً أن "قضية المرأة لا تزال تفتقر إلى الأولوية لدى صناع القرار، مما سيؤدي إلى استمرار الفجوة الاقتصادية بين الجنسين لسنوات طويلة".

 

المساواة تتطلب "تمثيلاً حقيقياً بمراكز صنع القرار"

 

والآن بعد أكثر من 20 عاماً من النظر إلى المرأة الواقفة في المطبخ، والتي لا مكان لها غير المنزل، كما تعتقد جماعات كثيرة، بينهم متنفذون، يطرح السؤال حول ما الذي تحتاجه المرأة العراقية بعد التعقيدات التي خاضتها وتخوضها في السنوات الأخيرة.

 

وفي الإجابة عن السؤال، ترى الناشطة المدنية رؤى خلف أن "المرأة في العراق بحاجة ماسة إلى بيئة تضمن لها الأمان والعدالة والمساواة على الصعيد الاجتماعي"، مؤكدة على "ضرورة تعزيز حقوقها في التعليم والعمل دون قيود أو تمييز، بالإضافة إلى سن قوانين تحميها من العنف الأسري والمجتمعي، بدلاً من التشريعات التي تقوض حقوقها، كما حدث في تعديل القانون 188، أو المواد القانونية التي تقنن العنف ضدها، مثل المادة 41".

 

سياسياً، شددت خلف في حديث لمنصة الجبال على "أهمية تمثيل المرأة تمثيلًا حقيقياً ومؤثراً في مراكز صنع القرار، وليس مجرد مشاركة رمزية لا تسهم في تحقيق مصالح المرأة"، مشيرة إلى أن "معظم المشاركات السياسيات لا يدعمن قضايا المرأة، بل يعملن وفق مبادئ التنافر المعرفي والانتقائية السياسية".

 

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أوضحت خلف أن "التعداد السكاني كشف عن قصور المؤسسات الحكومية في تمكين المرأة اقتصادياً، حيث لا تتجاوز نسبة النساء العاملات في سوق العمل 15%، مما يدل على غياب فرص العمل الحقيقية والمستدامة". 

 

 وأكدت على "حاجة النساء إلى الحصول على عمل لائق وبيئة عمل آمنة محمية بتشريعات وقوانين فعلية، وليس مجرد حبر على ورق، كما هو الحال في قانون العمل العراقي رقم 37".

 

 وأشارت خلف إلى "ضرورة توفير آليات حماية ووقاية من الاستغلال والتحرش والتمييز في مواقع العمل، حيث تصنف أعمال نسبة كبيرة من النساء العاملات ضمن (العمل الهش) وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان".

 

وختمت خلف حديثها بالتأكيد على أن "المرأة العراقية بحاجة إلى مجتمع يعترف بإمكاناتها، ويتيح لها المساحة الكاملة والفرصة والتمكين للمشاركة والمساهمة الفاعلة والحقيقية، وليس مجرد مشاركة صورية كما يشاع اليوم في زمن شياع!"، في إشارة منها إلى حكومة محمد شياع السوداني. 

 

انعدام الأمن الشخصي

 

كان تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق خلال حكومة محمد شياع السوداني، أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبرته العديد من المنظمات النسوية والمدافعين عن حقوق المرأة "طعنة في خاصرة المرأة العراقية"، وقد جاء هذا الجدل بسبب ما اعتبروه "تراجعاً عن المكتسبات التي حققتها المرأة العراقية في القوانين السابقة".

 

وتؤكد الشاعرة نور العنزي في حديث لـ"الجبال" أن التحديات التي تواجه المرأة العراقية لا تزال معقدة ومتشعبة، مشيرة إلى أن "الحاجة الأساسية تكمن في توفير بيئة تضمن للمرأة حرية تقرير مصيرها على الصعيد الفكري والتعليمي والمهني، وتمكينها من الانخراط الفاعل في المجتمع بعيداً عن الوصم الاجتماعي الذي قد يؤدي إلى العنف أو القتل داخل المنزل وخارجه".

 

وأضافت العنزي أن "العديد من التحديات تعيق إبداع المرأة العراقية وعملها، ومن بينها انعدام الأمن الشخصي"، معربة عن "عدم ثقتها بالأجهزة الأمنية، خاصة عندما تقوم بإعادة المرأة المعنفة إلى معنفها، وذلك بسبب نقص الملاجئ التي تستقبل النساء المعنفات، نتيجة للتحفظات الاجتماعية والدينية".

 

أشارت الشاعرة إلى أن "المرأة العراقية بحاجة ماسة إلى التوعية بحقوقها وذاتها وجسدها وصحتها الإنجابية والنفسية، إضافة إلى تحسين وتطوير القوانين، وعلى رأسها قانون العنف الأسري وقوانين مكافحة التحرش، وتوفير الحماية وفرص العمل للمرأة، مما يساهم في تحقيق التوازن المجتمعي بين الجنسين". 

 

الحماية من العنف الأسري

 

وفي نفس السياق، تؤكد الباحثة في الشؤون السياسية هيام المرهج على ضرورة تعزيز دور المرأة العراقية في مختلف المجالات، مشيرة إلى "التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها، والتي تحد من إمكانياتها".

 

وعلى الصعيد الاجتماعي، تشدد المرهج على "أهمية حماية المرأة من العنف الأسري، وتحسين فرصها في التعليم، وتعزيز استقلالها الشخصي"، بالإضافة إلى "تغيير الصورة النمطية التي تعيق مشاركتها الفعالة في المجتمع".

 

أما سياسياً، فقد أكدت على "ضرورة تمكين المرأة في مراكز صنع القرار، وإصلاح القوانين التمييزية، وتعزيز مشاركتها في الأحزاب السياسية، إلى جانب زيادة الوعي بحقوقها السياسية ودورها في العملية الديمقراطية".

 

وفي الجانب الاقتصادي، أوضحت أن "الأمر يتطلب توفير فرص عمل عادلة، ودعم المشاريع الصغيرة، وضمان بيئة عمل آمنة، وتحقيق المساواة في الأجور، مع الاهتمام الخاص بتمكين النساء في المناطق الريفية"، مختتمة حديثها بالتأكيد على أن "تمكين المرأة العراقية هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر عدالة واستقراراً". 

 

التمثيل النيابي وخذلان النساء 

 

تُثار على السطح تساؤلات حول مدى تمثيل المرأة العراقية في مجلس النواب، حيث ترى العديد من النساء أن "أغلب النائبات لا يعبرن عن صوت المرأة الحقيقي، بل يمثلن رؤى الأحزاب والجهات التي ينتمين إليها".

 

وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في قضية قانون الأحوال الشخصية الجديد، حيث اتُهمت بعض النائبات بـ"خذلان النساء" و"تقديم الولاء الحزبي على الدفاع عن حقوق المرأة"، ومن الأمثلة التي تم تداولها، تصويت النائبة دنيا الشمري لصالح القانون، والذي اعتبرته "نصرة للمذهب الجعفري"، بدلاً من الدفاع عن حقوق المرأة.

 

والسؤال الذي يطرحه العديد من المتهمين، هو "هل يعتبر نظام الكوتا حلاً فعالا لزيادة تمثيل المرأة في البرلمان والمؤسسات الحكومية؟"، إذ أن "نظام الكوتا ضرورة ملحة لفترة زمنية، لكن الآن لم يعد هناك ضرورة له"، حيث أصبح عدد النساء اليوم أكثر من العدد المقرر في الكوتا.

 

 وبحسب انتخابات 2021 كان النظام المقرر للكوتا 84 امرأة من عدد النواب، بينما المجلس اليوم يقارب 96 امرأة وفق الباحث مصطفى السراي الذي أكد أن هذا يعني بأن "النساء اليوم خارج منطقة الكوتا وأصبحن ينافسن على التسلسلات الانتخابية والمرشحين الفائزين مع مرشحين رجال". 

 

ويرى السراي أن التحدي الأهم الذي يواجه المرأة في هذا المجال هو بناء القدرات النسائية، ولذلك هناك "ضرورة التعامل مع الكتل السياسية على أساس الكفاءة وليس المحسوبية، تماماً كما هو الحال مع الرجال"، مؤكداً أن "تحقيق ذلك يتطلب عملية مستمرة لبناء قيادات نسائية قادرة على تجاوز هاتين العقبتين، وذلك من خلال ظهور جيل كامل من القيادات النسائية في الساحة السياسية".

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في السبت 8 مارس 2025 01:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.