العراق يُلغي تأشيرة الدخول الورقية.. تسهيل للإجراءات أم "شبهات" وتعقيد وعزل عن العالم؟

10 قراءة دقيقة
العراق يُلغي تأشيرة الدخول الورقية.. تسهيل للإجراءات أم "شبهات" وتعقيد وعزل عن العالم؟ سائحون أجانب في أهوار العراق (فيسبوك)

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، قررت الحكومة العراقية إلغاء التأشيرة الورقية واستبدالها بنظام إلكتروني، في إجراء وصفه البعض بأنه "نقلة نوعية نحو التحديث"، بينما اعتبره آخرون "عائقاً جديداً أمام حركة السياح".

 

وبينما تؤكد الجهات الرسمية أن القرار سيسرّع الإجراءات ويمنع أي تجاوزات، يتساءل كثيرون: هل سيؤدي هذا التحول إلى تعزيز السياحة في العراق، أم أنه سيجعل دخول البلاد أكثر تعقيداً وتكلفة؟ وهل يخدم القرار الاقتصاد العراقي أم أنه خطوة غير مدروسة قد تعزل العراق عن العالم؟

 

وقبل أيام قليلة، أعلنت مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة التابعة لوزارة الداخلية العراقية، حسب وثيقة حصلت عليها منصة "الجبال"، إيقاف منح تأشيرة الدخول عند الوصول اعتباراً من 1 آذار/مارس 2025، وذلك للمسافرين من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا وكوريا الجنوبية واليابان وسويسرا ونيوزيلندا.

 

عزل العراق عن العالم

 

وفي هذا الشأن، يرى مدونون عراقيون، أن القرار جاء دون أي توضيح مقنع، متسائلين عن جدواه ومن المستفيد الحقيقي منه، فيما أشاروا إلى أن إيقاف حركة السياح من أوروبا وآسيا وأميركا وأستراليا سيؤدي إلى خسارة العراق للفرص المحدودة التي كانت متاحة للشباب في بغداد والمحافظات، سواء في قطاع السياحة أو في المشاريع المرتبطة به.

 

ويقول مدونون، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "هذا الإجراء سيجعل زيارة العراق أكثر صعوبة وتكلفة، حيث يحتاج أي سائح الآن إلى إنفاق ما بين 700 إلى 900 دولار قبل وصوله، تشمل رسوم التأشيرة والتكاليف الإدارية والطيران، وهو ما قد يدفع الكثيرين إلى تجنب العراق كوجهة سياحية".

 

وتساءل البعض عما إذا كان القرار جاء كرد فعل على الانتقادات التي أطلقها بعض المدونين واليوتيوبرز العالميين بشأن أوضاع السفر في العراق، أو إذا كان مرتبطاً بالفساد المالي والإداري في دائرة الإقامة، حيث يؤدي تشديد منح التأشيرات إلى إجبار الراغبين في زيارة البلاد على دفع مبالغ إضافية للحصول على الموافقات اللازمة.

 

في المقابل، يعتقد خبراء في السياحة، أن "هذا القرار قد يعزل العراق عن العالم، خاصة أنه كان يُعتبر وجهة ناشئة للسياح الباحثين عن التجربة التاريخية والثقافية الفريدة، لكنه الآن أصبح أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة، مما قد يؤثر سلباً على جهود الترويج للسياحة في البلاد".

 

وفي مطلع العام الجاري، أعلنت المنظمة العربية للسياحة اختيار مدينة بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وذلك خلال اجتماع الدورة الـ35 للمجلس الوزاري العربي للسياحة الذي عُقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة.

 

وعقب القرار العربي، استعرضت الحكومة العراقية بعدها بفترة قليلة 21 مشروعاً سياحياً من المقرر إقامتها في العاصمة بغداد وباقي المحافظات بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمةً للسياحة العربية لعام 2025.

 

حيث أن الحكومة العراقية قررت توجيه الدعوة لشركة إسبانية متخصصة بمجال التطوير السياحي من أجل إنشاء المشاريع وبناء منشآت ومرافق سياحية وترفيهية جاذبة.

 

وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال اجتماع خصص لعرض حزمة من المشاريع السياحية المخططة إقامتها في العاصمة بغداد وباقي المحافظات، إن "السياحة ومقوماتها متوافرة في العراق، وهي من الممكن أن تتحول إلى مصدر أساسي في الاقتصاد غير النفطي، مع توافر الفرص والحاجة المحلية ورغبة المواطنين في الانتفاع والتمتع بمرافق سياحية عصرية ومتطورة وصديقة للبيئة".

 

تعليق حكومي حاسم

 

وحاول فريق منصة "الجبال"، التواصل مع المتحدث باسم وزارة الداخلية لمعرفة أبعاد القرار، لكن لم يرد على الاتصالات المتكررة، إلا أن مصدراً في مديرية شؤون الإقامة العراقية تحدث لنا رافضاً الكشف عن أسمه، قائلاً إن "هذا القرار يأتي ضمن خطة الحكومة العراقية للتحول إلى حكومة إلكترونية، بهدف تسهيل إجراءات السفر وتعزيز كفاءة العمل في المنافذ الحدودية".

 

ونفى المصدر، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، صحة ما يتم تداوله بشأن وجود شبهات فساد مرتبطة بهذا القرار، مشدداً على أن "هذه الخطوة تمثل إنجازاً جديداً يُضاف إلى سجل الحكومة في سعيها لتحديث أنظمة العمل الإداري وفق المعايير الحديثة".

 

ويشير المصدر، إلى أن "اعتماد التأشيرة الإلكترونية سيسهم في تحسين تجربة المسافرين وتوفير الوقت والجهد"، مؤكداً "استمرار الجهود الحكومية في تطوير الخدمات الإلكترونية في مختلف القطاعات".

 

وفي العام 2023، كشفت وزارة الداخلية العراقية عن دخول ما يقارب 9 ملايين زائر البلاد خلال العام الماضي، وهي أعلى نسبة تشهدها السياحة في العراق منذ عدة عقود.

 

ومن المعروف أن قطاع السياحة في العراق قد عانى خسائر فادحة نتيجة الحروب التي مرت بها البلاد منذ عام 1980، بدءاً من حرب الخليج في العام 1991 وصولاً إلى الغزو الأميركي في 2003، ما أدى إلى تراجع معدلات السياح الوافدين إلى مستويات شبه معدومة مقارنة بالسنوات التي سبقتها.

 

تساؤلات حول القرار

 

ووفقاً لبيانات صادرة عن الحكومة نهاية الشهر الماضي، ناقش مسؤولون حكوميون في العراق وخبراء في القطاع السياحي، أبرز التحديات التي تواجه السياحة في العراق وسبل تطويرها، وخاصة في قطاع الفنادق، مؤكدين أن البرنامج الحكومي يمنح الأولوية لدعم السياحة وتعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص من خلال الزيارات الميدانية التي تهدف إلى تشخيص العقبات التي تعرقل تطور هذا القطاع.

 

وفي هذا الصدد، يرى الخبير في شؤون السفر والطيران فارس الجواري، أن "قرار الحكومة العراقية بإلغاء تأشيرة الدخول الورقية في المطارات واستبدالها بنظام التأشيرة الإلكترونية يهدف إلى مواكبة التطورات العالمية وتسهيل إجراءات الدخول إلى البلاد، لكنه يثير تساؤلات حول مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف الجواري، أن "العديد من الدول التي يُطبَّق عليها هذا القرار لا تسمح بدخول العراقيين من دون تأشيرة مسبقة، على عكس ما قامت به الحكومة العراقية التي منحت مواطني تلك الدول إمكانية الحصول على التأشيرة عند الوصول إلى المطار".

 

وبحسب الجواري، فإن "هذا الإجراء له أبعاد أمنية مهمة، حيث يتيح لوزارة الداخلية التدقيق في هويات القادمين والتأكد من عدم دخول الأشخاص غير المرغوب بهم إلا بعد الحصول على الموافقات اللازمة"، مؤكداً في ذات الوقت أن "القرار يشمل جميع أنحاء العراق، بما في ذلك إقليم كردستان".

 

وفيما يتعلق بتأثير القرار على قطاع السياحة، يتابع الجواري، قائلاً إن "القرار سيؤدي إلى تنظيم عملية دخول السائحين عبر مكاتب وشركات سياحية معتمدة، مما يسهم في تنشيط قطاع السياحة داخل العراق"، مستطرداً بالقول إن "السائحين سيُطالبون بالتقديم ضمن مجموعات سياحية من خلال الشركات، ما يعزز دور هذه الشركات في استقطاب الزوار".

 

أما بخصوص الحديث عن وجود شبهة فساد في هذا القرار، نفى الجواري صحة هذه الادعاءات، موضحاً أن "اعتماد التأشيرة الإلكترونية هو إجراء متبع في العديد من دول العالم، بما في ذلك الدول العربية وشرق آسيا، بهدف ضبط عملية دخول المسافرين والتأكد من هوياتهم".

 

واختتم الجواري قوله: إن "رسوم التأشيرة التي تُدفع عند التقديم تُعد إجراءً طبيعياً ومتوافقاً مع سياسات التأشيرات المعمول بها دولياً، حيث تُطبق مبدأ المعاملة بالمثل عند منح التأشيرات للمواطنين العراقيين في الخارج".

 

وبحسب تقرير لمنظمة السياحة العالمية الصادر في العام 2020، فقد بلغ عدد السائحين إلى العراق في العام 2019 نحو مليون و518 ألف سائح، ليحتل المرتبة الـ13 من بين 17 دولة عربية، والمرتبة 98 عالمياً في ترتيب الدول الأكثر زيارة في العالم.

 

وفي سياق الأرقام الحكومية، قال وزير الثقافة والسياحة والآثار، أحمد فكاك البدراني، إن 400 ألف سائح أجنبي للعراق خلال العام الماضي 2023 فقط، مؤكداً في ذات الوقت عدم حصول ذلك في السنوات الماضية لأن البيئة العراقية كانت طاردة للسياحة بخلاف قوتها الجاذبة هذه الفترة، فيما طالب بضرورة قيام الدول برفع مخاطر السفر عن العراق من لوائحها.

 

قرار معمول به عالمياً

 

في المقابل، يقول نقيب السياحيين العراقيين، محمد العبيدي، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "قرار استبدال التأشيرة الورقية بنظام التأشيرة الإلكترونية في العراق سيسهم في تسهيل إجراءات دخول السياح إلى البلاد"، مشيراً إلى أن "البيانات ستكون متاحة مسبقاً لدى الجهات المختصة، مما يقلل من وقت الانتظار في المطارات".

 

ويضيف العبيدي، أن "رسوم التأشيرة ستبقى على حالها، ولن يكون هناك أي تغيير في تسعيرتها"، مبيناً أن "صرف السائحين مبالغ تتراوح ما بين الـ 700$ و1000 دولار للأوروبيين، وهو مبلغ لا يُعد مرتفعاً مقارنة بالدخل الفردي للمواطنين في تلك الدول".

 

ووفقاً للعبيدي، فإن "السياح الراغبين في زيارة العراق لديهم القدرة على تحمل هذه التكاليف، خصوصاً أن الدول الأخرى تفرض رسوماً مماثلة على منح التأشيرات".

 

ويتحدث العبيدي، قائلاً إن "القرار يحمل بُعداً اقتصادياً مهماً للعراق، حيث ستبقى رسوم التأشيرات مصدر دخل للدولة، إلى جانب الفوائد التي تعود على قطاع السياحة"، مضيفاً أن "الدفع سيكون إلكترونياً بالكامل، ولن تكون هناك أي تعاملات نقدية داخل المطارات، مما يمنع أي تجاوزات أو استغلال للسياح أثناء إجراءات الدخول".

 

شبكة "CNN" الأمريكية، كشفت نهاية العام الماضي، عن زيادة أعداد السائحين الغربيين المتوجهين إلى العراق بنسب غير مسبوقة منذ عام 2003"، مؤكدة أن "زيارة العراق أصبح الآن ترند لدى السياح الغربيين"، حسب التقرير.

 

وبحسب تقرير الشبكة، فإن "شركات السياحة الغربية وخصوصاً البريطانية، سجلت ارتفاعاً كبيراً العام الحالي بأعداد السائحين الأجانب المتوجهين إلى العراق بعد أن كانت السياحة الغربية محصورة خلال السنوات السابقة بإقليم كردستان العراق".

 

وأصبحت العاصمة بغداد، وعدة محافظات مثل الحلة وميسان والبصرة، وفقاً للتقرير، أهم الوجهات السياحية التي يزورها السائحون القادمون من دول الغرب خلال العام الحالي على الرغم من إصدار الحكومات الغربية تحذيرات مستمرة لرعاياها من السفر إلى العراق.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الجمعة 7 مارس 2025 03:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.