تبرئة المتهم بـ"مجزرة الزيتون" تغيض الناصرية.. كيف خرج الضابط "عمر نزار" بعد حكمه بالمؤبد؟

9 قراءة دقيقة
تبرئة المتهم بـ"مجزرة الزيتون" تغيض الناصرية.. كيف خرج الضابط "عمر نزار" بعد حكمه بالمؤبد؟ الضابط عمر نزال وخلفه توابيت ضحايا مجزرة الزيتون

"لا موقف من نواب تشرين"

موجة سخط شعبية أثيرت مؤخراً في العراق، بعد الإفراج عن الضابط في قوات التدخل السريع عمر نزار، على الرغم من صدور حكم سابق بحقه بالمؤبد عن "مجزرة جسر الزيتون" التي راح ضحيتها العشرات من المتظاهرين بمحافظة ذي قار، في العام 2019.

 

وأظهرت وثيقة، بتاريخ (14 آب 2024)، توجيه رئيس محكمة التمييز القاضي فائق زيدان، بغلق التحقيق ونقض كافة القرارات الصادرة في الدعوى وإلغاء التهمة الموجهة ضد الضابط والإفراج عنه.

 

وجاء القرار بحسب الوثيقة، لعدم كفاية الأدلة المتحصلة وإخلاء سبيله عن هذه القضية وإشعار إدارة السجن بذلك، وصدر القرار استناداً لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية.

 

وقبل حوالي 14 شهراً، حكم  القضاء العراقي في حزيران 2023، بالمؤبد بحق الضابط برتبة مقدم عمر نزار على خلفية مجزرة الزيتون، التي راح ضحيتها عشرات المحتجين في ذي قار إبان "احتجاجات تشرين" التي اجتاحت وسط وجنوبي العراق عام 2019، وصدر القرار وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

 

"قرار الإفراج يغيض الناصرية"

 

وتوعد ناشطون في ذي قار باحتجاجات رافضة لقرار محكمة التمييز، معتبرين أن "القضاء استغل فترة انشغال أهالي الجنوب (وهم غالبية المنتفضين في تشرين 2019 ضد الطبقة السياسية)  بمراسم الزيارة الأربعينية".

 

"الجرائم التي حدثت في احتجاجات تشرين ولا سيما في محافظة ذي قار، سياسية بامتياز ولا يمكن أن تسقط بالتقادم"، يقول حسين الغرابي، الأمين العام لحزب البيت الوطني المنبثق عن تظاهرات تشرين.

 

ويشدد الغرابي في حديثه لمنصة "الجبال"، رفضه لقرار الإفراج عن الضابط برتبة رائد، عمر نزار، قائلاً: "مجزرة جسر الزيتون نفذت بأسلحة متنوعة تمثلت بإطلاق نار مباشر أدى إلى سقوط نحو 100 شهيد ومئات الجرحى". 

 

"لا يمكن أن تطمس معالم جريمة جسر الزيتون"، يقول الناشط الغرابي ويضيف، أن "النظام السياسي مهما حاول طمس معالم الجرائم التي حصلت في احتجاجات تشرين، لا بد أن تفتح في يوم ما".

 

ويلفت الأمين العام لحزب البيت الوطني إلى، أن "هناك عشرات الدعاوى قدمت إلى القضاء من قبل المصابين في أحداث تشرين، ونرى اليوم تبرئة واحد تلو الاخر"، مستدركاً: "إن دل على شيء فإن ذلك يدل على ممارسة ضغوطات سياسية وحزبية للافراج عن المتهمين".

 

"من تسبب بمجزرة الزيتون، هم قوات نظامية تتبع الدولة، وتلك القوات لا تتحرك إلا بأوامر من قبل الجهات الحكومية والسياسية"، يذكر الغرابي، ويؤكد أن"النظام السياسي يحاول تبييض وجهه وطمس معالم الجريمة كي لا تبقى متلاصقة به".

 

وشارك الغرابي بوقفة احتجاجية على جسر الزيتون، في نفس اليوم الذي صدر فيه قرار الإفراج عن الرائد عمر نزار (14 آب 2024).

 

رفض لطمس معالم الجريمة

 

ويشير إلى أن عوائل الشهداء والمصابين سيكون لهم موقف ولن يسمحوا بطمس معالم الجريمة التي حصلت، مضيفاً أن "القضاء استغل فترة انشغال أهالي الجنوب بمراسيم الزيارة الأربعينية، لتبرئة الضابط عمر نزار".

 

وتعتبر مجزرة الزيتون، سلسلة أعمال قتل مُمنهجة استهدفت المُتظاهرين العراقيين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بين يومي 28 تشرين الثاني-30 تشرين الثاني 2019، عقب يوم واحد من حادثة حرق القنصلية الإيرانية في النجف.

 

وقد ذهب ضحية هذه المجزرة أكثر من 70 قتيلاً وأكثر من 225 جريحاً في 28 تشرين الثاني، بينما قتل 15 متظاهراً وجرح 157 آخرين في 30 تشرين الثاني. 

 

وأدت المجزرة إلى إقالة الفريق جميل الشمري من رئاسة خلية الأزمة المكلفة بمعالجة الأوضاع في المحافظات الجنوبية، الذي اعترف بنفسه عبر برنامج متلفز بأن الضابط عمر نزار هو الذي أمر جنوده بفتح الرصاص على الشباب المحتجين. 

 

عقب ذلك، قُدمت حوالي 95 عائلة شكاوى ضد الضابط بتهمة "تورطه بقتل المتظاهرين على جسر الزيتون"، وقد تم الاستماع لمائة شاهد، بحسب مسؤولين في المحافظة.

 

وحوكم عمر نزار بتهمة قتل 21 شخصاً في 28 تشرين الثاني 2019، عندما فرقت قوات أمنية كان يقودها، اعتصاماً لمحتجين على جسر الزيتون بوسط الناصرية، وطاردتهم في المدينة بين الثالثة فجراً والحادية عشرة صباحاً.

 

وأدت "مجزرة الزيتون" إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، إذ أجبرته على تقديم استقالته، بضغط من المرجع الديني الأعلى لدى الشيعة في العراق والعالم، علي السيستاني.

 

نواب تشرين "لا رافضين ولا مؤيدين"

 

بدوره، يلفت عضو مجلس النواب العراقي، المنبثق عن تظاهرات تشرين، محمد عنوز، إلى أن القضاء اعتبر الأدلة غير كافية لإدانة الضابط عمر نزار، ولم تستند إلى المادة 406 من قانون العقوبات العراقي.

 

وبشأن وجود ضغوطات على القضاء العراقي، لم يقّر عنوز بذلك أو ينفي.

 

وتنص المادة 406 من قانون العقوبات العراقي على أنه:


1 – يعاقب بالاعدام من قتل نفساً عمداً في إحدى الحالات التالية:

أ – إذا كان القتل مع سبق الإصرار أو الترصد.
ب – إذا حصل القتل باستعمال مادة سامة، أو مفرقعة او متفجرة.
ج – إذا كان القتل لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو اذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل.
د – إذا كان المقتول من أصول القاتل.
هـ - إذا وقع القتل على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك.
و - إذا قصد الجاني قتل شخصين فأكثر فتم ذلك بفعل واحد.
ز - إذا اقترن القتل عمداً بجريمة أو أكثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فيه.
ح - اذا ارتكب القتل تمهيداً لارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل على سنة أو تسهيلاً لارتكابها أو تنفيذاً لها أو تمكينا لمرتكبها أو شريكه على الفرار أو التخلص من العقاب.
ط - إذا كان الجاني محكوماً عليه بالسجن المؤبد عن جريمة قتل عمدي وارتكب جريمة قتل عمدية أو شرع فيه خلال مدة تنفيذ العقوبة.
2 - وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد في الأحوال التالية:
أ - إذا قصد الجاني قتل شخص واحد فادى فعله إلى قتل شخص فأكثر.
ب - إذا مثل الجاني بجثة المجنى عليه بعد موته.
ج - إذا كان الجاني محكوماً عليه بالسجن المؤبد في غير الحالة المذكورة في الفقرة ( 1 – ط ) من هذه المادة وارتكب جريمة قتل عمدي خلال مدة تنفيذ العقوبة.

 

"القضاء يتحذر من إثارة الشارع"

 

ويقول عنوز في حديث لمنصة "الجبال"، إن "تفاصيل الحكم لم تذكر بالتفصيل، باستثناء أن الأدلة غير كافية، مما دفع هيئة التمييز إلى الإفراج عن الضابط عمر نزار".

 

"الملف يحمل جنبة جنائية وأبعاد سياسية"، يذكر عنوز ويضيف أن "القضاء يعرف جيداً أن هكذا قضية يمكن أن تثير الشارع لذلك من غير المعقول أن تحكم بدون دليل قاطع على البراءة".

 

ونفى، استغلال القضاء العراقي لمراسم الزيارة الأربعينية بإطلاق قرارها، مؤكداً أن "ساعات عدة أو أيام عدة لا يمكن لها أن تؤثر على مثل هكذا قرار قضائي". 

 

وفي شباط 2022، أوقف القضاء العراقي الضابط عمر نزار في على خلفية نشر منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب"، تحقيقاً مصوراً، يوثق انتهاكات متناسلة مارسها نزار، من معارك تحرير الموصل من سيطرة داعش إلى "مجزرة الزيتون" في ذي قار.

 

واستند إلى مقاطع مصورة تثبت "ارتكاب نزار وقواته عمليات إعدام بحق مدنيين واغتصاب نساء وأطفال"، أثناء فترة تحرير نينوى من سيطرة داعش.

 

وبحسب التحقيق، فإن عمر نزار كان يجبر الأبرياء في الموصل على اعتراف مزيف بانتمائهم إلى داعش ثم يقوم بقتلهم. كذلك، كان نزار يهدد النساء في الموصل ويساومهن بممارسة الجنس معهن، على أن يعيد لهن أزواجهن من السجون، وفق التحقيق.

 

كما قام التحقيق بتضمين شهادة لمصور صحفي اسمه علي أركادي، كان قد رافق عمليات تحرير الموصل، ووثق بعضاً من "انتهاكات الضابط عمر نزار ورفاقه" في عام 2017.

 

وأشار التحقيق، إلى أن "نزار كان يقود مجموعة من 4 جنود ترتكب عمليات الاغتصاب والتعذيب، وقد أفلتوا من العقاب على الرغم من وجود أدلة دامغة تثبت تورطهم في انتهاكات فظيعة".

 

وبين، أن نزار كان "يفتخر بما ارتكبه من أخطاء في عمليات التحرير، ويرفض الاعتذار"، ليظهر لاحقا بعد ترقيته إلى رتبة عسكرية أعلى من قبل وزارة الداخلية،، في ذي قار خلال "فض الاحتجاجات".

 

"لا أدلة على تورط الضابط نزار بقتل المحتجين!"

 

من جهته، يرى الباحث بالشأن الأمني والسياسي علي البيدر، أن ما وثقته منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب" يتعلق بعمليات تحرير الموصل، ولم يحمل أدلة على تورط الضابط عمر نزار بقتل متظاهري تشرين في ذي قار.

 

ويذكر البيدر في حديث لمنصة "الجبال"، إن "القضاء العراقي لا يمكن أن يزج نفسه في قضية تثير الرأي العام إلا بالكاد يكون متيقناً من أبعادها بكل دقة".

 

"اعتقال الضابط نزار والتحقيق معه، جاء لغرض احتواء الغضب الشعبي حينها، إثر تقرير منظمة إنهاء الإفلات من العقاب"، يقول البيدر ويضيف، أن "الضابط عمر نزار لم يكن متورطاً وفق الصورة التي رسمت عنه، بحسب ما أقره القضاء العراقي".

 

ويلفت الباحث في الشأن الأمني والسياسي إلى أن "عمر نزار يفترض أن يحاسب على ما فعله أثناء عمليات تحرير نينوى"، لكنه عاد وقال إن "الوضع غير مهيأ في المرحلة الحالية، لفتح أي ملف قد يقود إلى خلق أزمات على المستويين الأمني والاجتماعي".

حسين حاتم صحفي عراقي

نُشرت في الخميس 15 أغسطس 2024 10:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.