يبدو أن قرار فتح أبواب مطار بغداد الدولي أمام حركة المسافرين والمواطنين يخضع لضغوط كبيرة، وهو "الأمر المخفي" الذي كان وراء تأجيل هذه الخطوة التي دعا لها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قبل فترة قليلة.
(الخميس 27 حزيران 2024)، قررت الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية، فتح مطار بغداد الدولي أمام المواطنين، كما يكون للمسافر حرية اصطحاب أو مرافقة أي شخص إلى المطار، بناءً على توجيهات رئيس الحكومة.
لكن إدارة مطار بغداد الدولي، ألغت القرار بعد أيام من إصداره، معلّلة ذلك في بيان رسمي، "تندرج في إطار حرصنا على ضمان أعلى مستويات الأمان والكفاءة وتحقيق أعلى درجات الانسيابية في عمل المطار، فمع استمرار خطة التفويج العكسي لحجاج بيت الله الحرام، تقرر تأجيل الفتح الجزئي للمطار لحين استكمال عملية التفويج العكسي، وإنجاز الخطط الموضوعة لفتح المطار، بالاشتراك مع الجهات المعنية".
وبحسب مراقبين، فإن هذا البيان فتح باب التساؤلات في الشارع البغدادي بشأن الأسباب التي تقف وراء التريّث بتوجيهات رئيس مجلس الوزراء، خصوصاً بعد انقضاء أيام عديدة على فترة "التفويج العكسي للحجاج"، كما ألمح هؤلاء المراقبين إلى وجود ضغوط تمارس للتراجع عن القرار.
ما حقيقة الافتتاح خلال أسبوعين؟
وأعلنت وزارة النقل، الأحد الماضي، فتح مطار بغداد الدولي أمام المواطنين خلال الأسبوعين المقبلين، فيما أشارت إلى أن المطار سيشهد خلال المدة المقبلة نقلة نوعية مهمة باعتماد الخطة التطويرية ضمن المحفظة الاستثمارية الخاصة بمؤسسة التمويل الدولية، إلا أن ميثم الصافي المتحدث باسم الوزارة عبر عن استغرابه من تداول هذا الخبر في أغلب وسائل الإعلام المحلية، مؤكداً أن هذا البيان قديم ولم يصدر هذا الأسبوع.
ويقول الصافي في حديث مقتضب لـ"الجبال"، إنّ "موعد افتتاح مطار بغداد الدولي أمام المواطنين لم يحدد إلى الآن"، مشيراً إلى أن "الجهات المسؤولة مستمرة في العمل على الانتهاء من جميع الإجراءات الخاصة بهذا الصدد".
ويضيف المسؤول الحكومي، أن "موعد فتح المطار سيعلن في بيان رسمي"، مؤكداً في ذات الوقت أن "المطار سيشهد انطلاق 12 مشروعاً لتطوير مطار بغداد الدولي من ضمنها تأهيل المدرج وزيادة المساحات الخضراء منها 5 مشاريع ستنفذ قريباً".
ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة مؤخراً عن وزارة النقل، فإن مطار بغداد الدولي يستقبل 3 ملايين مسافر سنوياً، مشيرةً إلى أنها تخطط لتحويل الطاقة الاستيعابية للمطار إلى 10 ملايين مسافر سنوياً بعد اطلاق مشاريع جديدة.
أسباب خفية
لا يزال ملف حظر "الطائر الأخضر" من التحليق في الأجواء مستمراً رغم تعاقب الحكومات خلال السنوات الماضية، لكن هناك من يقول إن منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، واتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) ، لم يقتنعوا لغاية الآن بالإجراءات المتخذة من قبل العراق بشأن الالتزام بالتوصيات التي تضعها الوكالات العالمية الخاصة بالطيران.
وفي خضم هذه الأزمات المتتالية، يقول الخبير في شؤون الطيران، فارس الجواري، إن "القوات الأمنية أمنت طريق وصول المسافر والمواطن إلى صالات الرحلات في مطار بغداد منذ أشهر عدة وتحديداً مطلع العام الجاري"، متساءلاً في ذات الوقت عن "سبب عدم افتتاحه إلى الآن رغم تأمين المطار أمنياً".
"في الحقيقة إن السبب الرئيس وراء عدم افتتاح المطار إلى الآن يكمن بالشركات العديدة الموجودة والمسؤولة عن نقل المسافرين العائدين من المطار إلى ساحة عباس بن فرناس ومناطق العاصمة بغداد"، الكلام للجواري خلال حديثه لـ "الجبال".
وبحسب الجواري، هناك ضغوط كبيرة تمارس على الحكومة وإدارة المطارات في العراق من قبل هذه الشركات كون فتح المطار أمام المواطنين يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة لهذه الشركات.
وعن الحلول، يوضح الخبير أن "الحكومة برئاسة السوداني مطالبة بفسخ عقود هذه الشركات من خلال منحها الأموال وغيرها من التفاصيل وفقاً للقانون، بغية عدم ممارسة أي ضغوط على قرار فتح مطار بغداد الدولي".
وقت طويل للافتتاح
وعلى مدار أكثر من 40 عاماً، لم يشهد مطار بغداد الدولي، إعادة تأهيل على نطاق واسع منذ افتتاحه في أوائل الثمانينات، إبان حكم صدام حسين، رغم تعرضه للعديد من الحرائق والفياضانات جراء تسرب المياه إلى صالات الانتظار.
لكن ناصر الأسدي، مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، عارض حديث الخبير وأكد أن "الحكومة لن تخضع ولن تقبل بأي ضغوط تمارس من قبل شركات القطاع الخاص على قرار فتح مطار بغداد".
ويتابع الأسدي حديث للجبال قائلاً إن "شركات النقل الموجودة في المطار تخضع بالكامل للسيطرة الحكومية وفقاً للقانون، ولن تتدخل بأي خطة أو خطوة تنفذها الحكومة بهذا الصدد"، مردفاً أن "الجهات المعنية مستمرة في عملية استكمال الإجراءات الرقابية وخصوصاً الأمنية قبيل فتح مطار بغداد أمام جميع المواطنين العراقيين".
بيّن الأسدي أن "استكمال هذه الإجراءات يحتاج إلى وقت، كون الملف الأمني للمطار مهماً ويحتاج التأمين بنسبة كبيرة".
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مصر على فتح المطار أمام المواطنين، حسب قول الأسدي الذي أكد أيضاً أن "الخطة التي وضعت بشأن هذه الخطوة سارية وجاري العمل وفق جميع تفاصيلها".
وفقاً للأسدي، فإن المشاريع التي تهدف لإعادة تأهيل مطار بغداد التي انطلقت مؤخراً لم ولن تؤثر على قرار فتحه أمام المواطين، وإنما سيتم العمل بالخطوتين في نفس الوقت، مؤكداً فتح أبواب المطار بالكامل أمام المواطنين بعد الانتهاء مما ذكر أعلاه.
وعقد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اجتماعاً خلال شهر حزيران الماضي، خُصص لمتابعة مشروع تأهيل مطار بغداد الدولي، كما اطلع خلاله على عرض البنك الدولي، الذي قدم استعراضاً لفقرات دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية الخاصة بتأهيل وتوسعة المطار.
ووفقاً لبيان صادر عن الحكومة، فقد شهد مطار بغداد الدولي نمواً في الحركة الجوية بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15.7%. على مدى السنوات الماضية، حيث وصل عدد الركاب إلى أكثر من 3.4 مليون مسافر في عام 2023.
ثلاث شركات مسيطرة
يقول مصدر رفيع في مطار بغداد، لـ "الجبال"، إن "هناك 3 شركات تسيطر على نقل المسافرين العائدين إلى عموم مناطق العاصمة بغداد، كما يمكن لهذه الشركات نقل المسافرين من المنازل وإدخالهم للمطار".
ووفقاً للمصدر، فإن الشركات المسيطرة على نقل المسافرين هي (التكسي المميز)، (تكسي المسافر)، (تكسي المطار)، مؤكداً أن "أسعار نقل المسافرين من وإلى المطار مرتفعة جداً".
ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، أن "تكلفة نقل المسافر من صالات مطار بغداد إلى ساحة عباس بن فرناس (المدخل الرئيس لمطار بغداد)، تبلغ 30 ألف دينار عراقي وللموظف الذي يحمل إحدى بطاقات المصارف 25 ألف دينار عراقي".
أما تكلفة نقل المسافرين من وإلى المطار في أي منطقة بجانب الكرخ من بغداد تبلغ 40 ألف دينار ، وحسب نفس المصدر، إن تكلفة نقل المسافرين من وإلى المطار في أي منطقة في جانب الرصافة من العاصمة تبلغ 50 ألف دينار.
ويتابع المصدر حديثه قائلاً إن هذه الشركات هي من تسيطر على نقل المسافرين بالكامل، وهي أحد الأسباب الرئيسة وراء تأخر فتح مطار بغداد أمام المواطنين بالكامل.
وطرحت الحكومة العراقية مناقصة لاختيار شركة خاصة تعمل على توسعة وتشغيل مطار بغداد الدولي التي تهدف بالدرجة الأساس إلى إعادة تأهيل وتوسيع وتمويل وتشغيل وصيانة المطار بموجب عقد شراكة طويلة الأجل بين القطاعين العام والخاص، وفق ما جاء في بيان رسمي هذا العام.