مثقفون عراقيون قلقون من الذكاء الاصطناعي.. هل نصل إلى نهاية الأدب خلال 20 عاماً؟

8 قراءة دقيقة
مثقفون عراقيون قلقون من الذكاء الاصطناعي.. هل نصل إلى نهاية الأدب خلال 20 عاماً؟ تعبيرية

الإبداع كما هو يعتبر عملية عجن للواقع أو أشبه بطريقة إعداد الطعام التي تحول النشأ الخام إلى حلوى، في حين يرى عديدون أن الإبداع البشري هو بلورة لكل الآلام النفسية التي يخوضها الإنسان، كما أنه شهادة حية على تجاربه الحياتية، فقد يكتب الشاعر قصيدة هي نتاج عن ألم الفقد أو الخيانة أو الوحدة، لكن ما تشهده الكتابة الإبداعية في الوقت الحالي تجاوز حالة المخاض العسيرة التي يمر بها الكاتب، فقد أصبحت النصوص والقصائد تولد بضغطة زر واحدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، فهل تستطيع الآلة أن تعبر عن مشاعر لا تملكها وأن تخلق عالماً تقدر من خلاله أن تتأثر وتتفاعل مع المشاكل والأزمات؟


 
ويرى مؤسس التحليل النفسي، سيجموند فرويد، أن الإبداع مبني على أساس نفسي، حيث ينبع من اللاشعور عبر أحلام اليقظة، أو ما أسماه أفلاطون بالإلهام، فيما ينتج الإبداع عن صراع بين مكونات الشخصية، الأنا و الأنا العليا، باستخدام آليات دفاعية مثل الكبت والتسامي، فهل ستتطور الآلة لتعبر عن أزماتها وتجسدها في نص إبداعي؟ ربما هذا السؤال وغيره، هو شاغل لمثقفين عراقيين، كما يشغل الكثير من المثقفين حول العالم.

 

نهاية الأدب؟


 
يرجح الشاعر والأكاديمي، سراج محمد، أننا قد نكون وصلنا إلى مرحلة "نهاية الأدب"، حيث يمكن للآلة أن تتفوق على تجارب الشعراء البشريين في إنتاج النصوص، متوقعاً أن نشهد ذلك خلال العشرين سنة المقبلة. 

 

ويقول محمد لمنصة "الجبال"، إن "الذكاء الاصطناعي الحالي لا يستطيع تقديم أدب يضاهي النسخة البشرية، لكنه في تطور مستمر"، معرباً عن خشيته من أن "فئة أخرى من الآلات ستنهي رحلة الأدب، وتجعل من الأديب رقماً ثانوياً".

 

وبالوقت نفسه، يعتقد الشاعر العراقي، وائل السلطان في حديث لـ "الجبال" أن "حدود الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، هي حدود الآلة التي تقتفي خطوات سابقة لتصنع خطوات شبيهة بها، أي أن المحرك الأول لهذه النصوص هي نصوص مكتوبة أصلًا"، معتقداً أن "الإبداع العاطفة والوعي الذاتي هي سمات بشرية غير قابلة للتقليد أو الصنعة".
 


ومع أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعداً في أمور تتعلق بالتدقيق اللغوي والحصول على بيانات لغوية بسرعة وجودة، فضلاً عن "المساهمة في النشر بطريقة أو بأخرى، خاصة أنه يدعم حتى اللهجات المحلية"، بحسب السلطان الذي استدرك بالقول: "لكن لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر بديل لخلق نصوص إبداعية، لأنه يخلو من  العواطف البشرية والأفكار والفلسفات".

 

كتاب يكتبون عبر الذكاء الاصطناعي

 

وفي الآونة الأخيرة، اعتمد كتاب جدد على الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة، حيث اعترفت الروائية اليابانية، ري كودان، باستخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة روايتها وقد حصدت الرواية التي حملت عنوان "برج التعاطي في طوكيو" على جائزة "اكواتاجوا"، فيما قالت كودان إنها "استخدمت تشات جي بي تي بنسبة 5%".


 
ويعبر الشاعر والأكاديمي إسماعيل الحسيني، عن قلقه إزاء انتشار ظاهرة كتابة الشعر عبر الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن "هذه القصائد تخلو من ماء الشعر ورونقه".


 
وفي حديث لـ"الجبال"، يقول الحسيني إن "اللغة العربية أكثر لغات العالم تعاطياً للشعر، وأن أهم مواردها بقي بعيداً عن موارد هذه النماذج، ومن أعراف حدود الشعر هو الاستعمال الخاص للغة، وهذا يتنافر مع اللغة التي ابتكرت فيها هذه النماذج".

 

"اللصوصية الإبداعية"


 
وعن الحديث عن الأخلاقيات المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة، يرى الشاعر والأكاديمي سراج محمد أن المستوى الحالي للذكاء الاصطناعي في الأدب "مكشوف ومعروف" عبر مظاهره الفنية المتدنية، لكنه يحذر من "الجنبة الأخلاقية" المتمثلة في استغلال الأدباء للذكاء الاصطناعي لاختصار العمليات الإبداعية الأساسية مثل الخيال والأفكار واللغة وطرائق القول والتركيب".


 
ويصف محمد هذا الاستغلال بـ "اللصوصية الإبداعية"، حيث ينتج الأديب "المهجن" نصاً "هجيناً" بالتدخل في المظاهر الفنية واستخدام الآلة في "تحضير الكعكة الجمالية".

 

ويلفت محمد إلى أن هذه "اللصوصية الإبداعية" أصبحت رائجة في الفضاء الإلكتروني، حيث نشهد أعمالاً سردية وشعرية كُتبت بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، بل وحصل أصحابها على جوائز وتقدير.

 

ويفرق محمد بين فئتين من المستغلين للذكاء الاصطناعي "فئة تعترف باستخدامها للآلة، وفئة أخرى مواربة تظل محكومة بالجنبة الأخلاقية والنزاهة الجمالية". 

 

تجربة

 

وعند سؤال تطبيق "Gemini" لكتابة  قصيدة عن امرأة في الباص تفكر في الماضي الذي لن يعود، كتب هذه القصيدة:

 

"تجلس في الباصِ، شاردةُ الذهنِ، عيناها على الزجاجِ، وقلبها في الأمسِ.

تتذكرُ ضحكاتٍ، وكلماتٍ، وأغنياتٍ، كلها ذابتْ في زمنٍ، تلاشى وانطمسِ.

ترى وجوهاً، مرتْ في حياتها، أحبّةً، وأصدقاءَ، ورفاقاً في الدربِ.

تتمنى لو يعودُ الزمنُ، ولو لحظةً، لتُعيدَ ترتيبَ الذكرياتِ، وتُصلحَ ما انكسرَ القلبِ.

لكنَّ الزمنَ لا يعودُ، ولا يرحمُ، يمضي بنا قُدُماً، نحو المجهولِ.

تُغلقُ عينيها، وتتنهدُ بعمقٍ، وتُرددُ في سرّها: "يا ليتَ الماضي يعودُ.

لكنَّ الماضي لن يعودَ، يا سيدتي، فلا تبكي على اللبنِ المسكوبِ.

امضي في حياتكِ، ولا تنظري للخلفِ، فغداً يومٌ جديدٌ، وأملٌ مطلوبُ".
 
وفي تعليق نقدي من الشاعرة والناقدة، هناء أحمد، قالت لـ"الجبال"، إنها "كثيراً ما تصادف مثل هذا النص، معتبرة أن "هذا النوع من النصوص لأشخاص يظنون أنهم يكتبون شعراً".

 

ووصفت أحمد النص بأنه "أشبه بتمرين في ورشة كتابة إبداعية للمبتدئين" و"ترجمة ركيكة لنص شعري بلغة أخرى"، مؤكدة أن "النص يفتقر إلى الطاقة الفنية والإبداعية، ويعتمد على "السرد المجاني" و"التوزيع البصري للسطور "لإيهام المتلقي بأن ما يقرأه شعراً".

 

أشارت الناقدة إلى أن "النص يحمل طابعاً وعظياً، وأن قراءته بتنغيم لا يضفي عليه أي قيمة شعرية"، فيما وصفت المتلقي الذي قد ينخدع بهذا النوع من النصوص بأنه "فقير فنياً". 

 

الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية ـ والكلام لأحمد ـ مجرد مدخلات مخزنة من بشر، وقدرته على الإبداع محدودة مقارنة بالذكاء البشري"، مضيفةً أن "الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى ذكاء طبيعي لكي يقوّم النص المكتوب اصطناعياً ويلبسه روحاً شعرية حية".

 

وتؤكد أحمد أنها "لا تخشى الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية بقدر ما تخشى الغباء الفني الطبيعي، الذي يعتبر أكثر خطورة على الإبداع".

 

"الآلة تسعى لصفرنة كل شيء"

 

يرى مختصون أن الذكاء الاصطناعي، سيحل محل الكثير من الوظائف ومنها التحرير والكتابة، إذ يعتقد الشاعر سراج محمد أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدراته الهائلة في معالجة البيانات، سيواجه صعوبة في مجال الأدب، لأن "الأدب يتجاوز مجرد جمع البيانات وتحليلها". 

 

ومع ذلك، يحذر محمد من أن "مطوري الآلة يسعون لجعلها قادرة على توليد الأفكار والخيال وفهم اللغة التعبيرية، ولن ينقصها وقتئذ سوى التجربة التي هي عماد الأديب وعصاه التي يهش بها"، مؤكداً أن "حلول الذكاء الاصطناعي محل الأديب البشري مسألة وقت".

 

ويختتم محمد حديثه بالتعبير عن قلقه من أن "الآلة تسعى لصفرنة كل شيء، بما في ذلك التاريخ والتجربة والأدب والمنهج والحضارة والإنسان".

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الخميس 27 فبراير 2025 11:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.