على رفوف المتاجر العتيقة في سوق البصرة القديمة، تتلألأ الدلال النحاسية كتحف وشواهد حية على تاريخ طويل من الفخامة والضيافة العربية، وبين هذه التحف تحتفظ "الدلة البغدادية" بمكانتها المرموقة بين عشاق التراث، متجاوزة حدود العراق إلى أروقة المجالس الخليجية والمضايف الفاخرة.
وفي هذا المجال، قال محمد حسين وهو بائع دلال في حديث لمنصّة "الجبال" إن "الدلة العربية ليست مجرد وعاء لإعداد القهوة، بل هي رمز حضاري ضارب في عمق التاريخ العربي يعود إلى ما قبل الإسلام".
ويضيف أن "الدلة البغدادية تُعد من أعرق الدلال، حيث تجاوز عمر بعضها 200 عام، وهي مصنوعة من النحاس الأحمر الذي يتميز بقدرته على الحفاظ على الحرارة لفترات طويلة".
يرتبط فن صناعة الدلال بتاريخ الضيافة العربية، وقد توارثته الأجيال ليصبح أيقونة حاضرة في المنازل والمضايف والمجالس، ويشير حسين إلى أن "أصول الدلة العربية عراقية، ومن أشهر أنواعها الدلة البغدادية، التي يتجاوز عمرها قرناً، إضافة إلى الحساوية، والنجمية، والشامية، ودلة رسلان السورية، ودلة مزعل، ودلة القاسم، والدلة العمانية، والعثمانية".
وأكد حسين أن "سوق البصرة القديمة هو المركز الأهم لبيع الدلال النادرة والحديثة، حيث يتزايد الطلب على الدلال صغيرة الحجم، التي تستخدم غالباً في الدواوين الشعبية، سواء كانت عراقية أو عمانية أو سورية الصنع".
أما الدلال الأثرية النادرة، فلا تزال تحظى باهتمام فئة من عشاق التراث، رغم الظروف الاقتصادية، حيث تُقيَّم وفق نظافتها، وحجمها، ونوعها، وما إذا كانت تحمل نقشاً خاصاً أو ختماً عشائرياً. بعض هذه الدلال يصل سعرها إلى 50,000 دولار، فيما تباع "دلال مزعل باشا" السورية، التي يزيد عمرها عن 100 عام، بأسعار مرتفعة حسب حالتها وحجمها.
ولم تعد الدلة العربية مجرد وعاء لتحضير القهوة، بل تحولت إلى قطعة تراثية يُفتخر بها في دواوين الوجهاء وشيوخ العشائر، وبهذا الخصوص أشار التاجر محمد كاظم في حديث لـ "الجبال" إلى أن "بعض الدلال النادرة في سوق البصرة القديمة يصل سعرها إلى 4 ملايين دينار، وغالباً ما تجدها في بيوت الشيوخ والوجهاء، حيث يتم بيعها من قبل ورثتهم الذين قد لا يدركون قيمتها التاريخية".
ويؤكد التاجر أن البصرة تمتلك دلالًا أثرية لا يوجد لها مثيل في المنطقة العربية، إذ "لا تزال بعض العائلات تحتفظ بدلال ورثتها عن أجدادها، لتروي حكايات الماضي العريق وتوثّق تقاليد الضيافة العربية الأصيلة".
ومع مرور الزمن، تبقى الدلة العربية، لا سيما البغدادية، شاهداً على أصالة المجالس العربية، ورمزاً للفخامة والكرم، لا يمحى من الذاكرة مهما تبدّلت العصور وتغيرت الأذواق.