يواجه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، الذي ترأس الهيئة منذ عام 2014، حملة غير معلنة تشترك فيها عدة جهات قريبة منه، تهدف إلى إبعاده من المنصب، وذلك بحجة السن التقاعدي القانوني تارة، ومرة أخرى بذريعة العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وسط تحليلات وحديث عن وجود غايات في نفوس عدة أطراف سياسية للضفر بالمنصب، في حين الضبابية تخيّم على السبب الحقيقي وراء مثل هكذا حراك.
الإقالة بدأت من "العصائب"
وكانت أول صيحات المطالبة بإقالة الفياض قد تبنتها حركة "عصائب أهل الحق" وجناحها السياسي في البرلمان العراقي (كتلة الصادقون) في العام الماضي، وذلك بعد مصافحة الفياض لعلي حاتم السليمان، وهو زعيم عشائري سني من الأنبار كان جزءاً من حركة الاحتجاج السنية أثناء تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة.
حيث ظهر الأمين العام لحركة العصائب الخزعلي، في منتدى الرافدين في 5 آذار 2024، وألمح إلى أن "الوقت قد حان لإقالة الفياض".
وتضمّنت حجة الخزعلي نقطتين: الأولى قانونية وتتمثل في أن فياض قد تجاوز السنّ القانونية، وأن القانون يجب أن يطبق على الجميع، أما الحجة الثانية، تتعلق بدور الفياض كرئيس لقوات الحشد الشعبي وزعيم لحزب سياسي.
ورجّح الخزعلي أن يكون هناك رأياً داخل الإطار التنسيقي بأن يتولى الفياض منصباً سياسياً وليس أمنياً، وأن الفياض يمكنه تولي أي منصب سياسي مثل نائب الرئيس (بعد استقالته من منصبه كرئيس لهيئة الحشد الشعبي).
يذكر أن الفياض يمتلك 5 مقاعد في البرلمان الحالي، بالإضافة إلى مقعد في مجلس محافظة نينوى، وحصل ابن عمه ذوالفقار الفياض على مقعد في مجلس محافظة بغداد.
الهجمات على الفياض من قبل "العصائب" لم تتوقف، ففي آذار 2024، قال النائب عن الحركة حسن سالم: "كيف سيجيب الفياض عوائل الشهداء بعد أن زار علي حاتم سليمان الذي وقف على منصة الفتنة لدعم الإرهاب والتحريض على إسقاط السلطة السياسية، ومهاجمة القوات الأمنية، وخاصة الحشد الشعبي؟.. هل يستحق أن يكون قائدا لقواتنا المقدسة؟".
وبالمثل، أصدر أحمد الموسوي، وهو نائب آخر عن "عصائب أهل الحق"، بياناً موجهاً إلى الفياض في الشهر ذاته قائلاً: "ظننا أنك ستعتذر من أهالي الشهداء عن الذنب الذي ارتكبته بمصافحة أحد قادة الفتنة"، ثم وجه الموسوي تهديداً واضحاً للفياض بقوله: "سنقوم بواجبنا الديني والشرعي تجاهكم".
الفياض يردّ والعامري ينفي الاستبدال
وردّ الفياض، على كل تلك الهجمات المراد منها سحب يده عن رئاسة الحشد الشعبي، خلال ظهوره في لقاء متلفز، مبرراً لقاءه مع علي حاتم سليمان بأنه "صدفة".
وقال الفياض في ذات الإطار، إنه "ذهب للقاء زعيم قبلي آخر وأدرك أن سليمان كان حاضراً وأنه سلّم عليه احتراما للتقاليد القبلية".
وأخذ ملف "إقالة الفياض" والهجوم عليه منحى الهدوء لفترة قصيرة، ليعود مجدداً وبقوة وسط مزاعم تفيد بأن "الإطار التنسيقي يريد استبدال الفياض"، كون الأخير يخضع لعقوبات أميركية بسبب صلته بـ"انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
الجدل بدأ يتصاعد، ليدفع الأمين العام لـ"منظمة بدر" ورئيس تحالف "الفتح" في مجلس النواب، هادي العامري، إلى الردّ، نافياً في بيان رسمي "صحة الأنباء المتداولة حول استبدال فالح الفياض بشخصية أخرى".
وقبل نحو خمسة أشهر، قال رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في لقاء متلفز، إن "السن التقاعدي ليس استهدافاً لشخصية دون أخرى، وإنما هو حكم صدر من المحكمة الإدارية تتعلق بالسن القانوني سواء لرئيس هيئة الشعبي فالح الفياض او غيره".
العصائب لديها بديل والسوداني يتمسك بالفياض
ويقول عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون، ثائر مخيف الجبوري في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "قانون إحالة الموظف إلى التقاعد هو ليس بالجديد وموجود منذ تشكل الحكومة العراقية، ويشمل ممن تجاوزت أعمارهم السنّ القانوني وهذا يسري على رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض".
ويضيف الجبوري، أن "قضية إحالة الفياض إلى التقاعد من عدم إقالته، لا تخلو من جنبة سياسية، وكذلك شخصية الفياض ليست عسكرية كونه لم يكن عسكرياً أصلا".
ويلفت النائب عن ائتلاف دولة القانون إلى أن "رئيس ائتلاف دولة القانون لم يبدِ موقفاً من التأييد أو الرفض بشأن إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي".
بالمقابل كشفت مصادر لـ"الجبال"، عن "محاولات داخل الإطار التنسيقي، يقودها نوري المالكي وقيس الخزعلي لإحالة الفياض إلى التقاعد، بينما يؤيد السوداني استمرار الفياض رئيساً لهيئة الحشد".
وذهبت المصادر إلى، أن "الخزعلي يريد الظفر بمنصب رئيس الحشد الشعبي، بينما سيحاول المالكي فرض عبد الأمير رشيد يارالله مرشحاً للمنصب، بينما سيقاتل أبو فدك رئيس أركان الحشد من أجل الحصول على المنصب".
تنافس داخل الإطار على "الهيئة"
من جهته، أشار رئيس مركز التفكير السياسي وأستاذ العلوم السياسية، إحسان الشمري، إلى أن "الإصرار على استبدال رئيس هيئة الحشد الشعبي يذهب إلى وجود تنافس كبير بين الفصائل داخل البيت الشيعي".
وذكر الشمري في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "ما تحمله هيئة الحشد الشعبي من موارد بشرية ومالية هو السر وراء الخلافات والتنافس على منصبها".
ورأى الشمري، أن "حركة عصائب أهل الحق تسعى للحصول على منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وهو جزء من حراك الإطار التنسيقي لاستبدال الفياض تحت ذريعة تحرك نيابي لعزل رؤساء الهيئات والمحافظين بحجة السن القانونية".
ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن "التحالف بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وفالح الفياض، أحد الأسباب التي أدت إلى المطالبة بإزاحته في هذا الوقت تحديداً".
ووفق الشمري "لا تحمل عملية استبدال الفياض رسالة إيجابية وجيدة للولايات المتحدة الأميركية، لأنه في الغالب سيُعيّن خلفه شخص من الفصائل أو تابع لإحدى الميليشيات".
وتوسعت فجوة الخلافات داخل الإطار التنسيقي، منذ ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، إلا أنها كانت محدودة، وعند تشكيل الكابينة الوزارية، أخذت تزداد تلك الخلافات بسبب تقاسم المناصب، ثم اشتدت قبيل انتخابات مجالس المحافظات لتنقسم القوى بعدة تحالفات انتخابية، حيث انضوت عدة قوى منها العصائب وتحالف أجيال بزعامة محمد سعدون السوداني ضمن تحالف نبني بزعامة هادي العامري، فيما شارك كل من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم، وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي منفردين في الانتخابات.
تحذير من التبعات
إلى ذلك، يقول الباحث في الشأن السياسي علي البيدر، في حديث لمنصّة "الجبال"، إنه "يفترض أن يتم التعامل مع موضوع منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، من ناحية قانونية سواء الإبقاء في المنصب أو إحالته إلى التقاعد".
ويضيف، أن "من يريد بقاء الفياض في المنصب، لديه رغبة في ذلك، وكذلك من يريد إزاحته له رغبة أيضا"، مشيراً إلى، أن "التعامل مع رئيس الهيئة كموقع سياسي فيه أبعاد وتبعات قد يتم من خلالها استهداف هيئة الحشد الشعبي إعلامياً ومحاولة إضعافها".
ويرى، أن "القضية حساسة ومهمة، ومجلس القضاء الأعلى هو الفيصل الأول والأخير لحل مثل هكذا قضايا"، مشيراً إلى أن "التعامل مع الملف كونه سياسي فيه أبعاد وتبعات، ويدفع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى التدخل".