"الكيوة العراقية" أو "الكلاش".. وصلت إلى ميسي ورونالدو ومنافسة إيرانية شديدة عليها

7 قراءة دقيقة
"الكيوة العراقية" أو "الكلاش".. وصلت إلى ميسي ورونالدو ومنافسة إيرانية شديدة عليها تشتهر السليمانية في صناعتها

مهنة متوارثة في إقليم كردستان منذ آلاف السنين

یعمل آرام مجيد منذ سنوات للترويج  لـ"حذاء الكلاش"، أو "الكيوة العراقية"، والتعريف به في مختلف الأوساط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية، بحثاً عن طوق نجاة لإنقاذ مهنته المتوارثة عن أجداده من خطر الاندثار، وسط تدفق أمواج السلع المستوردة التي تجتاح الأسواق العراقية، فضلاً عن منافسة "الكلاش" الإيراني للعراقي.  

مهنة متوارثة منذ آلاف السنين

يمارس "آرام مجيد" 55 سنة عمل صناعة أحذية "الكلاش" منذ نحو 40 عاماً في محله الصغیر الذي ورثه من والده الواقع في منطقة سابونكران بمدينة السليمانية في إقليم كردستان، ویواصل بشغف مهنته ويقضي معظم أوقاته ليتابع بدقة التفاصيل الصغيرة في صنعته، خاصة عندما يوظب قطع القماش المنسوجة من القطن ويضغطها ليشكل منها نعل حذاء الـ"كلاش" بضربات مطرقته الصغيرة لتتحول إلى إيقاعات متناغمة مع صوته الجبلي، ما يجعل محله الصغير نابضاً بالنشاط.  

ويقول مجيد، إنّ "صناعة حذاء "الكلاش" أو "الكيوة"، تدخل في سلسلة عمليات يدوية الآلة بعيدة عنها، فيما تتطلب الكثير من الدقة والمهارة والصبر، وتعتبر القماش هي المادة الأولية الرئيسية في صناعة الكلاش، وتبدأ العملية من وضع القماش الخام في الماء المغلي لأكثر من ساعة وبعدها يتم تلوينه بصبغ الأزرق والاحمر، ومن ثم يتم إخراجها من الماء وتجفيفه وتقطيعه إلى قطع صغيرة ويتم ضغطها يدوياً وبقوة، حتى تتماسك تلك القطع الصغيرة ببعضها البعض ويتم خيطها بواسطة خيط مصنوع من جلد الثور ليصنع منها "النعل"، وهو الجزء السفلي للحذاء وكل نعل يتألف من 120 ــ150 قطعة مضغوطاً من القماش، ويقطع النعلان في قالب واحد دون تمييز بين اليمنى واليسرى، وتضاف مادة صمغية نباتية تسمى "كاتيرا" إلى حواف النعل لحمايته من التآكل، وبعدها تبدأ عملية الحياكة بواسطة خيوط قطنية لصنع وجه وأطراف الحذاء ويستمر صناعة فردي حذاء "الكلاش" ما بين 5 ــ7 أيام، ولكل حذاء قياس خاص به إذ يتم صنعه وفق مقاسات وطبيعة قدم الزبون".

 ويباع الحذاء الواحد بسعر 40 ــ50 ألف دینار عراقي، ولم تشهد صناعة هذا الحذاء تغيراً ملحوظاً، كونه يصنع يدوياً، ومن مواد أولية هي القماش والخيوط فقط، بحسب مجيد.

وتتواجد صناعة حذاء "الكلاش" في منطقة هورامان شرقي السليمانية منذ آلاف السنين، وفق مجيد الذي يوضح أنه "عثر في قرية (هجيج) بمنطقة هورامان على فردي حذاء من نوع "الكلاش" يعود في تاريخه إلى 2500 سنة قبل الميلاد، بحسب بعض المصادر"، على حد قوله.

عوائل تتضامن مع بعضها

وتوارث مجيد هذه المهنة عن أجداده وأغلب أفراد عائلته، إذ أنهم "يمارسون هذه الصنعة، وكانت بيوتنا أشبه بورش لصناعة هذا الحذاء وجميع أفراد الأسرة صغاراً وكباراً كانوا يتعاونون بعضهم ويتعلمون هذه الصنعة تلقائياً".

ويتحدث مجيد عن أن "جميع العوائل في هورامان تساعد بعضها البعض في هذه المهنة وأدت إلى توطيد روح التعاون والترابط داخل الأسرة والمجتمع، وكانت صناعة هذه الأحذية أشبه بعمل جماعي يتخللها أجواء من المرح والأغاني والرقص للتخفيف من عبء العمل المتواصل، مستذكرا في الوقت نفسه "معلماً اسمه عثمان هورامي كان يدرس مادة الفنية في مدرسة تويلة بمنطقة هورامان في سبعينيات القرن الماضي بأنه أدخل مادة خاصة بصناعة حذاء "الكلاش" في منهاجه الدراسي ليعمل الطلبة في المرحلة الابتدائية صناعته، وكان له دور كبير في انتشار هذه المهنة بين جيل الشباب في حينه".  

مهنة تواجه الانحسار

ویتحسر مجيد علی الأیام التی كانت فيها مهنته منتعشة قبل نحو40 عاماً، بعد أن تراجع الطلب على منتوجه بسبب موجة تدفق أنواع الأحذية المستوردة إلى أسواق إقليم كردستان، حيث "تغيير نمط حياة المواطنين وتأثر بالموضة على مختلف مناحي الحياة اليومية"، حيث "تواجه المهنة انحساراً، ومن الضروري أن تتخذ الجهات المعنية خطوات لإنقاذها من الاندثار".

"كلاش" الجيران يغرق الأسواق

يتحدث مجيد عن ضرورة أن "تخطط الجهات المعنية في حكومتي إقليم كردستان والحكومة الاتحادية لحماية الصناعات المحلية والتراثية باعتبارها جزءاً مهماً من الهوية الثقافية والاجتماعية فضلاً عن أهميتها الاقتصادية، لافتا إلى أنّ "الطلب على أحذية الكلاش المحلية تراجعت بسبب تدفق أحذية الكلاش الإيراني إلى إقليم كردستان دون قيود وتباع بأسعار رخيصة بسبب انخفاض سعر عملة التومان الإيراني مما أثرت سلباً على عملنا" .

 

و تنتشر صناعة "الكلاش" أيضاً في منطقة هورامان الإيرانية المحاذية للحدود العراقية، وهي منطقة جبلية كردية تقع داخل الأراضي الإيرانية، وبحسب تجار محليون، فإنّ إيران تصدر سنوياً نحو 250 ألف زوج من أحذية "الكلاش" إلى أسواق إقليم كردستان.

 

صناعة وهوية

 

ويقول الخبير الاقتصادي كاوة عبدالعزيز، إنّ "حذاء الكلاش الكردي الذي يصنع  في منطقة هورامان يتمتع بجودة عالية والمواد التي تدخل في صناعته توفر محلياً، فضلاً عن أنها "جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية لتلك المنطقة وتعود صناعتها لآلاف السنين، مبيناً أن "الصناعات اليدوية لها تأثير إيجابي على تنمية الاقتصاد المحلي، وبالإمكان الاعتماد عليها بدلًا من الاستيراد ".

ويضيف أن "للحفاظ على الصناعات المحلية وتطويرها أهمية كبيرة في توفير فرص العمل وتشجيع الإبداع، مؤكداً على "ضرورة دعم صناعة أحذية الكلاش التي تساهم صناعتها في الحفاظ على التراث الشعبي والهوية الثقافية، فضلًا عن أهميتها الاقتصادية".

 

ويعد أحذية "الكلاش" أو ما يسميه البعض في العراق بـ"الكيوة" حذاء تراثياً كردياً، إذ أدرجت منظمة اليونسكو في العام 2017 الحذاء ومهنة صناعته على لائحة التراث العالمي، حفاظاً على هذه المهنة من الاندثار.

 

صديق للبيئة

ويعتبر الخبير البيئي نجم الدين نيرويي، أن "حذاء الكلاش الأصلية التي تصنع محلياً تتمتع بمواصفات جيدة وهي صديقة للبيئة، موضحاً أن "جميع المواد الأولية التي تدخل في صناعتها هي مواد طبيعية مثل القماش والخيوط، وهي مصنوعة من القطن وجلد الحيوان ولا تؤثر مخلفاتها سلباً على البيئة كالأحذية المصنوعة من مواد بلاستيكية وغيرها من المواد الضارة بالبيئة، كما يوصي نيروبي بـ"أهمية توعية المستهلكين بضرورة استخدام هذا النوع من الأحذية التي لا تشكل خطراً على البيئة كونها تصنع من المواد الطبيعية".

قدم هدية لرونالدو وميسي

ورغم التحديات التي تواجه مهنته، يواصل آرام مجيد جهوده الفردية للترویج علی مختلف الأصعدة لجذب الأنظار إلى منتوجه، حيث صمم حذاء خاصاً لنجمي كرة القدم رونالدو وميسي في 2014، كما قدم حذاء آخر كهدية لرئيس دولة كرواتيا ورئيس الاتحاد الكرواتي لكرة القدم في 2015، كما قدم هدية أيضاً للاعب كرة السلة مايكل جوردن، ويحاول المشاركة في الفعاليات الفنية والثقافية على صعيد العراق والمنطقة.

رشيد صوفي صحفي

نُشرت في الأربعاء 17 يوليو 2024 11:18 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.