أزمة أطباء الأسنان مع عمليات التجميل في العراق.. "معركة" لها آثار على جودة الخدمات الطبية وأسعارها

12 قراءة دقيقة
أزمة أطباء الأسنان مع عمليات التجميل في العراق.. "معركة" لها آثار على جودة الخدمات الطبية وأسعارها عملية تجميل

في العراق، اشتعلت أزمة بين نقابة أطباء الأسنان ونقابة الأطباء حول مسألة السماح لأطباء الأسنان بمزاولة عمليات التجميل غير الجراحية، مثل حقن الفيلر والبوتوكس والميزوثرابي. القرار الذي أصدرته وزارة الصحة، والقاضي بمنع أطباء الأسنان من القيام بهذه الإجراءات، أثار جدلًا واسعاً، حيث اعتبره أطباء الأسنان انتهاكاً لتخصصهم، بينما دافعت نقابة الأطباء عن القرار باعتباره إجراء يهدف إلى حماية المرضى، وفي هذا التحقيق، نستعرض جذور الأزمة، فضلًا عن مواقف الأطراف المختلفة، وآثارها القانونية والاجتماعية.

 

خلفية الأزمة


بدأ الخلاف في أوائل عام 2024 عندما أصدرت وزارة الصحة العراقية قراراً يمنع أطباء الأسنان من إجراء عمليات التجميل بالفيلر والبوتوكس والميزوثيرابي، استناداً إلى أن هذه الإجراءات تندرج ضمن تخصص أطباء الجلدية والتجميل. القرار حدد أن هذه العمليات تتطلب معرفة طبية متخصصة بالتشريح المتقدم، والتعامل مع المضاعفات التي قد تنشأ عنها.


وزارة الصحة أكدت أن القرار جاء بعد تسجيل شكاوى ومخاطر صحية ناتجة عن ممارسات غير مدروسة، وفي خضم الجدل القائم حول قرارها الأخير الذي انتهى بالسماح لأطباء الأسنان بممارسة إجراءات التجميل، عبّر الدكتور غسان الواعظ، وهو أحد أطباء الجلدية، وعضو في نقابة الأطباء، عن موقفه الرافض لهذا القرار، مستنداً إلى معايير أكاديمية وعلمية تُبرز الفروق الجوهرية بين اختصاصي الجلدية وطب الأسنان، الذي أكد أن "اختصاص الجلدية يتطلب دراسة معمقة تمتد لعشر سنوات بعد التخرج من كلية الطب، تشمل البورد والماجستير وتدريباً متخصصاَ في الطب التجميلي. بينما طب الأسنان، وفق قوله، هو دراسة أولية لمدة خمس سنوات لا تتناول تفاصيل التجميل الجراحي. وأضاف: "حتى طالب الطب العام، الذي يدرس التشريح كجزء أساسي من مناهجه، لا يُسمح له بمزاولة الطب التجميلي دون تخصص أكاديمي دقيق، فما بالك بطبيب أسنان؟".


وأوضح الواعظ أن "قانون رقم 5 لسنة 1999 المعدل ينص على أن مراكز التجميل يُسمح بفتحها فقط من قبل أطباء الجلدية وأطباء الجراحة التقويمية. أما أطباء الأسنان، فإن ممارسة هذا النوع من العمليات يحتاج إلى شهادة بورد متخصصة في جراحة الوجه والفكين، والتي تُعد فرعًا دقيقا وليس ضمن دراسة طب الأسنان الأساسية"، مشيراً أن "الإجراءات التجميلية، مثل الحقن بالفيلر والبوتوكس، هي عمليات حساسة جداً وتتطلب خبرة دقيقة، وأن تدريباً إضافياً قصيراً لأطباء الأسنان لا يُمكن أن يؤهلهم للقيام بهذه العمليات بأمان".


واستشهد الواعظ بتجارب دولية مثل السويد والنمسا، اللتين أقرتا قوانين صارمة تمنع غير أطباء الجلدية من ممارسة هذه العمليات.

 

 

حلول مقترحة بعيداً عن النزاعات


وفي ختام حديثه، شدد دكتور غسان على أن هذا الخلاف لا يُعد نزاعاً بين أطباء الجلدية وأطباء الأسنان، بل اختلافاً في وجهات النظر، ودعا إلى تشكيل لجان استشارية تُنظم العلاقة بين النقابات والاختصاصات الطبية تحت إشراف وزارة الصحة، بهدف حماية صحة المواطن وضمان تقديم خدمات تجميلية آمنة، وختم بالقول: "طب الأسنان يعني العناية بالأسنان وجمالها، وطب الجلدية يعني العناية بالجلد وتجديده، لكل اختصاص حدوده وأدواره، والتنظيم ضرورة لتجنب التداخل".


موقف نقابة أطباء الأسنان


من جهته، اعتبرت نقابة أطباء الأسنان القرار "تعسفياً"، مؤكدةً أن أطباء الأسنان مؤهلون تقنياً وعلمياً لتنفيذ هذه الإجراءات. النقابة استندت إلى أن تدريب أطباء الأسنان يشمل تشريح الوجه والمهارات اليدوية الدقيقة، مما يجعلهم قادرين على تقديم هذه الخدمات بشكل آمن.


الدكتور سيف الدين الجبوري، وهو رئيس لجنة ضمان أطباء الأسنان، صرح في حديث خاص للجبال أن "قرار وزارة الصحة صدر دون استشارة مسبقة مع نقابة أطباء الأسنان أو لجنة ضمان أطباء الأسنان، وأن هذا الإجراء يعد انتهاكاً واضحاً لقانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981، المادة الثالثة الفقرة 15، التي تنص على وجوب التنسيق بين النقابات عند اتخاذ قرارات تتعلق بالمهن الطبية".

 

وقال: "تفاجأنا بصدور القرار دون إشعار أو حوار مسبق، مما يعد تجاوزاً قانونياً وغياباً للشفافية".

 

 

وأشار الدكتور سيف الدين إلى أن "التجميل يُعد مجالًا حديثاً دخل الساحة الطبية خلال السنوات الماضية، وأن وزارة الصحة أصدرت تعليمات متفرقة لتنظيم الممارسات الطبية في هذا المجال، آخرها في عام 2018. لكن هذه التعليمات لم تتضمن نصوصاً قانونية واضحة تمنح أو تمنع أطباء الأسنان من العمل في مجال التجميل الجراحي". وأردف: "لم تكن هناك فقرة قانونية صريحة، بل مجرد تعليمات وقتية وضعت لتحديد تصنيف العمل بحسب مناطق الجسم".

 

وأوضح الطبيب أن هذه ليست المرة الأولى التي يُمنع فيها أطباء الأسنان من ممارسة التجميل، فقد تكرر المنع ثلاث مرات منذ عام 2018. وتابع: "هذا التخبط يؤثر سلباً على سمعة أطباء الأسنان ويخلق حالة من الشك لدى المواطنين، إذ يبدأ الناس بالتساؤل حول كفاءة طبيب الأسنان وأحقيته بممارسة التجميل مقارنة بغيره من الأطباء". وأكد الدكتور سيف الدين أن طبيب الأسنان يتمتع بالخبرة والمهارة اللازمة لإجراء عمليات التجميل الجراحية، بل إنه "أجدر من غيره في بعض الحالات"، لكنه أشار إلى أن التنافس الحالي بين التخصصات أصبح غير عادل ويفتقر إلى الحيادية.


الاحتجاجات واللجوء إلى القضاء: معركة قانونية مستمرة


وعن موقف أطباء الأسنان من القرار، قال الدكتور سيف الدين إن النقابة نظمت وقفات احتجاجية عدة بعد صدور قرار المنع، كما تقدمت بشكاوى رسمية إلى القضاء لإلغاء القرار. وأوضح "اتجهنا إلى القضاء، ونجحنا في الحصول على حكم بإلغاء التعميم بمنع أطباء الأسنان من ممارسة التجميل، لكننا الآن بانتظار قرار التمييز النهائي الذي سيحدد مستقبل هذه القضية ويضع حداً للجدل المستمر منذ سنوات".

 

واختتم الدكتور سيف الدين حديثه بالتأكيد على أن قرار القضاء سيكون حاسماً في إنهاء حالة الجدل والارتباك بين أطباء الأسنان والمجتمع. وأضاف: "نأمل أن يكون الحكم النهائي لصالحنا، لأننا نؤمن بأن أطباء الأسنان يمتلكون الكفاءة والخبرة الكافية لممارسة التجميل الجراحي. في النهاية، كل ما نريده هو تنظيم عادل وقرارات مدروسة تخدم مصلحة الجميع".

 


قرار يهز الدخل


الخلاف بين النقابتين انعكس على أرض الواقع، حيث وجد بعض الأطباء أنفسهم أمام مستقبل مهني غامض. طبيبة الأسنان شهد الزاملي، التي كانت تعتمد بشكل رئيس على عمليات الفيلر والبوتوكس، تحدثت عن الآثار السلبية التي خلفها القرار، مؤكدة أنه أضر بشكل مباشر بمصدر دخلها وثقة المرضى بها. 


وقالت الزاملي: "تراجع دخلي بنسبة كبيرة منذ صدور القرار، لأن التجميل الجراحي يشكل جزءاً مهما من عملي. المرضى يثقون بنا لأننا نتعامل مع تفاصيل الوجه يوميا، ونفهم تركيبته الدقيقة".


أشارت الزاملي إلى أن أطباء الأسنان لديهم ميزة التعامل اليومي مع الوجه والفم والفكين، ما يمنحهم خبرة واسعة في تشريح الوجه ومعرفة دقيقة بتفاصيله. وتابعت: "نحن نعمل بشكل مستمر على تحسين مظهر الفكين والابتسامة، وهي إجراءات تجميلية تتطلب فهماً عميقاً لملامح الوجه. لذلك، من الطبيعي أن يثق المرضى بقدراتنا عندما يتعلق الأمر بعمليات التجميل الجراحية مثل حقن الفيلر والبوتوكس".


ووصفت الزاملي قرار المنع بأنه مجحف وغير عادل، معتبرة أنه يضر بمكانة أطباء الأسنان المهنية ويفتح الباب أمام الشكوك حول كفاءتهم. وأضافت: "لقد درسنا التشريح وطب الأسنان بتفاصيل دقيقة خلال سنوات دراستنا الجامعية، وتلقينا تدريبات إضافية في مجال التجميل. لا أفهم كيف يمكن لوزارة الصحة أن تصدر قرارا يعزلنا عن هذا المجال الذي نمارسه بكفاءة واحترافية".


وأوضحت الزاملي أن قرار المنع لم يؤثر فقط على الجانب المادي، بل امتد ليؤثر على معنوياتها وزملائها في المهنة. وقالت: "هذا القرار وضعنا في موقف دفاعي أمام مرضانا، وجعلهم يتساءلون عن مدى أحقيتنا بممارسة التجميل. كان علينا أن نُبرر لهم، مراراً وتكراراً، أننا نمتلك الكفاءة والخبرة اللازمة، لكن القرار خلق فجوة في الثقة وأثّر على صورتنا كمختصين".


وأعربت الزاملي عن تفاؤلها بالقرارات القضائية التي أنصفت أطباء الأسنان وأعادت لهم حق مزاولة التجميل الجراحي. وأضافت: "القضاء العراقي أعطانا حقنا في العودة لممارسة هذه العمليات، لكننا ما زلنا ننتظر أن تنتهي هذه الأزمة بشكل نهائي. نأمل أن يكون هناك تنظيم واضح وعادل، بدلًا من فرض قرارات غير مدروسة تؤثر سلبا على حياتنا المهنية".


نظرة قانونية وتحليل موسع


أحد أبرز القضايا التي أثارتها الأزمة هو غياب تنظيم دقيق يحدد نطاق عمل كل تخصص طبي، وقالت المحامية رنا الطائي بهذا الخصوص إن القوانين العراقية تُفصِّل بشكل دقيق المهن الطبية واختصاصاتها، لكنها تمنح في الوقت ذاته صلاحيات واسعة لوزير الصحة أو المدير العام لاتخاذ قرارات تحد من بعض الممارسات الطبية. ومع ذلك، أن هذه الصلاحيات تتوقف عند تدخل القضاء، كما حدث في قضية أطباء الأسنان".


وأضافت: "عندما صدر قرار وزارة الصحة بمنع أطباء الأسنان من مزاولة عمليات التجميل الجراحية، لجأت نقابة أطباء الأسنان إلى القضاء الإداري، الذي أصدر قرارا يحمل الرقم 7492 لعام 2024 – 2020، أعاد لهم حق مزاولة هذه العمليات".


وأوضحت الطائي أن هذه القضية تفتقر إلى سوابق قانونية مشابهة في العراق، مما يجعلها حالة فريدة أثارت جدلاً واسعاً، وشرحت أن النظام الطبي في العراق يعتمد على منهجية دراسية مشتركة خلال المراحل الأولى من التعليم الطبي، حيث يدرس جميع الأطباء، بمن فيهم أطباء الأسنان، المنهج ذاته من مواد علمية وتشريحية، قبل أن يتخصصوا في السنة الأخيرة. وأضافت: "جميع الأطباء يمتلكون خلفية علمية مشتركة، ويستندون إلى تعليمات موحدة، باستثناء المرحلة التخصصية التي تحدد مجال الممارسة".


أكدت الطائي أنه في حال قام أطباء الأسنان بمزاولة هذه العمليات رغم وجود قرار يمنعهم، فإن القضاء الإداري قد وفر لهم مظلة قانونية تحميهم من أي تبعات قانونية. وأوضحت "قرار القضاء الإداري جاء ليحسم الجدل ويتيح لأطباء الأسنان ممارسة التجميل الجراحي بشكل قانوني، طالما تم الالتزام بالمعايير الطبية السليمة".

 


الالتزام بالممارسات السليمة يحمي الجميع


وفي ختام حديثها، وجهت المحامية نصيحة إلى نقابة أطباء الأسنان بضرورة مواصلة السلك القانوني للدفاع عن حقوق أعضائها، مع التأكيد على الأطباء باتباع أعلى معايير السلامة عند مزاولة عملهم، مبيّنة أن "استخدام المواد الطبية السليمة والمفحوصة، والالتزام بالتدريب والمعايير المهنية، ليس فقط حمايةً للطبيب من الأخطاء الطبية، بل هو أيضًا وسيلة لتعزيز الثقة بين الطبيب والمريض".


وختمت الطائي بقولها إن الحل الأمثل لتجنب النزاعات المهنية هو تنظيم الممارسات التجميلية تحت مظلة قانونية واضحة، تضمن سلامة المواطنين وحقوق الأطباء على حد سواء. وأضافت: "القضاء العراقي أكد أن أطباء الأسنان مؤهلون للعمل في التجميل الجراحي إذا ما التزموا بالضوابط، وهذه رسالة للجميع بضرورة احترام القانون وتنظيم العمل بدلا من فرض قيود غير مبررة".


قلق من احتكار السوق


تحدثت السيدة سرى هاني، إحدى المستفيدات من خدمات التجميل التي يقدمها أطباء الأسنان، عن قلقها العميق من التداعيات الاقتصادية لقرار وزارة الصحة بمنع أطباء الأسنان من إجراء عمليات التجميل الجراحية، لافتة إلى أنه "كنت أتعامل مع طبيبة أسنان تقدم خدمات التجميل بأسعار مناسبة جداً وبجودة عالية. الآن، أخشى أن يصبح الخيار الوحيد هو اللجوء إلى أطباء الجلدية، ما يعني بالضرورة ارتفاع الأسعار بشكل كبير كون ان المراكز التي يديروها تُعد باهظة الثمن وهذا سيحرم شريحة كبيرة من الناس من الحصول على خدمات التجميل".


وأشارت سرى إلى أن هذا القرار قد يؤثر بشكل مباشر على النساء اللواتي يلجأن إلى عمليات التجميل لأغراض تحسين المظهر أو تعزيز الثقة بالنفس. وقالت: "بالنسبة للكثير من النساء، التجميل ليس رفاهية، بل حاجة نفسية واجتماعية. عندما ترتفع الأسعار، ستصبح هذه الخدمات متاحة فقط لفئة محددة من المجتمع، وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية علينا".


وفي ختام حديثها، وجهت سرى رسالة إلى وزارة الصحة دعت فيها إلى إعادة النظر في هذا القرار وتنظيم المجال بدلاً من تقييده. وأضافت: "نحن كمرضى نحتاج إلى خيارات متنوعة وأسعار معقولة. بدلاً من المنع، يجب العمل على وضع ضوابط واضحة تُلزم جميع الممارسين بالجودة والسلامة، سواء كانوا أطباء جلدية أو أطباء أسنان".

 

ويرى أطباء أن الأزمة بين نقابة أطباء الأسنان ونقابة الأطباء تسلط الضوء على الحاجة إلى تنظيم أفضل للقطاع الطبي في العراق، والتداخل بين التخصصات يعكس فجوة تنظيمية يجب معالجتها عبر قوانين واضحة تحدد حقوق ومسؤوليات كل طرف.


في الوقت الحالي، يبقى المرضى والأطباء ضحايا لهذه الأزمة التي قد تؤثر على جودة الخدمات الطبية وأسعارها، فيما يكمن الحل في فتح حوار جاد بين الأطراف المعنية للوصول إلى حلول تضمن سلامة المرضى وحقوق الأطباء على حد سواء، وفق العديد من المختصين. 

مينا القيسي صحفية عراقية

نُشرت في الجمعة 31 يناير 2025 03:06 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.