لا يهتم خيرو درويش، وهو نازح إيزيدي في إقليم كردستان العراق، للقرارات الأخيرة بشأن إغلاق مخيمات النازحين في الإقليم، فيما يركز على عمله في الزراعة ولا يفكر بالعودة إلى منطقة سنجار.
ويعمل درويش بجهد وسط حقله المزروع بالخضروات الصيفية شمالي محافظة دهوك، ويرعى بعناية شتلات نباتاته، آملًا بالحصول على منتج جيد هذا العام ليبيعها في الأسواق المحلية.
يقول درويش لـ"جبال": "لا أمل لدي بالعودة إلى سنجار، منازلنا مازالت مدمرة ولا نعرف أين نسكن وكيف ستكون ظروف معيشتنا؟ الوضع هناك ما زال قاتماً وغير مطمئن، والحكومة العراقية لم تقدم شيئاً ملموساً يضمن لنا العودة، لذلك لن أعود إلى سنجار في ظل أوضاع غير مستقرة".
درويش نزح مع عائلته من قضاء سنجار، شمال الموصل، عقب سيطرة تنظيم "داعش" على قريته سيبا شيخ خدر في آب 2014، وسكن بعد ذلك في مخيم بيرسفي للنازحين الإيزيديين في دهوك.
ويعتمد خيرو درويش 37 سنة على الزراعة لإعالة أسرته المكونة من خمسة أفراد، مثل المئات من العوائل الأيزيدية التي تسكن مخيمات نازحي سنجار التي تعمل أغلبها في الزراعة.
يضيف درويش قائلاً: "هنا أعيش باطمئنان وأمارس مهنتي وظروفي المعيشية رغم صعوبتها لكنها أفضل بكثير مقارنة مع من يسكنون سنجار حاليا. أكثر من 80% من منازل قريتنا مدمرة والخدمات شبه غائبة، والحكومة لم تعوضنا لإعادة بناء المنازل".
ويتمتع درويش بخبرة جيدة في الزراعة ورثها عن أجداده. أستأجر في دهوك قطعة أرض جرداء في منطقة بيرسفي شمالي المدينة تمكن من تحويلها إلى مزرعة للفواكه والخضروات.
وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت مطلع العام الحالي 2024 قراراً بإغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان، والبالغة 23 مخيماً (أغلبها تقع في محافظة دهوك) خلال مدة لا تتجاوز نهاية تموز الحالي.
الخوف من "الخلايا النائمة"
يقول قائمقام سنجار وكالة نايف سيدو لـ"جبال"، إنه :"لا توجد أرضية مناسبة حتى الآن لإعادة النازحين إلى أماكنهم بشكل يحفظ كرامتهم"، مبيناً أنه "لم يتم تعويض النازحين"، كما لم يتم بناء منازلهم "وليس من المعقول أن يتم نقل العوائل النازحة من خيمة إلى خيمة أخرى".
ويشير سيدو إلى أن "الخدمات في سنجار لم يرتق بعد بشكل يخدم المواطن المتضرر من أحتلال تنظيم داعش".
ويقول إنّ "الوضع الأمني في سنجار يعيش بحالة هدوء حذر"، كما أن "المعلومات ترد بين حين وآخر بوجود خلايا الإرهاب في بعض المناطق القريبة من المدينة".
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنّ تنظيم "داعش" دمر حوالي 80% من البينة التحتية العامة و70% من منازل المدنيين في مدينة سنجار والمناطق المحيطة بها.
ويعتمد ما يقرب من 85 في المائة من سكان سنجار على الزراعة قبل عام 2014، فيما قضى مقاتلو "داعش"، على الموارد الطبيعية للمنطقة، وقاموا بتخريب قنوات الري والآبار، وسرقة أو إتلاف المعدات الزراعية وجرفوا الأراضي الزراعية.
غياب فرص العمل
يتفق المزارع جلال شنكالي (25 سنة) مع صديقه خيرو درويش بشأن إعادة النازحين الإيزيديين إلى مناطقهم في سنجار، قائلا لـ"جبال"، إن "العودة إلى سنجار صعبة في الظروف الحالية في ظل الافتقار إلى وسائل العيش وقلة فرص العمل والخدمات والاطمئنان على المستقبل".
شنكالي يرى بأنه حتى الآن "لم نلمس تطوراً من قبل الحكومة العراقية بشأن الأوضاع في سنجار"، داعياً الجهات المعنية إلى "توفير مستلزمات الحياة الضرورية قبل التفكير بإعادتنا إلى أماكننا".
اتفاقية سنجار
بالمقابل ترى الحكومة في إقليم كردستان أن تطبيق إتفاق سنجار يضمن للنازحين الايزيديين بالعودة إلى مناطقهم.
وكان رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، أكد خلال إجتماعه في 9 أيار/مايو الماضي 2024، مع وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان عزرا زيا، على ضرورة تنفيذ اتفاق سنجار بشكل كامل، بما "يشمل إخراج الميليشيات والمجاميع المسلحة غير الشرعية، وذلك تمهيداً لتطبيع الأوضاع في المنطقة وإعادة إعمار سنجار، وضمان عودة النازحين إلى ديارهم بشكل طوعي".
وأبرمت حكومة مصطفى الكاظمي في تشرين الأول/أكتوبر 2020، اتفاقاً مع حكومة إقليم كردستان لتطبيع الأوضاع في سنجار، وتضمن "إدارة الملف الأمني في سنجار بواسطة الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع حكومة الإقليم، على أن يدار الملف الخدمي في القضاء بواسطة الحكومة المحلية في نينوى كما تضمن إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني و الجماعات المسلحة الأخرى من القضاء وتسليمه للجيش والشرطة الاتحادية"، لكن الحكومة لم تنفذ الاتفاقية إلى الآن.
وجود المليشيات المسلحة
ويقول مدير دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة دهوك بير ديان لـ"جبال"، إنّ "نسبة النازحين العائدين إلى مناطقهم في سنجار تشكل 30% فقط، وما زال 70% منهم يعيشون في إقليم كردستان ويصل عددهم لـ 320 ألف شخص".
وأوضح ديان أن "تواجد المليشيات المسلحة غير الشرعية في سنجار وعدم أستتباب الأمن وغياب الخدمات وفرص العمل وعدم تعويض السكان یدفع النازحین بالبقاء في مخيماتهم دون العودة إلى أماكنهم".
بانتظار العدالة
ويرى الباحث في مجال السلام وحل النزاعات، خدر دوملي، أنّ عودة النازحين إلى أماكنهم يجب أن تكون "طوعية وبشكل يحفظ كرامتهم وأمنهم".
وبالنسبة لدوملي، فإنّ المعايير تتطلب "تهيئة الأرضية الكاملة في مناطقهم الأصلية على الأصعدة الأمنية والمجتمعية"، مشيراً إلى أنّ المجتمع الإيزيدي "ما زال جريحاً و يعاني من آثار الإبادة التي تعرض لها ولم تجر حتى الآن عمليات السلم المجتمعي الكافية التي تدفع إلى تحقيق العدالة".
وشدد الباحث على ضرورة إنصاف النازحين العائدين وزيادة منح المالية لهم إلى مبلغ "40 مليون دينار بدلاً من 4 ملايين" التي خصصتها وزارة الهجرة والمهجرين لكل عائلة عائدة.
واعتبر الباحث أنّ المبلغ الذي تخصصه وزارة الهجرة، "لا يكفي لإعادة جزء بسيط من منزل مدمر، مبينناً أنه "في الأعوام العشرة الماضية من نزوح الإيزيديين من سنجار ازدادت أعدادهم بسبب الانشطار العائلي".
وبالعودة إلى خيرو درويش، يتحدث عن زيارته مؤخراً لمنزله في قريته سيبا شيخ خدر جنوبي سنجار، كانت آثار الدمار والجرائم التي نفذها مسلحو تنظيم "داعش" ما زالت شاخصة بوضوح، يستذكر الزيارة ويقول إنّ "عودتنا مرتبطة بإعادة الحياة الكريمة إلى مناطقنا لنتمكن العيش مجدداً على أرض أجدادنا".