رفع المشمولين 120% وقصة "الأثر الرجعي" والعوائل.. إضاءة شاملة على حقائق تعديل القانون "الجوازات الدبلوماسية"

9 قراءة دقيقة
رفع المشمولين 120% وقصة "الأثر الرجعي" والعوائل.. إضاءة شاملة على حقائق تعديل القانون "الجوازات الدبلوماسية" تعبيرية

عندما صوت البرلمان العراقي يوم الاثنين 13 كانون الثاني 2025، على التعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015، كان البرلمان قد دشّن عامه التشريعي الرابع والأخير للتو، فالجلسة الأولى التي كان من المفترض ان يفتتح بها البرلمان عامه التشريعي الأخير بعد 3 أعوام من التلكؤ والأزمات السياسية، كانت قد حددت يوم الأحد 12 يناير، إلا ان النواب لم يحضروا وتم تأجيل الجلسة المتأخرة أصلاً عن بداية الفصل التشريعي الجديد في 6 يناير.


أول قانون بالعام التشريعي الأخير.. تمرير "القانون الدخيل" وتجاهل 16 قانوناً في جدولين 

كان التصويت على تعديل قانون جوازات السفر قد ادرج في الجلسة الأولى للعام التشريعي الأخير في 12 يناير، وعندما لم تعقد الجلسة، تم نقل القانون لوحده من أصل 6 قوانين أخرى على الجدول، الى جدول اليوم التالي الذي يحتوي على 9 فقرات، ليصبح عدد الفقرات 10 بين تصويت على قوانين وقراءة أخرى، لكن في النهاية، صوت البرلمان على "القانون الدخيل" على الجدول فقط، وقرأ قانون الموازنة وقانون ذوي الإعاقة فقط، وتم تأجيل جميع القوانين السبعة المتبقية الموجودة على جدول الأعمال.

 

جاء هذا الحرص البرلماني الكبير على التصويت على قانون الجوازات ليكون أول قانون يشرّع في العام التشريعي الأخير، مع تجاهل التصويت وقراءة 16 قانونا تقسمت على جدولي أعمال يومي الأحد والاثنين، وبالتزامن مع اتهام البرلمان بالتماهل تجاه انعقاد الجلسات والحرص على تمرير القوانين، حتى أدى الأمر برئيس البرلمان محمود المشهداني إلى "انتفاضة" بإصدار قرار تغييب النواب المتخلفين عن الجلسات وتغريمهم مليون دينار، مما يعكس الحرص الشديد على القوانين التي تحتوي على امتيازات للنواب والمسؤولين مقابل التماهل تجاه القوانين الأخرى.

 

جدل ونفي.. جوازات دبلوماسية للمسؤولين وعوائلهم بأثر رجعي؟

تعديل قانون الجوازات، رافقه الكثير من الجدل لكن سرعان ما تم نسيانه، فالتحذير من أن هذا القانون سيمنح المسؤولين جوازات دبلوماسية بأثر رجعي لهم ولعوائلهم ولمدى الحياة، خرج منذ شهر تموز 2024 أي قبل 6 أشهر على لسان بعض النواب والكتل النيابية بينها كتلة إشراقة كانون حينها.

 

تجدد الجدل حول منح القانون جوازات سفر دبلوماسية للمسؤولين وعوائلهم بأثر رجعي ولمدى الحياة بعد التصويت على القانون، مع تضارب التصريحات بين النواب وغياب الحقيقة الكاملة، حتى أن وسائل إعلام تناقلت نفياً على لسان عضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، بأن القانون لا يمنح المسؤولين وعوائلهم جوازات بأثر رجعي وأن المعلومة غير صحيحة. 


استغلال قرار قضائي ضد مادة واحدة.. لتعديل 3 مواد امتيازيّة

انطلق البرلمان لضرورة تعديل القانون، من قرار للمحكمة الاتحادية يعود لشهر شباط 2023، هذا القرار حكم ببطلان الفقرة رابعاً من المادة 10 لقانون الجوازات، التي تنص على عدم منح من يصدر بحقه حكم بالإدانة جواز سفر جديد إلا بعد مضي 3 أشهر من تاريخ صدور الحكم،  ليتم تعديل الفقرة بمنح مدير العام أو من يخوله جواز سفر جديد بعد أن يصدر بحقه حكم بالإدانة بعد أن يقوم بدفع الغرامة.

 

لكن البرلمان، استغل قرار المحكمة الاتحادية لتنفتح شهيته للتعديل، ولم يكتف بتعديل الفقرة التي قررت المحكمة الاتحادية بطلانها، بل ذهب أبعد من ذلك لتعديل المادة 19 والبند أولاً من المادة 20، لمنح مكتسبات الجواز الدبلوماسي لـ48 فئة مختلفة، بعد أن كانت عدد الفئات المشمولة بالجواز الدبلوماسي لا تتجاوز الـ20 فئة.

 

سابقاً: 22 فئة لها جواز دبلوماسي.. أثر رجعي للرؤساء فقط.. ويسقط عن النائب بعد التقاعد

كانت الفئات المشمولة بجواز السفر الدبلوماسي، غير موجودة في قانون جوازات السفر 2015، بل منصوص عليها في نظام جوازات السفر 2011، وهذا النظام ينص على منح جواز السفر الدبلوماسي إلى 22 فئة تتمثل برؤساء الوزراء والجمهورية والبرلمان ومجلس القضاء وإقليم كوردستان ونوابهم جميعاً، والوزراء وأعضاء البرلمان والأمناء العامين لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية وديوان مجلس النواب، ومستشاري رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وموظفي السلك الدبلوماسي والأمناء العامين ومساعديهم من العراقيين العاملين في المنظمات العربية والدولية.

 

بالمقابل، كان نظام منح الجوازات يسمح لرؤساء الوزراء والجمهورية ومجلس القضاء ورئيس الإقليم ورئيس حكومة الإقليم فقط وعوائلهم بالاحتفاظ بجواز السفر الدبلوماسي بعد التقاعد ممن عينوا بعد 9 نيسان 2003 (بعد سقوط النظام السابق لصدام حسين)، ويمنح بأثر رجعي لمن لم يمنح سابقاً من الذين تقاعدوا ولم يمنحوا.

 

كذلك يسمح النظام لجميع الفئات (غير الرؤساء المذكورين) وعوائلهم بالاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي بعد التقاعد (لكن لا يمنح بأثر رجعي لمن تقاعد قبل نفاذ هذا النظام)، باستثناء النواب في البرلمان وموظفي السلك الدبلوماسي والأمناء العامين ومساعديهم من العراقيين العاملين في المنظمات العربية والدولية (لا يسمح لهم الاحتفاظ بالجواز بعد التقاعد).


ماذا حصل بعد التعديل الأخير؟

لكن التعديل الجديد الذي حصل في جلسة البرلمان في 13 يناير 2025، تضمن أولاً نقل بنود نظام جوازات السفر 2011 وتضمينه في قانون جوازات السفر 2015، وتضاف إلى المادة 19 من القانون.

 

كما تضمن التعديل إضافة فئات جديدة للشمول بجواز السفر منهم (رئيس المحكمة الاتحادية ورئيس محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي ورئيس مجلس الدولة، ورئيس برلمان الإقليم ونواب جميع الرؤساء المضافين والرؤساء السابقين بعد أن كان يقتصر على نواب رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان ورئيس حكومة الإقليم سابقاً)، وتم شمول كذلك فئات مدراء مكاتب رؤساء الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء ونواب مدراء المكاتب، وتم شمول نواب الامناء العامين للرئاسات بعد ان كان يقتصر على الامناء العامين فقط، وتم شمول مستشاري مجلس النواب ومجلس الاتحاد ومجلس الدولة، بعد ان كان يقتصر على مستشاري رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء فقط، هذا يعني تم رفع الفئات المشمولة بالجواز الدبلوماسي لتكون 48 فئة بعد ان كانت 22 فئة فقط، مايعني رفع المشمولين بنسبة 120%.

 

اما التعديل الاخر، فتضمن شمول جميع الفئات بمنح الجواز بأثر رجعي مع عوائلهم من الذين تقاعدوا قبل هذا القانون ويسمح لهم وعوائلهم بالاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي بعد تقاعدهم، بعد ان كانت هذه الميزة تقتصر على رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان ورئيس الإقليم ورئيس حكومة الإقليم ورئيس مجلس القضاء فقط، ولم يستثنى من الأثر الرجعي  سوى مدراء مكاتب الرئاسات ونواب الامناء العامين وموظفي السلك الدبلوماسي والامناء العامين العراقيين العاملين في المنظمات العربية والدولية، هذا يعني شمول 19 فئة مختلفة وعوائلهم بالحصول على الجواز الدبلوماسي باثر رجعي، بعد ان كان يقتصر على 6 فئات فقط.


فوضى الجوازات.. دبلوماسية للفئات "الهابطة" و4 أرقام متضاربة عن أعدادها

أعاد هذا التعديل، استذكار قصة فوضى منح الجوازات الدبلوماسية والتي سبق أن تحدث بها أعضاء في البرلمان ولاسيما لجنة النزاهة النيابية، دون ضوابط واضحة وصارمة، فالجوازات الدبلوماسية حصل عليها الآلاف من مشاهير التيك توك والفاشينستات والكثير ممن ألقي القبض عليهم او من يشبههم بتهمة المحتوى الهابط، في مفارقة كبيرة، فالفئات التي تلاحقها الداخلية بتهمة المحتوى الهابط وتصنفها على أنها "فئات هابطة"، سبق أن منحت المئات منهم أو من يقوم بنشاطاتهم جوازات سفر دبلوماسية.

 

وتتضارب الأرقام الرسمية وغير الرسمية، عن عدد جوازات السفر الدبلوماسية الصادرة في العراق، وعلى سبيل المثال، في منتصف 2024، قالت لجنة الامن والدفاع النيابية، أن عدد الجوازات الدبلوماسية الممنوحة في العراق بلغ 1600 جواز فقط، معتبراً أن الأرقام المتداولة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي غير دقيقة.

 

جاء تصريح الشمري رداً على عدة أرقام متداولة عن الجوازات الدبلوماسية في العراق، والتي صدرت في أوقات سابقة عن عضو لجنة النزاهة النيابية سروة عبد الواحد والتي أشارت الى وجود معلومات عن وجود 45 الف جواز دبلوماسي صادر. 

 

لكن في  يناير 2023، قالت النائب سروة عبد الواحد، أن وزارة الخارجية ردت رسمياً على كتاب لجنة النزاهة النيابية، متحدثة عن وجود حوالي 19 الف جواز سفر دبلوماسي بكتاب رسمي حصلت عليه من وزارة الداخلية. 

 

لكن في مايو 2023، قالت النائب سروة عبد الواحد أن عدد جوازات السفر بلغ 32 ألف جواز، بينهم 10 الاف جواز لأشخاص ليسوا دبلوماسيين ولا موظفين بوزارة الخارجية.

 

وفي اكتوبر 2022، أكدت مديرية شؤون الجوازات العامة في وزارة الداخلية أن عدد الجوازات الدبلوماسية الممنوحة بين اكتوبر 2021 واكتوبر 2022 اي خلال عام واحد، بلغ أكثر من 4 الاف جواز دبلوماسي.

 

لكن في ديسمبر 2022 قالت مديرية شؤون الجوازات العامة في وزارة الداخلية، أن المجموع الكلي للجوازات الدبلوماسية والخدمة الصادرة في العراق لا يتعدى 9 آلاف.

 

وبمقارنة التصريحين الذين يفصل بينهما حوالي شهرين فقط، يتضح حجم علامات الاستفهام التي تولدها هذه التصريحات، فإذا كان إجمالي الجوازات الدبلوماسية يبلغ 9 آلاف جواز، فمن الغريب أن يكون نصفها صدر خلال عام واحد فقط بأكثر من 4 آلاف جواز، بينما تم إصدار 5 آلاف جواز فقط خلال الـ20 عاما الماضية.

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الخميس 23 يناير 2025 04:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


المزيد من المنشورات

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.