ثروة لا تنضب.. صخور جبال كوردستان تنتظر الاستثمار 

7 قراءة دقيقة
ثروة لا تنضب.. صخور جبال كوردستان تنتظر الاستثمار  أحجار من جبال كوردستان

تراث معماري

تعتبر جبال إقليم كوردستان مصدراً رئيسياً للعيش وبقاء الانسان الكوردي عبر التأريخ، وتتدفق من أحضانها ثروات لا تنضب وبيئة غنية بالموارد الطبيعية وأجواء خلابة.

 

في سفح جبل "باخه كون" بمنطقة هورامان كانت أصوات الفؤوس ترتفع بإيقاع شبه منتظم تطرقها أيادي عمال ماهرين في قطع الصخور المستخرجة من رحم الجبل لتحويلها إلى أوصال مختلفة الأحجام، وجعلها قطع أشبه بتحف فنية لإستخدامها في تشييد المباني وتزيين الجدران وتغطية الأرضيات.

 

أيادٍ ماهرة تحول الصخور الصلبة إلى تحف مميزة 

 

تحت شمس صيف قائظ ووسط الصخور الكبيرة، يعمل بدران حسين ذو  الـ48 سنة، بقطع الصخور إلى أوصال بمطرقته ومن ثم نقرها بأزميل حادة بدقة ومهارة عالية، ليجعل تلك الصخور الصلبة قطع تمتاز بالجمالية والإبداع.

 

ولايأبه بدران للمدة التي يقضيها في تشذيب و نحت الصخور المقطعة من أجل الحصول على أفضل الأشكال، قائلا "الجبال":  أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 30 سنة ورثتها من والدي، وهي مهنة شاقة تتطلب الجهد والدقة في ظروف جوية قاسية. أمارس عملي لأكثر من 8 ساعات يومياً دون ملل وأشعر بنشوة عندما أنجز  نحت قطعة حجر مميزة.

 

ویضيف: "نستخرج من هذه الصخور الصلبة قطعاً حجرية متنوعة القیاسات والاستخدامات، منها قطع لبناء الجدران وأخرى للديكورات وتزيين الجدران و تغطية الأرضيات والممرات، وإنجاز كل نوع يتطلب مهارة خاصة بها من عمليات التشذيب والتفنن للحصول على شكل هندسي جاذب".

 

ويقع جبل "باخه كون" في منطقة هورامان بقضاء خورمال شرقي السليمانية، هي منطقة جبلية، وتسمى الصخور  المستخرجة من هذا الجبل "limestone" وهي ملائمة للاستخدام في صناعة مواد البناء والإسمنت، ومن الصخور الرسوبية التي تتكون من كربونات الكالسيوم (calcium carbonate) التي تأتي على شكل الكالسيت أو الأراغونيت، وقد يحتوي هذا الحجر على كميات كبيرة من كربونات المغنيسيوم- الدولميت (magnesium carbonate -dolomite)، ويتضمن العديد من المكونات الثانوية مثل الطين، وكربونات الحديد، والبيريت (pyrite) والكوارتز (quartz)، والفلسبار (feldspar).

 

ويقول (لاوكو هورامي) وهو يدير المقلع الذي تستخرج منه هذه الصخور في جبل باخة كون إنه "في خمسينيات القرن الماضي كانت جميع المباني في منطقتنا مشيدة بهذه الصخور، إلا أن بعد ظهور الإسمنت بدأ سكان المنطقة باستخدام الكتل الخرسانية (البلوك) كونها الأسهل والأسرع في عملية  تشييد المباني مقارنة مع استخدام الصخور في البناء".

 

ويضيف في حديثه لمنصة الجبال، أنه بعد اقتلاع الكتل الصخرية من الجبل يتم تقطيع أوصالها وفق قياسات متنوعة ونقرها لجعلها ملائمة للبناء، مبيناً أنه "نبيع المادة بالشاحنات، وتحمل الواحدة منها ما بين 15 إلى 17 طناً بسعر يقارب 450 ألف دينار عراقي لكل شاحنة".

 

يوضح هورامي أن الطلب على هذه الأحجار بطيئة جداً بسبب الاستخدام الشائع لمادة البلوك في تشييد المباني داعياً إلى ضرورة استخدام القطع الصخرية بإعتبارها مادة طبيعية وصديقة للبيئة ومقاومة للتغييرات المناخية.

 

صديقة للبيئة 

 

يؤكد المتهمون بالبيئة على أهمية تشييد المباني بالحجر، إذ يوفر الحجر بأشكاله المختلفة مزايا بيئة كبيرة، مع إمكانيته في الحفاظ على درجة الحرارة مما يقلل الحاجة إلى التدفئة والتبريد الاصطناعي، بالتالي الحفاظ على الطاقة فضلاً عن أن الحجر أكثر متانة وجاذبية وإستدامة. وبحسب رئیس اللجنة الصناعية في غرفة تجارة السليمانية، المهندس آرام بابان، فإن أحد أكبر المشاكل التي تواجه مباني إقليم كوردستان هي قلة المادة العازلة للحرارة في الأبنية، مبيناً أن غياب المادة العازلة تبدد الكثير من الطاقة وبالتالي تشكل عبئاً مالياً على كاهل المواطنين.

 

ويوضح بابان في حديثه لـ "الجبال" أن نسبة 40% من المدخولات المالية للمواطنين تخصص لتبريد وتدفئة المنازل من خلال توفير الطاقة الكهربائية ووسائل التدفئة عازياً أسباب ذلك إلى قلة المواد العازلة للحرارة في الأبنية، مشيراً إلى أن درجات الحرارة في إقليم كوردستان تفوق 40 درجة الصيف، وفي الشتاء تسجل درجات تحت الصفر. 

 

ويردف أن أغلب المباني مشيدة بالكتل الخرسانية "البلوك" و هذه المادة تختزن الحرارة لعدة ساعات مما تسبب ارتفاعاً في درجات الحرارة داخل المنزل في فصل الصيف ما يتطلب المزيد الطاقة الكهربائية لتبريد المبنى، مشدداً على أهمية تشييد المباني بالأحجار باعتباره يسهم بنسبة أكثر من 60% في منع تأثيرات البرودة والحرارة، ما يسهم بدوره في التقليل من صرف الطاقة فضلاً عن التمتّع بمواصفات صحية وصديقة للبيئة.

 

ثروة لا تنضب

 

حسب المصادر الجيولوجية، إن الصخور المتواجدة في جبال إقليم كوردستان تمتاز بنوعيات جيدة، منها الصخور النارية والمتحولة والرسوبية وصخور كاربونات الكالسيوم وحجر البولامايت، وهذه الأنواع من الأحجار والصخور تدخل في العديد من الصناعات.

 

ويؤكد الخبير الجيولوجي، أركان عثمان، أن تكوين صخور جبال هورامان تعود إلى ما قبل 200 مليون سنة وتشكل الصخور الكلسية نسبة 60% - 70% من تكوين هذه الجبال، فضلاً عن وجود حجر الشيل والجيت ونوع آخر يسمى محلياً بـ(قولقولة وهورامان) وهو يستخدم بكثرة في البناء بمنطقة هورامان.

 

قال عثمان في حديث للجبال، إن هذه الصخور والأحجار ثروة وطنية ذات أهمية إقتصادية كبيرة، ومن الضروري استثمارها والاستفادة منها بدلاً من الاستيراد من الخارج. كما أن بيئة كوردستان ملائمة لاستخدام هذه الأحجار والصخور في مختلف المجالات المعمارية، خصوصاً الأحجار الكلسية التي هي أفضل أنواع الأحجار لمقاومتها الظروف المناخية وهي تشكل شبه عازل للحرارة، فضلاً عن وجود خزين كبير لها تكفي لملايين السنين. 

 

الحجر يحافظ على الهوية 

 

وتقع منطقة هورامان بمحافظة حلبجة في إقليم كوردستان، وهي منطقة جبلية وعرة محاذية للحدود العراقية الإيرانية، تعتمد على الزراعة والرعي وتحافظ على ثقافتها التقليدية والمعمارية والأعمال اليدوية منذ آلاف السنين. تعرضت هذه المنطقة لحملات تدمير القرى، نفذها نظام صدام حسين ما أدت إلى تشويه الكثير من المباني التي تمتاز بالتراث المعماري الخاص بها.

 

ويدرك البناء سردار مصطفى ويبلغ 50 عاماً، أهمية استعادة المباني الهورامية المشيدة بالحجر حفاظاً على التراث المعماري لمنطقته. يمارس سردار مهنة البناء منذ أكثر من 30 سنة وإن أغلب أعماله تختص في تشييد الجدران بالحجر الهورامي، وهو يقول للجبال: "تعرضت قرانا للتدمير من قبل النظام العراقي السابق نهاية سبعنيات القرن الماضي، شُوّه خلاله جزء مهم من تراثنا المعماري"، مضيفاً: "عملت في السنوات الماضية في بناء العديد من المنازل والجدران بالحجر الهورامي المميز، وأشجع المواطنين على تشييد بيوتهم بهذه الحجارة وفق الطراز القديم، لأنها تعيد جزءاً مهماً من هويتنا الثقافية والاجتماعية".

رشيد صوفي صحفي

نُشرت في السبت 10 أغسطس 2024 08:35 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.