فنادق نادرة ومواقع لا تُنسى.. العراق بين الإرث الحضاري والنقص الخدمي، هل ينجح في إنعاش السياحة؟

9 قراءة دقيقة
فنادق نادرة ومواقع لا تُنسى.. العراق بين الإرث الحضاري والنقص الخدمي، هل ينجح في إنعاش السياحة؟ مواقع أثرية في العراق/ تعبيرية

في بلد يمتلك إرثاً حضارياً لا مثيل له يمتد لآلاف السنين، يعاني العراق من نقص حاد في البنية التحتية السياحية، خاصة في قطاع الفنادق والأمور التي تتعلق في هذا الجانب.

 

ورغم وجود أكثر من 1000 موقع أثري وسياحي وديني يمكن أن تجعل من العراق وجهة عالمية، إلا أن بعض المحافظات تكاد تخلو من فنادق تليق باستقبال السياح، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول "كيف يمكن للعراق، برغم هذه التحديات، أن يتحول إلى واجهة سياحية تنافس الدول المجاورة؟".

 

وتسيطر السياحة الدينية على المشهد السياحي في العراق بشكل ساحق، حيث تستقطب أكثر من 80% من إجمالي الزوار الذين قدِموا إلى البلاد خلال عامي 2023 و 2024، وفقاً لبينات صادرة عن المختصين في القطاع السياحي.

 

وبحسب إحصائيات سابقة لـ "فرانس برس"، فإنّ أكثر من 107 آلاف سائح دخلوا العراق، بينهم أكثر من 300 من فرنسا والنرويج وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وتركيا غيرها، مقابل نحو 30 ألفاً في 2020.

 

أرقام واحصائيات

 

وحصلت منصة "الجبال" على معلومات تفيد بوجود نقص كبير في عدد الفنادق في العراق، بالرغم من الإمكانات السياحية الضخمة التي يتمتع بها.

 

ووفقاً للبيانات الحكومية وغير الحكومية فيبلغ عدد الفنادق في العراق نحو 2450 فندقاً فقط، تتوزع في خمس محافظات رئيسة على النحو التالي:


• كربلاء المقدسة: 673 فندقاً.
• أربيل: 461 فندقاً.
• بغداد: 403 فنادق.
• السليمانية: 322 فندقاً.
• النجف الأشرف: 266 فندقاً.
• دهوك: 156 فندقاً.

 

تقول مصادر مطلعة لمنصة "الجبال"، إن "هذه الفنادق تشغّل نحو 8000 عامل فقط، وهو عدد محدود مقارنة بالاحتياجات السياحية"، مشيرة إلى أن "العراق يضم أكثر من 1000 موقع أثري وسياحي وديني يمكن تطويرها لاستيعاب مراكز فندقية جديدة، مما يساهم في تعزيز البنية التحتية السياحية وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي".

 

ويضم العراق 6 مواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، تعكس تنوعه التاريخي والثقافي والطبيعي، أولاها "مدينة الحضر الأثرية"، وهي أول موقع عراقي دخل اللائحة عام 1985، تقع في محافظة نينوى وتشتهر بمعابدها وأطلالها المميزة التي تعود إلى العصرين البارثي والروماني حيث تعد مثالاً فريداً على العمارة الكلاسيكية في الشرق الأوسط.

 

تلتها مدينة آشور (قلعة الشرقاط) العام 2003، وهي العاصمة الأولى للإمبراطورية الآشورية، وتقع في محافظة صلاح الدين، وهي تشكل نموذجاً بارزاً للحضارة الآشورية التي ازدهرت في بلاد الرافدين.

 

أما مدينة سامراء الأثرية، فقد أدرجت في العام 2007، وكانت عاصمة للخلافة العباسية، وتضم معالم إسلامية بارزة مثل مئذنة الملوية وقصر الخليفة.

 

وفي العام 2014، دخلت قلعة أربيل الأثرية في إقليم كوردستان القائمة، وهي واحدة من أقدم المستوطنات البشرية التي استمرت بالسكن حتى العصر الحديث، مما يجعلها رمزاً للتواصل الحضاري في المنطقة.

 

كما أدرجت الأهوار الجنوبية في العام 2016، والتي تمثل مزيجاً من أربعة مواقع طبيعية وثلاثة مواقع أثرية هي أور، أريدو، والوركاء، ما يعكس التفاعل بين الإنسان والطبيعة ويبرز أهمية هذه المنطقة الفريدة في جنوب العراق.

 

وأخيراً، انضمت مدينة بابل الأثرية إلى اللائحة في العام 2019، باعتبارها واحدة من أعظم المدن القديمة التي اشتهرت ببوابة عشتار وأسطورة الجنائن المعلقة.

 

العراق بلا فنادق وبنى تحتية

 

مع نهاية الشهر الماضي، أعلنت المنظمة العربية للسياحة اختيار مدينة بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وذلك خلال اجتماع الدورة الـ35 للمجلس الوزاري العربي للسياحة الذي عُقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة.

 

ويقول ياسر كطان، رئيس الجمعية الخدمية للسياحة والفندقة، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "العراق يعاني من نقص كبير في عدد الفنادق السياحية التي تلبي المعايير الدولية، مما يشكل تحدياً أمام استيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار، خاصة خلال المناسبات الدينية والفعاليات الكبرى".

 

وعلى الرغم، والكلام لكطان، من وجود مواقع أثرية وتاريخية بارزة مثل بابل، أور، والأهوار، فإن البنية التحتية السياحية لا تزال بحاجة إلى تطوير كبير لتلبية احتياجات السياح المحليين والأجانب.

 

ويشير كطان، إلى "أهمية اتخاذ خطوات عملية لتحويل العراق إلى وجهة سياحية عالمية"، مؤكداً "ضرورة تحسين البنية التحتية من خلال تطوير الطرق وإنشاء مطارات حديثة، إلى جانب تسهيل التنقل بين المواقع السياحية".

 

كما يدعو كطان، إلى "تشجيع الاستثمار الخاص والأجنبي في بناء فنادق ومنتجعات حديثة توفر خدمات متطورة"، مشيراً إلى "أهمية إطلاق حملات تسويقية دولية تبرز التراث الثقافي والتاريخي للعراق، مع تعزيز الأمن والاستقرار لضمان سلامة السياح وتشجيعهم على زيارة البلاد".

 

يضيف رئيس الجمعية الخدمية للسياحة والفندقة أن "القطاع السياحي يحتاج إلى تأهيل وتدريب العاملين فيه لتحسين جودة الخدمات، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات منح التأشيرات للسياح الأجانب"، لافتاً إلى "ضرورة ترميم المواقع الأثرية وإحيائها من خلال تنظيم فعاليات وعروض ثقافية تعزز من جاذبيتها".

 

فيما يتعلق باختيار بغداد كعاصمة سياحية، يوضح كطان، أن "المدينة تحتاج إلى مجموعة من الاستعدادات، من بينها تحسين البنية الأساسية وتنظيف الشوارع، إضافة إلى تنظيم مهرجانات ثقافية وسياحية تسلط الضوء على تراثها العريق". ويتابع قائلاً إن "هناك ضرورة لتعزيز الأمن في المناطق السياحية وزيادة عدد الفنادق والمطاعم التي تقدم خدمات عالية الجودة، مع الترويج لبغداد دولياً عبر الإعلام واستضافة شخصيات مؤثرة"، مشيراً إلى "أهمية الشراكات مع المنظمات الدولية لدعم القطاع السياحي في العراق".

 

ورعى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في العام 2024، توقيع مذكرتي تفاهم مع  المنظمة العربية للسياحة، وأكد السوداني، بحسب مكتبه الاعلامي، أهمية تعزيز التعاون مع منظمة السياحة العربية لدعم استقطاب السياحة العربية إلى العراق الذي يزخر بمقومات سياحية دينية وأثرية وطبيعية.

 

وفي العام 2023، كشفت وزارة الداخلية العراقية عن دخول ما يقارب 9 ملايين زائر البلاد خلال العام الماضي، وهي أعلى نسبة تشهدها السياحة في العراق منذ عدة عقود، مدفوعة بالتحسن الأمني الكبير الذي تشهده البلاد، وتسهيلات حكومية في منح تأشيرات الدخول للزوار القاصدين الأماكن الدينية بالبلاد.

 

العراق بحاجة إلى تسويق إعلامي

 

وضمن السياحة محلياً، أعلنت هيئة سياحة الإقليم، في العام 2023، دخول نحو 5 ملايين سائح 80% منهم من وسط وجنوب العراق خلال الأشهر الستة الأولى، فيما أشارت إلى أن أرباح هذا القطاع تخطت مليار دولار، بينما رجحت دخول 8 ملايين سائح خلال العام 2024.

 

في المقابل، يرى نقيب السياحيين محمد العبيدي، أن "قطاع السياحة في العراق فعلاً يعاني من نقص كبير في عدد الفنادق ونوعية الخدمات المقدمة فيها، مما لا يرقى لمستوى الدول العربية المجاورة من حيث الجودة والخدمات السياحية".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يقول إن "الطلب السياحي المرتفع يؤدي أحياناً إلى امتلاء الفنادق بالكامل، مما يسبب إحراجاً كبيراً في توفير أماكن إقامة للضيوف، خاصة الوافدين من الخارج"، مبيناً أن "بعض الفنادق مشغولة بشكل كبير من قبل الشركات التجارية والإعلامية والصناعية، خاصة في القطاع الخاص".

 

وعن تحول العراق إلى وجهة سياحية عالمية، يقول العبيدي إن "ذلك يتطلب جهداً وتنظيماً دقيقاً، لكنه ليس مستحيلاً"، معتبراً في الوقت نفسه أن "العراق يمتلك كل المقومات التي تؤهله ليصبح وجهة سياحية بارزة، لكن ذلك يحتاج إلى إدارة سياحية متخصصة يقودها أصحاب الشهادات العليا والخبرة المهنية في السياحة".

 

ووفقاً لحديث العبيدي، فإن ضعف التسويق والإعلام السياحي يمثل تحدياً كبيراً، إذ يمتلك العراق موارد سياحية متنوعة، من مواقع تاريخية وأثرية وترفيهية ودينية، لكنها تحتاج إلى الترويج الاحترافي والذكي للوصول إلى الجمهور العالمي، مشيراً إلى أن "التسويق السياحي يعتمد على خطط واستراتيجيات حديثة لا تتطلب تكاليف كبيرة، ويمكن استلهام التجارب الناجحة من دول أخرى".

 

ويلفت العبيدي، إلى "أهمية تحسين البنية التحتية في المناطق السياحية، مثل توفير المطاعم والمقاهي ووسائل النقل المناسبة، مما يعزز من تجربة السائحين"، مشيراً إلى "أهمية تحديث وسائل النقل وشركات السياحة، واعتماد التكنولوجيا في تسهيل العمليات السياحية".

 

ينوّه العبيدي إلى أن "الوعي السياحي في العراق بحاجة إلى تعزيز، حيث يفتقر الكثير من المواطنين إلى معرفة كيفية التعامل مع السائح الأجنبي بطريقة تعكس الوجه الحضاري للبلاد"، مضيفاً أن "تطوير القطاع السياحي له تأثير اقتصادي كبير من خلال توفير فرص عمل متنوعة وتنشيط قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والتجارة".

 

ويقترح العبيدي، إنشاء مصرف سياحي خاص يوفر الأمان للسائحين والمرافق السياحية من خلال خدمات مالية مثل تصريف العملات، مطالباً بـ "توسيع مفهوم السياحة الدينية ليشمل مختلف الطوائف في العراق، بما في ذلك المسيحيين، الصابئة، الإيزيديين، وحتى اليهود"، مؤكداً أن "هذه الطوائف تمتلك مواقع دينية وتراثية مهمة يمكن أن تساهم في جذب السياح".

 

وعانى قطاع السياحة في العراق خسائر فادحة نتيجة الحروب التي مرت بها البلاد منذ عام 1980، بدءاً من حرب الخليج عام 1991 وصولاً إلى الغزو الأميركي في 2003، ما أدى إلى تراجع معدلات السياح الوافدين إلى مستويات شبه معدومة مقارنة بالسنوات التي سبقتها، رغم امتلاك العراق مئات المواقع التاريخية والدينية والتراثية ذات الأهمية الكبيرة.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأربعاء 22 يناير 2025 02:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.