تفاصيل توريد الغاز التركمانستاني إلى العراق: العقد لم ينفذ.. وطريقة "التفاف" جديدة لتسديد إيران

8 قراءة دقيقة
تفاصيل توريد الغاز التركمانستاني إلى العراق: العقد لم ينفذ.. وطريقة "التفاف" جديدة لتسديد إيران عامل في حقل بترول بالعراق/ AFP

أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، أن اتفاقية توريد الغاز من تركمانستان إلى العراق لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن، وسط مناقشات تدور حول "إجحاف" الاتفاقية بحقوق العراق لصالح إيران، منذ أيام، وطلب عراقي رسمي من إيران بتسهيل عملية التوريد.

 

في 19 تشرين الأول 2024، وقع العراق صفقة لاستيراد الغاز التركمانستاني كإجراء لتنويع مصادر الطاقة في البلاد، وحلّ مشكلة الكهرباء الناجمة عن تكرار قطوعات الغاز الإيراني عن بغداد جراء النقص الذي تواجهه طهران مقارنة بحاجتها إلى الطاقة.

 

بموجب الاتفاق، تزود عشق آباد، بغداد، بنحو 20 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، يومياً، وهو يؤمّن احتياجات 60% محطات الكهرباء العراقية المعتمدة على الغاز، لا سيما في حال توقف إمدادات الغاز الإيرانية.

 

ومن المتفق أن تتولى شركة "لوكسستون إنرجي - Loxstone Energy" السويسرية مسؤولية نقل الغاز من تركمانستان للعراق، خلال شبكة أنابيب الغاز الإيرانية، باستعمال آلية التبادل "Swap"، لضمان كفاءة وانسيابية عملية النقل. على أن تسدّد بغداد مستحقات عشق آباد عبر مصرف التجارة العراقي إلى البنك التركمانستاني مباشرة، ويتم خصم جزء من الغاز الذي يشتريه العراق لصالح إيران كأجرة نقل.

 

"ذرّ رماد"

 

وينتقد الباحث الاقتصادي الاستشاري في اقتصاد النقل الدولي، زياد الهاشمي الاتفاقية، مشيراً إلى نقاط عديدة تؤخذ على الاتفاق الاقتصادي الدولي بين بغداد وعشق آباد.

 

وذكر الهاشمي في تدوينة على حسابه بمنصة "إكس" أن "عقد الغاز العراقي التركمانستاني (بلا لف ولا دوران) هو طريقة التفافية جديدة تضمن تسديد العراق لأموال الغاز لإيران، وتضمن وصول الغاز التركمانستاني لإيران لكنها لا تضمن وصول الغاز للعراق"، موضحاً أن "بحسب العقد المبرم، يشتري العراق الغاز من تركمانستان، فتستلم إيران (وليس العراق) كميات الغاز التركمانستاني المتفق عليها، لتقوم إيران بعد ذلك (وحسب قدرتها وظروفها) بتسليم العراق الغاز بطريقة (المقايضة)".

 

وأضاف الهاشمي "شكلياً، يبدو أن العقد هو بين العراق وتركمانستان، لكن الحقيقة هي أن العراق سيدفع قيمة الغاز لتركمانستان لكنه سيستمر في الاعتماد على وصول نفس الغاز الإيراني من إيران" و"محطات الكهرباء العراقية ستبقى تحت رحمة القطوعات الإيرانية دون تغيير، فاعتماد العراق سيبقى على نفس الأنبوب الغازي الإيراني المسمى (IGAT6) دون تطوير او توسيع، أي ستبقى عمليات وقف الضخ والانقطاع الإيرانية مستمرة وحسب ما يقرّره الجانب الإيراني".

 

وبحسب المستشار في اقتصاد النقل الدولي فإن "تدفقات الغاز من تركمانستان ستستمر نحو المدن الإيرانية دون انقطاع، ولا علاقة لها بعمليات القطع التي تقوم بها إيران نحو العراق، طالما أن العراق ملتزم بالعقد ومستمر في تسديد قيمة الغاز التركمانستاني".

 

وقال الهاشمي إن "ما يقال إن شركة سويسرية ستكون ضامنه لتدفقات الغاز ماهي إلا فقرة لذر الرماد في العيون، فالعراق لم ينجح خلال السنوات الماضية في الحصول على مصادر غازية خارجية بديلة.. فكيف ستستطيع شركة وسيطة من الحصول على غاز إضافي للعراق كتعويض سريع عن الغاز الإيراني المقطوع؟"، مردفاً: "ستبقى مشكلة الغاز المستورد مستمرة ومعقدة طالما استمرت الحكومات العراقية في الإبقاء على الاعتماد الأحادي على المصدر الغازي الإيراني دون الاتجاه نحو حلول غازية أخرى تساعد في عملية التنويع الغازي وتخلص العراق من حالة التبعية الغازية الحالية".

 

وفي هذا الإطار، أفاد مظهر محمد صالح (مستشار السوداني)، في تعليقه حول الاتفاق، لمنصة الجبال، بأن "هذا الإجراء يُعدّ مؤقتاً حتى اكتمال مشاريع إنتاج الغاز المحلية في بلادنا، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في السنوات المقبلة"، مبيناً أن "إيران تستفاد من الغاز التركمستاني، ونحن نستفاد من الغاز الإيراني على وفق الآليات القائمة للتزويد. لكن يبدو أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن".

 

"إدّعاءات"

 

علّقت وزارة الكهرباء العراقية على ما يتداول حول عقد الغاز مع تركمانستان، عادّة أياها "إدعاءات مغلوطة ليس لها أساس من الصحة".

 

وفي الخامس من شهر كانون الجاري، ذكرت الوزارة في بيان أطلعت عليه منصة الجبال، أن "العقد مع تركمانستان لم يدخل حيز التنفيذ بعد، ولا تزال المفاوضات جارية بشأن تحديد الشركة الوسيطة التي ستضمن وصول الغاز التركمانستاني إلى العراق دون انقطاع. وإن الادعاءات حول دفع العراق مبالغ يومية لتركمانستان عارية عن الصحة تماماً".

 

أكدت الوزارة أنه "لم يتم إطلاق أي كميات من الغاز التركمانستاني للعراق لغاية الآن، ولم تدفع أي مبالغ مالية حتى الآن، ما يدحض تماماً الادعاءات التي تحدثت عن دفع مليوني دولار يومياً، وهي محاولة لتظليل الرأي العام ومحاولة لتشويه الحقائق"، منوّهة إلى أن "مسألة انقطاع الغاز الحالي عن العراق تتعلق بالغاز الإيراني، الذي تم التعاقد عليه سابقاً باتفاقية منفصلة وليس الغاز التركمانستاني".

 

نصيب إيران من الاتفاق بين العراق وتركمانستان

 

وضمن الحديث عن مضمون الاتفاق، وجّهت تساؤلات كثيرة حول التفاصيل المالية بشأن مسألة التعريفات وسعر نقل الغاز من تركمانستان إلى العراق، كيفية تسديد المستحقات، وإن كانت ايران تتشارك الأعباء المالية مع العراق في نقل الغاز من تركمانستان إلى أراضيها. في وقت لم تعلن الجهات المسؤولة عن سعر التعرفة، أو كيفية ربطها بسعر برميل النفط الخام، كما في معادلة التسعير الإيرانية.

 

في هذا المجال، أوضح مستشار السوداني، لمنصة الجبال، أن "هناك معادلات سعريّة عادلة لأطراف العلاقة جميعاً، على وفق مبدأ (لا ضرر ولا ضرار). وإن الحكومة تجهد لأن تستعيد المنظومة الكهربائية لبلادنا للعمل بكامل طاقاتها، والأمر في كافة الأحوال قضية مؤقته، لكن هناك عوامل خارجية كثيرة يجيب أن تأخذ بالحسبان"، دون أن يضيف تفاصيل أخرى فيما إذا كان العراق سيتحمل تكاليف نقل الغاز من تركمانستان إلى إيران.

 

وكان المتحدّث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى العبادي، قد صرح في لقاء تلفزيوني تابعته منصة الجبال، بأن "إيران ستستقطع 30% من الغاز التركمانستاني المصدّر عبر أنابيها إلى العراق، بدلاً من سعر التعرفة".

 

ويرى الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن "تكلفة استيراد الغاز التركمانستاني ستكون أغلى بكثير من الإيراني، حتى لو كانت بنفس معادلة التسعير الإيرانية"، لافتاً إلى أن "هناك فرق تعرفة مرور الغاز وإن كانت بقيم بسيطة مثل السنتات، فعندما تضرب هذه السنتات بمليارات الأمتار المكعبة سيكون الرقم كبيراً جداً".

 

وبحسب قول المرسومي، إن "تكلفة استيراد الغاز الإيراني يبلغ 2 مليار دولار سنوياً، وربما تكون تكلفة غاز تركمانستان تتضمن زيادة ما بين 15 – 20%"، وهو يرى أن إيران ستكون المستفيد الأكبر من العملية، إذ ستخفف الاتفاقية المبرمة العبء على طهران بشكل كبير، حسب تعبيره.

 

وبالاستناد على هذه الأرقام، واعتماد معادلة التسعير الإيرانية، يظهر أن تكاليف استيراد الغاز من تركمانستان إلى العراق، قد تتراوح بين 2.3 مليار دولار و2.4 مليار دولار، سنوياً. وتبلغ حصة إيران 30% من الغاز المستورد أي ما قيمته 690 مليون دولار إلى 720 مليون دولار على أقل تقدير.

 

وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل الذي رافق رئيس الحكومة العراقية في زيارته الرسمية إلى طهران، الأربعاء، كشف أن "المباحثات التي قادها رئيس الوزراء، شملت طلباً لتسهيل إجراءات ‏نقل الغاز من تركمانستان إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية"، موضحاً أن "العراق سيعتمد بنسبة ‌‏50% على الغاز التركمانستاني خلال فصل الصيف، مع استعداده لاستلام الغاز الإيراني في ‏حال توفره لتلبية احتياجاته المتزايدة".‏

 

وقال فاضل سابقاً، بعيد توقيع الاتفاقية: "نعمل في وزارة الكهرباء وفق رؤية شاملة تجمع بين الحلول الآنية والإستراتيجية طويلة الأمد"، مشيراً إلى أن استيراد الغاز يمثّل إجراء مؤقتاً لحين اكتمال المشروعات الوطنية لإنتاج الغاز، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، والاعتماد بشكل كامل على الموارد المحلية، خلال السنوات القليلة المقبلة.

 

بدوره، أكّد الوزير التركمانستاني مقصد باباييف، التزام بلاده بدعم جهود بغداد في تطوير قطاع الطاقة، معرباً عن اعتزازه بهذه الشراكة الإستراتيجية.

 

فيما أعلن المساعد السياسي لمكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية محمد جمشيدي، توقيع اتفاق غازي مع تركمانستان، في 4 تموز 2024، وقال وقتذاك إن عملية شراء ومقايضة الغاز مع تركمانستان يمكن أن تحل مسائل سكان شمال إيران في فصل الشتاء.

لافا عثمان

نُشرت في الخميس 9 يناير 2025 10:30 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.