من القتل بحجة "المحتوى الهابط" إلى الأحوال الشخصية: 2024.. عام الانتكاسات والخيبات للعراقيات

12 قراءة دقيقة
من القتل بحجة "المحتوى الهابط" إلى الأحوال الشخصية: 2024.. عام الانتكاسات والخيبات للعراقيات تعبيرية

"اعتقد أن ليس من السهل أبداً، وصف أن التعامل مع المرأة العراقية خلال هذا العام، كان مليئاً بالخيبة والانكسارات والخوف"، تبدو هبة أحمد، وهي ناشطة في مجال المرأة، حزينة للغاية، وهي تقول: "لم تشهد هذه السنة أي إنجاز للمرأة تم الاحتفاء به أو تكريمه، نعم، الكثير من التكريمات الحكومية لنساء مهمات، والدروع، والأوسمة، لكن في الوقت ذاته، لم يكن هذا الأمر سوى غطاء لأذى كبير، ازداد العنف ضد المرأة وازدادت الأرقام عما سبقتها من السنوات في العنف الأسري، تم قتل الكثير من النساء المعروفات، وحاصر البرلمانيون النساء بقوانين تعيدها إلى الوراء، وأخيراً، الكثير من حملات وخطابات الكراهية ضدها"، تضيف لـ "الجبال" أن الكثير من المطالبات المدنية تم إقصاؤها "بالتجاهل والتغليس"، ولم يتغير ولو شيء واحد للأفضل. 

 

لا تريد المرأة العراقية سوى أن تشعر أنها بخير في بلادها، ظاهرياً هي كذلك، لكن في البيوت، الشوارع وحتى القانون، يعملون على تهميشها، يصف البعض ما يحصل بالحوادث الفردية، لكن الأرقام تقول عكس ذلك، وتنذر بالكثير من الكوارث حيث بلغت حالات التعنيف الأسري المسجلة في عام 2023 بـ9 الآف حالة، أما في 2024 فوصلت لأكثر من 13 ألف حالة مسجلة فقط في النصف الأول من السنة.

 

العنف ضد النساء 

 

أي بمعنى، ازدادت معدلات العنف الأسري عما سبقها من السنة السابقة والتي قبلها كذلك، رغم محاولات الشرطة المجتمعية إيجاد الحلول إلا أنها لم تنفع كثيراً، فتقول الملازم أول سهى عبد الجبار والعاملة في الشرطة المجتمعية "اسم وهمي"، إن "ما يتم ذكره في وسائل التواصل ما هو إلا رقم قليل، بعضهن يتمكن من الوصول إلى المواقع من خلال الناس، ويعتبرن محظوظات مقارنة بغيرهن اللواتي يعشن في الأقضية والنواحي من المدن والمحافظات حيث يمنع عنهن حتى وجود الهاتف أو الإنترنت ولا تستطع فرقنا الوصول إليهن، كما أن عمل الشرطة المجتمعية يحتاج لكثير من الدعم بالقوانين، ذلك أن الكثير من الحالات التي نصل إليها، أقصى ما نستطيع تقديمه لها من دعم، هو أخذ تعهد من الجاني أو المعنّف، لعدم تكرار فعلته، لكن لا شيء يضمن تكرار التعنيف لها خاصة بالتهديد أو سحب الوسيلة التي وصلت إلينا من خلالها. 

 

توضح الملازم سهى أن معظم المحافظات العراقية، بما في ذلك العاصمة بغداد، تفتقر إلى دور الإيواء الخاصة بالنساء المعنفات، باستثناء إقليم كوردستان الذي أنشأ ثلاثة ملاجئ لهذه الفئة من النساء. وتضيف أن بعض النساء المعنفات يضطررن أحياناً إلى اللجوء إلى مراكز الشرطة والبقاء هناك خوفاً من العودة إلى منازلهن بسبب غياب دور الإيواء. "هناك من تشعر بالندم إذا قررت العودة إلى منزل أهلها، ليتم بعد ذلك إعادتها قسراً إلى منزل الزوجية".  وتسترجع سهى إحدى الحالات التي اضطرت للهروب إلى كوردستان بعد أن علمت بوجود ملاجئ خاصة للنساء المعنفات هناك.

 

ورغم تزايد حالات القتل نتيجة العنف الأسري، والضغط المستمر من الأمم المتحدة على الحكومة العراقية لتشريع قانون خاص بالعنف الأسري وإنشاء ملاجئ للناجين والناجيات، لا تزال هذه المطالب تُواجه بتجاهل مستمر. يثار غضب الشارع لفترة قصيرة، إثر قصة مأساوية يكون ضحيتها طفل أو طفلة، زوجة، أخت أو أم، ثم يعود الجميع إلى حياتهم اليومية وكأن شيئاً لم يحدث.

 

ووفقاً لإحصائيات مجلس القضاء الأعلى، تبيّن أن عدد الدعاوى المسجلة خلال النصف الأول من عام 2024 بلغ 13,857، في المحاكم العراقية.وكانت أحدث القصص التي تؤكد العنف ضد المرأة في العراق، عندما اقدم أب على قتل ابنته بعد عملية تعنيف ممتدة على مدار سنوات، أدت إلى وفاتها، ثم قام بالادعاء بأنها عملية انتحار. ثم تبيّن أن لوالدها سجل هائل من التعنيف دون رادع أو توقيف، حتى مع والدتها المتوفية.

 

محاربة النساء بحجة المحتوى الهابط

 

لم يتوقف الأمر في هذه البلاد عند التعنيف الجسدي، تلقى كثيرات من النساء ومؤثرات السوشال ميديا حتفهن بسبب خطاب الكراهية والتحريض، أو على أبسط تقدير، المحاكمة أمام الملأ، فقط لكونهن نساء، وإن اختلف المجتمع مع طريقة حياتهن، أو اتفق، فإن الطرق التي يتلقينها، توضح حجم السوء الذي تعيشه المرأة في العراق. 

 

تقول المحامية بشرى أحمد، إن الطريقة التي قتلت فيها البلوغر أم فهد، في عام 2024، وعلى الرغم من أنها لم تكن الأولى خلال السنوات السابقة، انذرت بحجم الخطر الهائل الذي تعيشه النساء في العراق وجعلت الكثير من "الانفلونسرز" العراقيات يخرجن وهن يبكن في فيديوهات منشورة على صفحاتهن ويقسمن بعدم تورطهن بإشاعة المحتوى الهابط. لم يحصل أن يتلقى "انفلونسر" رجل أي تهديد بالقتل بسبب عمله، لكن النساء يُلقى بهن في السجن، أو بطلقات نحو القبور. "قتلوا جوجو دعارة، أم فهد، وزجّوا أم اللول في السجن، في البدء قالوا إن التهمة (المحتوى الهابط) ثم تحولت إلى المخدرات فجأة. قد نختلف كثيراً مع توجهات تلك النساء لكن الضغط الذي تعرضن له في هذا العام لا يحمل سوى الخيبات والتنذير بقادم أكثر سوء"، تقول المحامية بشرى وتضيف أن "التحقيق في مثل هذه الجرائم تصل إلى نقطة معينة، ثم تصدر أوامر من الجهات العليا لتوقفها نهائياً، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمرأة".

 

كرّست الطبقة السياسية الحاكمة لغة الكراهية تحت ستار الدين ضد البلوغرات بوسائل متعددة في هذا العام، بدءاً من الجيوش الإلكترونية وصولًا إلى توجيه بعض رجال الدين للتحريض عليهن في المجالس والمنابر والخطب الدينية. تم تصويرهن كـ "شياطين" يهدّمن قيم المجتمع وأخلاقه، ويتسبّبن في انحلاله. وقد تصاعد الأمر إلى حدّ إطلاق حملة "مكافحة المحتوى الهابط"، التي باتت تستهدف هذه الفئة بشكل خاص لكن لم تقيم أي من المجالس الدينية أي من خطبها ضد الرجال، والكلام لبشرى.


أم فهد وغيرها 

 

وقبل مقتلها، بدأت الحملة باعتقال الفاشينستا والفلوغر الراحلة "أم فهد"، التي تم حبسها لـ 6 أشهر، قبل أن تُقتل في نيسان الماضي على يد مسلح كان يستقل دراجة نارية في منطقة "زيونة" شرقي بغداد. تلاها اعتقال العشرات من البلوغرات اللواتي واجهن نفس المصير، مثل (عسل حسام وإيناس الخالدي)، بالإضافة إلى غيرهن من الشخصيات اللواتي تعرضن للتهديدات والملاحقة. كما جرى اعتقال آية الشمري، ووردة العراقية، ونتالي "رغد محمد" وهي تيكتوكر، وأحدثها كان اتخاذ إجراءات بحق سارة الماكيرا، التي تعد من بين أشهر الفاشينستات في العراق. فيما لم يتم اعتقال إلا عدد نادر من الرجال، 3 إلى 5 أشخاص كحد أقصى.

 

وتوضح الناشطة في حقوق المرأة سرى عبد الواحد، في حديث للجبال أن "هذه السنة كانت مكثفة ضد المرأة. الغاية الحقيقية وراء التركيز على النساء في محاولات تدريجية لتقييد حريتهن على منصات التواصل الاجتماعي، عبر فرض قيود صارمة على تصوير ومشاركة الصور والفيديوهات بحرية، مما يؤدي إلى تقليص مساحات تعبيرهن الشخصي"، لافتة إلى أن "الهدف الأساس من حملة المحتوى الهابط وغيرها من القوانين التي كانت وما زالت موجودة مثل (غسل العار) هو فرض سيطرة مشددة على النساء، وإبعادهن عن الظهور في الفضاء العام، في خطوة تصفها العديد من الناشطات أنها شكل من أشكال (قهر النساء) تحت غطاء الدين والأخلاق". وتوضح سرى أن هذه الممارسات ازدادت هذه السنة ولم تقل عكس ما يتم الترويج له.

 

من الناحية القانونية، تعتبر حملة "مكافحة المحتوى الهابط" غير قانونية على الإطلاق كما تقول المحامية بشرى. وإن الحملة تتعارض مع الدستور العراقي في عدة جوانب، أولها مع المبادئ الديمقراطية التي يكفلها، ثم مع المادة التي تضمن حرية الرأي والتعبير. كما أنه لا يوجد أي نص قانوني صريح يمكن الاستناد إليه لتنفيذ هذه الحملة، ما يجعلها غير مشروعة من الناحية القانونية.

 

"التفاهة ليست جريمة بأي حال من الأحوال، ولا يجوز محاربتها بالتعسف أو القمع، خاصة أنها تدخل في إطار الحرية الشخصية. فالتفاهة قد تكون في بعض الأحيان تعبيراً ثقافياً يعكس اهتمامات معينة أو حتى أسلوب حياة يختاره البعض. من المهم أن نفهم أن التنوع في الاهتمامات والآراء جزء من طبيعة المجتمع، وأن فرض قيود قسرية على هذا التنوع لا يمكن أن يكون حلاً" حسب قول الناشطة سرى. 

 

توضح سرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للهجوم على المدونات و"الفاشنيستات" وصانعات المحتوى، حيث يُنتقدن بداية بسبب أسلوبهن في ارتداء الملابس وطريقة حديثهن، وصولًا إلى نوع المحتوى الذي يقدمنه. على سبيل المثال، تعرضت إحدى "الإنفلونسرز" لانتقادات شديدة فقط لأنّها رفعت يدها في صورة، مما أظهر جزءاً من صدرها. سرعان ما توسعت الهجمة لتتحول إلى ترند، ما دفع وزارة الداخلية إلى إصدار أمر اعتقال بحق الشابة "زينب بنت الديوانية" بتهمة "إخلال بالذوق العام".

 

وأضافت سرى "هذا النوع من الهجوم لم يكن ليحدث إذا كان الأمر يتعلق برجل. الفكر العشائري يساهم بشكل كبير في تصعيد العنف ضد المرأة وارتفاع معدلات قتلها، حيث يقوم على مبدأ "ستر فضيحة الرجل" حفاظاً على سمعته.. في العشيرة، يعتبر الرجل، حتى وإن ارتكب أخطاء، شخصاً يستحق الدعم، وتدفع القبيلة المال للتخفيف من العواقب على جرائمه أو فديته، بينما يتم الاحتفاء به إذا قتل امرأة من عائلته. هذا الفكر جعل الكثيرين يعتقدون أن هذه التصرفات أصبحت حقوقاً مكتسبة، ما يعزز العنف ويفاقمه. فلا تحبذ العشيرة مواجهة المشاكل الذكورية وإيجاد حلول لها، بل تفضل التكتّم عليها، لكنها تعمل العكس مع المرأة"، تقول سرى.

 

قانون الاحوال الشخصية ضد المرأة

 

في الرابع من أغسطس 2024، بدأ البرلمان العراقي مناقشة القراءة الأولى لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبتاريخ 10 من أيلول 2024، عبّر خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم الشديد إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188، مؤكدين أن هذه التعديلات "ستمثل تراجعاً خطيراً في عدد من المجالات الأساسية التي ستؤثر سلباً على النساء والأطفال، خاصة في مجالات الزواج والطلاق وحضانة الأطفال"، وأضافوا أن "هذه التعديلات من المرجح أن تسهم في تفاقم انتشار أشكال العنف ضد النساء والفتيات في العراق. وتمنح رجال الدين سلطة أوسع في تنظيم الحياة الزوجية وأمور الأسرة". 

 

يقول المحامي سالم أحمد، إن قانون الأحوال الشخصية يستهدف بالمرتبة الأولى النساء، ويحد من تحركاتهن ويصدرهن كسلعة يتم التلاعب بها.

 

نقل السلطة في قضايا مثل الزواج والطلاق والميراث والعدّة والحضانة من المحاكم الوطنية إلى المرجعيات الدينية والذكور تحديداً وسلبها من النساء، سيفتح الباب لتفسيرات فقهية متباينة تستند إلى المذاهب الدينية المختلفة، ما يعني استبدال القانون الموحد المعمول به حالياً بتطبيقات فقهية متعددة، غالباً ما تكون متناقضة وغير متساوية. هذا التحول سيؤدي إلى خلق تمييز ديني بين المواطنين، وهو ما يتناقض مع المادة (14) من الدستور العراقي، التي تنص على أن (جميع المواطنين متساوون أمام القانون دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي).

 

ويؤكد سالم أن النساء والفتيات العراقيات، بغض النظر عن مذاهبهنّ، هنّ الأكثر تضرراً من هذه التعديلات التي تفرض تمييزاً على حساب حقوقهنّ ومساواتهنّ بالرجال في مجالات الزواج والعلاقات الأسرية. بعض المذاهب الدينية، خلافاً لقانون الأحوال الشخصية الحالي، تسمح بتزويج الفتيات في سن التاسعة، وتجيز تعدد الزوجات دون أي قيود، فضلاً عن السماح بالزواج المؤقت. هذه التعديلات تهدد بتقويض حقوق المرأة وتوسيع الفجوة في المساواة بين الجنسين. 

 

يقول سالم للجبال: "كان هذا أبشع ما يفكر المرء أن يحصل لنساء بلده، لكنه حصل، وهو جزء من أمور كثيرة حصلت ضد النساء العراقيات في 2024".

آية منصور

نُشرت في الاثنين 30 ديسمبر 2024 11:15 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.