"معضلة الفتوى" بين مرجعية النجف وحرج بغداد.. هل تستطيع الحكومة حل الحشد الشعبي فعلاً؟

7 قراءة دقيقة
"معضلة الفتوى" بين مرجعية النجف وحرج بغداد.. هل تستطيع الحكومة حل الحشد الشعبي فعلاً؟

بعد أن ظهرت الفكرة على نطاق واسع

منذ أن ظهرت فكرة "حل الحشد الشعبي" أو "تفكيك الفصائل المسلحة في العراق"، كما جاء على لسان مستشارين ومسؤولين ومحللين، ما زالت الأسئلة تطرح حول كيفية ذلك في العراق، بالتزامن مع الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا، وقبل ذلك لبنان في حربها، فضلًا عن ما يسمى بـ"محور المقاومة". 

 

وينقل مدير المركز الفرنسي للأبحاث عادل باخوان، معلومات لـ"الجبال"، تشير إلى أن قصة "حل الحشد الشعبي" بدأت حين نقل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارته المفاجئة إلى العراق، عدّة رسائل منها أن الولايات المتحدة ترى أن الوضع الجديد في الشرق الأوسط يتطلّب حلّ الحشد الشعبي بجميع أقسامه - وبمستوياته الثلاثة.

 

وبحسب باخوان، فإن "الحشد الشعبي يتألف من منصة كبيرة (تضم 80 فصيلاً وتنظيماً)، كما يتضمن الحشد محوراً وهو محور المقاومة (يضم 12 مجموعة من بين الـ80 فصيل)، وضمن محور المقاومة توجد جبهة المقاومة الإسلامية تأسست في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي (وهي تضم ثلاث جماعات)، وأن ما يشكل مشكلة بالنسبة للعراق هو هذه المساحة الضبابية بين المستويات الثلاثة والتي تحدث بينها حركة وتنقلات بشكل مستمر".

 

باخوان وفي حديثه لـ"الجبال"، رأى أن "هذا يدفع الجانب العراقي إلى التمييز دائماً بين جبهة المقاومة ومحور المقاومة والحشد الشعبي والانتقال بين تلك المستويات، لكن الرؤية الأميركية والغربية مختلفة وهي تنظر إلى الأقسام الثلاثة ككيان ووحدة واحدة".

 

كان مستشار رئيس الوزراء، إبراهيم الصميدعي، قد كشف في حوار تلفزيوني، تلقي حكومة محمد شياع السوداني طلباً دولياً بضرورة تفكيك سلاح الفصائل المسلحة. 

 

مستقبل الحشد الشعبي

 

تشكّل الحشد الشعبي بموجب فتوى "الجهاد الكفائي" التي طرحها المرجع الديني الشيعي الأعلى بالعراق علي السيستاني لغرض محاربة تنظيم داعش عام 2014، فيما لفت باخوان إلى أن "نص فتوى السيستاني لم يتطرق مطلقاً إلى تشكيل الحشد الشعبي، بل دعا إلى تعبئة الجماهير وحملهم السلاح لدعم الجيش والقوات الأمنية العراقية في مواجهة تنظيم داعش. وإن الفصائل المنضوية تحت راية الحشد كانت موجودة قبل تشكيل الحشد مثل عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وغيرها".

 

وفي إطار الاختصاص في حل الكيان العسكري، قال باخوان إن "الحكومة العراقية في بغداد تعدّ مسألة حلّ الحشد خارج اختصاصها كونها تشكلت بموجب فتوى دينية من المرجعية الدينية، وهي أوصلت الرسالة الأميركية بخصوص حلّ الحشد إلى المرجعية بالنجف، لكن المشكلة تكمن في أن المرجعية ترفض إصدار فتوى بحل الحشد كون فتوتها الأولى (الجهاد الكفائي) لم تتضمن أمراً بتشكيل الحشد الشعبي وهنا تكمن المعضلة".

 

وأكد مدير مركز المعهد الفرنسي، أنه في حال تم حل الهيئة باتفاق الأطراف، فإن ذلك "سيحدث بهدوء دون حدوث مشاكل، وهذا احتمال بعيد. وأما في حال حدوث ذلك بالمواجهة بين الجيش وفصائل العراق فسيتحول العراق إلى بركة دماء، مستشهداً بما حدث خلال الولاية الأولى لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي والفصائل التابعة لمقتدى الصدر صولة الفرسان".

 

وبموجب الإحصائيات يبلغ عدد المنتسبين الذين يتقاضون الرواتب من الحشد الشعبي 235 ألف شخص، وهذا بحاجة لاتخاذ قرار بشأن مصيرهم، وهل سيتم دمجهم في باقي القوات والأجهزة الامنية العراقية أم سيتم تسريحهم، وهذه نقطة مهمّة في اتخاذ القرار، كما يرى باخوان. 

 

وطرح باخوان سيناريو ثالث لمصير الحشد، وهو في حال امتناع الحكومة العراقية عن حل القوات، فهناك 83 هدفاً حدّدته إسرائيل تمتد من البصرة إلى الموصل، سيقوم الكيان بضربها، وهذا يدفع لتكرار سيناريو لبنان وغزة في العراق، وقد رجّح باخوان السيناريو الثالث.

 

ومقابل الحديث عن مطالب بحل الحشد الشعبي والتهديدات الموجهة للنظام العراقي، كما تتحدث بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، نفى رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني ذلك وقال إن "العراق لم يتلق أي تهديد اتجاه أي قضية"، و"غير مقبول بأن يوجه أي أحد شروط للعراق"، مضيفاً: "لا يوجد أي شروط لحل الحشد الشعبي".

 

وعن إمكانية عودة ظهور الفصائل والمجاميع المسلّحة "المتطرفة" في حال حلّ الحشد، وخروجها من تحت مظلّة الحكومة وشنّ هجمات عسكرية على أهداف ومصالح إسرائيلية، أكد باخوان أن "مجموعات جهادية متطرّفة مماثلة لتنظيمي داعش والقاعدة، وهي ترفض بشكل قطعي تسليم السلاح"، مردفاً: "وفي حال وضعت تلك الفصائل السلاح، ستواجه المجاميع الراديكالية المتشدّدة الحكومة مستهدفة السلاح.. هناك عدّة مجموعات راديكالية داخل الحشد الشعبي تنظر إلى رئيس الحكومة العراقي كعميل للاستخبارات الأميركية CIA، ونظرتها متشّدة تجاه الحكومة تماماً كنظرة داعش".

 

تداولت مواقع ووسائل إعلامية أنباء عن فرار قادة في الحشد وأحزاب سياسية من العراق، وتسفير عوائلهم وأموالهم إلى خارج البلد، في ظلّ أحاديث عن إمكانية استهدافهم. وفي هذا المجال، أكد باخوان أنه "لم يتم حتى الآن اغتيال أي قيادي، لكن هناك عدد كبير من كوادر العليا في الحشد، خصوصاً بصفوف كتائب سيد الشهداء وحركة النجباء وكتائب حزب الله والعصائب، تركوا العراق وانتقلوا إلى إيران وهم يرون بأن الوضع في العراق الآن غير مناسب لعودتهم إلى البلاد"، مشيراً إلى أن "هذا سبب رئيس توقف الهجمات الصاروخية والمسيّرة ضد إسرائيل مؤخراً".

 

مستقبل الدور الإيراني

 

بعد اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني في أيلول الماضي بضربة إسرائيلية، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا الشهر الجاري، تعرّض النفوذ الإيراني في البلدين العربيين لضربة كبيرة شلّت نشاطها بالكامل في  الدولتين. ويقول سياسيون ومتخصصون مراقبون للأحداث السياسية إن ما يجري يمثل تحوّلاً جيوبوليتيكياً ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط لا مكان للنفوذ الإيراني فيه. وأن رياح التغيير ستضرب العراق أيضاً.

 

لكن باخوان طرح موقفاً مغايراً، ونقل عن مسؤول عراقي رفيع "في قمة هرم السلطة" (رفض الكشف عن أسمه)، حواراً دار بين المسؤول وبين قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني قبل اغتياله، "قال سليماني للمسؤول: بالنسبة لإيران فإن كل العالم في كفّة والعراق في كفّة لوحدها، على مستوى المصالح والأمن القومي الإيراني"، موضحاً باخوان أن "العراق مهمّ جداً بالنسبة لإيران من الناحية الدينية، والثقافية، كذلك من الناحية الجيوبولتيكية وأيضاً من الناحية الاقتصادية. يمكن لإيران أن تيأس من الوضع في لبنان وكذلك في سوريا، ومن الحوثيين في اليمن، لكن هذه العوامل الموضوعية تمنع إيران من اليأس في العراق ورفع يدها عنه".

 

مستقبل سوريا


وشهدت سوريا تحوّلاً سياسياً كبيراً في 8 كانون الاول الجاري، بسقوط حكم بشار الأسد وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة على دفّة الحكم، ورغم الانفتاح السياسي المتبادل بين الإدارة السورية الجديدة ودول العالم، يبقل مستقبل البلد ضبابياً ويكتنفه الغموض. 

 

مدير المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأوسط، أوضح أن هناك ثلاثة سيناريوهات تتقدّم المشهد، الأول هو إعادة التجربة التونسية والمصرية بإنشاء سلطة دكتاتورية متشدّدة، أو تتجه نحو تجربة ليبيا واليمن والسودان بنشوب حرب شاملة (الكل ضدّ الكل)، أو إعادة التجربة العراقية واللبنانية بتفكيك مفاصل الدولة فيها"، مردفاً: "وهناك سيناريوا آخر محتمل بأن يستفيد السوريون من كل التجارب السابقة ومنع تكرارها لديهم، بإنشاء عقد اجتماعي سياسي جديد يولّد دولة صحيّة صحيحة".

الجبال

نُشرت في الخميس 26 ديسمبر 2024 11:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.