محرم| "مواكب الشور" تجذب المتمردين على "كلاسيكيات اللطم".. والعتبة ترفض "الراب الأميركي"

9 قراءة دقيقة
محرم| "مواكب الشور" تجذب المتمردين على "كلاسيكيات اللطم".. والعتبة ترفض "الراب الأميركي"

"الجبال" تحاور أصحاب مواكب الشور.. الطريقة إيرانية لكن أصلها يعود للنساء العراقيات

في مجلس حسيني كبير شرقي بغداد، طغى عليه حضور الشباب المتحمسين للطم والبكاء، قال الرادود علي جمعة، الذي يصف نفسه بـ"خادم الحسين"، إنّ "الحسين يذكره بالآخرة كلما انشغل بالحياة".

المجالس التي يرتادها جمعة وباقي الشباب لا تستقطب كبار السن، بسبب ممارسة شعيرة "لطم الشور"، التي اشتهرت مؤخراً، وهي ممارسة تحتاج إلى طاقة كبيرة، بسبب شدة اللطم على  الوجه والصدر.

مواكب الشور لم تكن معروفة سابقاً، والمُختلف فيها هو أن المنشدين (الرواديد) يقومون بترديد الأناشيد (اللطميات) الدينية بإيقاع سريع ويتابعه الحاضرون (المعزون) بلطم الوجوه والصدور بقوة.

 

ما سّر انجذاب الشباب لمجالس الشور؟

 

 يذكر جمعة، أنّ "العزاء الذي يُقرأ فيه الشور، تختلف روحيته من حيث تقديم المواساة لعترة النبي"، ويضيف لـ"الجبال"، أنّ "لطم الشور يكون بقوة على الصدر والوجه، وتعيش أجواء المصيبة وتشعر بألم اللوعة التي مرت في مصائب آل محمد".

وتتعرض الشعائر الحسينية وعلى رأسها قضية "الشور" في كل عام إلى موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها رغم ذلك تزداد في كل شهر محرم جديد.

جمعة يصف حملة الانتقادات بأنها "محاولات لطمس هوية الشعائر الحسينية ومحاربتها"، مبيناً أن من يقوم بها "هم أشخاص لا يعرفون واجباتهم الدينية من صلاة وصوم وغيرها.. عملهم الانتقاد فقط".

ويرى الشاب العشريني، أن "مجالس الشور أو مجالس اللطم العادية والتي تسمى بـ(اللطم الثقيل)، هدفهما واحد، هو خدمة ومواساة أهل البيت وإحياء مصيبة سيد الشهداء، لكن الشباب لديهم طاقة وقوة يحاولوا تفريغها داخل مجالس الحسين (عليه السلام) من خلال اللطم والبكاء والانكسار على هول المصيبة".

منع الألحان 

 

بتاريخ 28 تموز 2024، أعلن الأمين العام للعتبة الحسينية، حسن رشيد العبايجي، منع دخول مواكب "الشور" لحرم الإمامين الحسين والعباس.

وقال العبايجي، في كلمة له، خلال مؤتمر الشعائر والمواكب الحسينية السنوي الثاني الخاص بزيارة الأربعين الذي أُقيم في الصحن الحسيني، إن "الأهداف الرئيسية من النهضة الحسينية هي الحفاظ على رسالتها وحمايتها ولاسيما الشعائر الحسينية التي ينبغي على الجميع التعاون والتضامن والتكافل للحفاظ على ديمومتها واستمرارها وحمايتها من التشويه والانحراف".

وأكد "أهمية الحفاظ على قدسية هذه الشعائر عبر اختيار القصائد المرتبطة بالواقعة وتجنب استخدام الألحان الدخيلة التي تفتح باباً واسعاً للمرجفين والمشككين، ممن يحاولون الطعن بهذه الشعائر المقدسة".

ووفقاً للقرار، ستقتصر حدود "مواكب الشور" على مناطق محددة وهي: محور بغداد إلى سيطرة الوند، محور بابل إلى سيطرة أم الهوى، ومحور النجف الأشرف إلى سيطرة الإبراهيمية.

كما يشترط لدخول المواكب إلى الحضرة المقدسة أن يكون عبر القراءة بالموروث العراقي الأصيل، بحسب ما أُعلن في المؤتمر.

"نحذر من الفتنة"

 

يعلق جمعة، على "قرار العتبة، بأنه "قرار إداري من الوقف الشيعي لأنه قد عُمم على جميع العتبات وقد منعوا مجالس الشور"، مستدركاً: "للأسف الشديد القرار ظلم للشعائر لأن مجالس الشور كثيرة وكبيرة وقد منعت من الدخول إلى كربلاء".

ويردف قائلاً: "منع العزاء بهذه الطريقة قد يتسبب بحصول فتنة أثناء الزيارة"، مشيراً إلى أن "هناك صفحات على مواقع التواصل تتوعد بالدخول إلى كربلاء بالقوة وهؤلاء قد يضروا بقدسية الزيارة".

"عزاء الشور، من الناحية الدينية والشرعية لا إشكال فيه، عند كل علماء الشيعة ومن ضمنهم المرجع الأعلى علي السيستاني، فالفقهاء أحرص منا على الدين فلو كان يرد أي إشكال، فهم لا يجاملون على حساب الدين"، يقول جمعة ويضيف، أن "القول والفصل لهم وحدهم ونرى دائماً العلماء واستاذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف يحضرون ويشاركون بعزاء الشور".

 

تقليد قديم من الجنوب

 

سلام الهاشمي وهو رادود حسيني يستخدم أسلوب الشور في قصائده ومجالسه التي يُحييها في بغداد، يعود بذاكرته إلى الوراء ويقول إن "عزاء الشور ظهر بنهاية العام 2008 في محافظة البصرة".

"ظهر عدد من الرواديد الذين كانوا يعيشون في منطقة الأحواز المشتركة مع إيران والذين نقلوا هذا النوع من العزاء الى البصرة وهي طريقة شرعية في اللطم مع ترديد اسم الحسين"، يذكر الهامشي، ويضيف لـ"الجبال"، "أهل العزاء في ايران اخذوا طريقة الشور من النساء العراقيات الجنوبيات وهذا يعني أن أصل الشور هو عراقي".

"أصبح النمط الحسيني التراثي لا يناغم الشباب، إذ جاء الشور بطريقة جديدة أكثر ملائمة للفئة الشبابية مع قصائد شعرية قريبة للشباب فهي تحاكي الوجدان في القضية الحسينية عكس التراث الذي يحاكي الواقعة وما حولها وما جرى فيها فقط، مما تسبب الامر بجذب عدد اكبر من الشباب الى هذه المجالس"، وفق الرادود الحسيني سلام الهاشمي.

ويرى الهاشمي، أن "الانتقاد بدء منذ ظهور الشور في جنوب العراق، والبعض كان ينتقد الطريقة السريعة والاخر لديه اشكال حول ذكر اسم الحسين لأنه مع التردد السريع يسمع اسم الحسين كانه حرف (سين) فقط"، مستدركاً: "هنا حدثت الاشكالية، مما اصبح البعض يحرم هذا النوع من العزاءات، حتى وصل الحال الى محاربة هذا النوع واضطر اصحابه الى عرضه على المراجع لمعرفة جوازه ام العدم واغلب المراجع اجابت بـ( لا اشكال في ما ذكر)".

 

اجتهادات شخصية

 

ووصف قرار منع دخول مواكب الشور إلى العتبات المقدسة، بـ"المجحف"، قائلاً: "من منعهم لا يمت الى المرجعية بصلة، وانما هي قرارات شخصية وقد تكون نابعة من الذوق الشخصي لمصدري هذا القرار، لأنه لا يوجد اي نص شرعي يحرم الشور".

وطالب الهاشمي، الجهات المعنية بـ"التحرك لفض هذا المنع امام المعزين لانهم لا يريدون غير ارضاء الإمام الحسين، ولا يجب محاربتهم ومنعهم لانهم اصلحوا الالاف الشباب وابعدوهم عن المحرمات وجمعوهم تحت خيمة الحسين".

 

أناشيد بطعم راب أميركي

 

حاولت "الجبال"، الاتصال بالعتبتين، الحسينية والعباسية، للوقوف على أسباب منع دخول مواكب الشور إلى مدينة كربلاء، إلا أننا لم نحصل على موقف لحساسية القضية.

لكن مصدر مقرب من العتبتين رفض الكشف عن أسمه لـ"الجبال"، يقول إن "هناك عدداً لا بأس به ممن يقيمون عزاء الشور بشكل جميل، وتملؤها أجواء الحزن والبكاء".

"الشباب الحسينيون هم ابناؤنا، فيجب أن نحتويهم"، يذكر المصدر ويشدد على "ضرورة إيصال الضوابط الصحيحة في احياء المجالس الحسينية".

ويلفت إلى أن "من يرى الرادود أو الذاكر (الشخص الذي يردد كلمة حُسين حُسين مع الرادود)، أهم من مرجع تقليده، عليه مراجعة حساباته".

ويتطرق إلى تقديس الائمة خلال المجالس قائلاً إن "جعل الإمام علي بمنزلة الإله من قبل الرادود هذا خطأ"، مستدركا، "أهل البيت قالوا: لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني بريء من الغالين".

وأشار إلى، أن "عزاء الشور جائز ضمن شروط، لكنه يصل إلى مرحلة استخدام الآلات الموسيقية والايقاعات وتشبيهه بالراب الأميركي مرفوض جداً"، لافتاً إلى أن "أسماء أهل البيت مقدسة ولا يجوز إظهارها بشكل يهتك حرمتها أثناء قراءتها في المجلس".

وفي 13 تشرين الأول 2017، اعتبر قسم الشعائر والمواكب الحسينية في العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، أن مواكب "الشور" توهين للشعائر الحسينية وأدى انتشارها الى إضعاف الدين وإخراج المجالس الحسينية من طابعها الحزين الى طابع آخر لا يمت بصلة لها.

 

 

وقال رئيس قسم الشعائر والمواكب الحسينية في العتبتين المقدستين، رياض نعمة السلمان، خلال المؤتمر السنوي العاشر حينها، إنه "رغم الاهمية القصوى لحضور المناسبة وما ترافقه من اجواء الحزن والاسى فقد برزت في السنوات الاخيرة ظاهرة خطيرة تتناول النص الشعري بطريقة تبتعد عن اللوعة والحزن الى اطار ادخال التقنيات الحديثة في الاستوديوهات وترجيح الصوت واصبح الرادود غير مستقر على المنبر والمتلقون يفقدون اعصابهم ويتحول المأتم الى اشبه بالحفلة بما يسمى في هذا الوقت مواكب (الشور) التي ادى انتشارها الى توهين الشعائر الحسينية واضعاف الدين واخراج المجالس الحسينية من طابعها الحزين الى طابع اخر لا يمت بصلة لها، وقد انشأت لهذا الغرض اقسام متخصصة لاحتضان الطاقات الشبابية من الشعراء والرواديد الحسنيين وتوجيههم".

 

عودة للصورة الموروثة

 

إلى ذلك، يرى الأكاديمي والباحث الاسلامي إياد الارناؤوطي، أن "الشباب أبناؤنا والمسؤولون في العتبتين آباؤنا والحسين إمامنا ونحن ننطلق من هذه الحقائق لرأب الصدع وإطفاء نار فتنة الأعداء".

ويقول الباحث الاسلامي في حديث لـ"الجبال"، إن "سفينة الحسين (عليه السلام) كبيرة وواسعة، تتسع للإنسانية على اختلاف القوميات والألوان والألسن والأعمار".

"نحن إذ نشد على أيدي محبي أهل البيت عامة والشباب منهم خاصة، لمزيد من قوة وسعة وعمق الشعائر الحسينية، نذكر شبابنا الأعزاء بضرورة الحفاظ على الصورة الموروثة للتعازي الحسينية كي لا تخرج إلى صور الرقص والطرب والغناء الغريبة، وفق الارناؤوطي.

وأهاب بـ"المسؤولين في العتبتين المقدستين التعامل الهادئ واحتضان شبابنا الذين جاؤوا إلى كربلاء يشدهم العشق الحسيني"، مذكراَ الجميع بـ"حساسيّة المرحلة التي يمر بها البلد والإقليم والعالم".

ودعا الارناؤوطي، الحسينيون إلى أن "يكونوا يدا واحدة في محاربة الكفر والكافرين وتفويت الفرصة على الأعداء الساعين لإثارة الفتنة بين المؤمنين".

حسين حاتم صحفي عراقي

نُشرت في الاثنين 5 أغسطس 2024 01:39 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.