حسم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، جدل حل الحشد الشعبي، قائلاً إنه من "غير المقبول توجيه شروط وإملاءات إلى العراق، ولا توجد أي شروط لحل الحشد الشعبي"، وذلك وفق حديث على التلفزيون الرسمي مساء الخميس 18 كانون الأول 2024.
وأثير جدل حل الحشد الشعبي بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع السوداني في بغداد، لكن فجوة القضية توسّعت بعد تصريح إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء على إحدى القنوات الفضائية العراقية، إذ كشف عن ضغوط دولية متزايدة على الحكومة العراقية لضبط السلاح الخارج عن إطار الدولة.
تخبطات بمواقف مستشاري السوداني
وأكد الصميدعي أن مسألة حلّ الفصائل "ليست جديدة، بل هي اشتراط قديم فرضته الولايات المتحدة والدول الغربية على جميع الحكومات العراقية السابقة"، مؤكداً أن حلها "سيُفرض هذه المرة بشكل مختلف، إن لم نستجب له طواعية وبإرادتنا، قد يُفرض علينا من الخارج وبالقوة".
وأضاف المستشار أن هناك برنامجاً وطنياً شاملاً لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة، لكنه شدّد على أن هذه الخطوات تتطلب إرادة سياسية داخلية ودعماً دولياً فاعلاً.
وفي اليوم التالي من تصريح الصميدعي، دعا محمد صاحب الدراجي، المستشار الفني لرئيس الوزراء، إلى "ضرورة تغيير طريقة الحكم في النظام السياسي الحالي بالعراق، وإذا لم تستجب القوى السياسيَّة لهذه المتغيرات، فقد تحصل تغيرات لا تتفق مع رؤية الطبقة السياسية الحالية".
وطالب الدراجي في مقال له نشرته الصحيفة الرسمية، بوجوب التفكير جديّاً بتغيير أسلوب الحكم وطريقة إدارة الدولة، والتحول إلى المؤسساتيّة فوراً وقطع الطريق على أي مخططات شريرة تجاه شعبنا وبلدنا، والتعامل مع المتغيرات ببراغماتيَّة حقيقيَّة.
وحذر من "متغيرات مفاجئة لا يمكن التكهن بشكلها، سواء تكون اقتصادية أو أمنية أو سياسية خارجية، قد تأخذ شكل عاصفة دولارية أو إعصار إرهابي أو منخفض اقتصادي له تبعات جماهيرية داخلية، ستعيد رسم المشهد باستخدام ممثلين ومخرجين جدد، قد لا يكون للاعبين الأساسيين الآن فيه شيء".
وتضاربات الآراء حول حقيقة تلك التصريحات هل هي تمثل موقف الحكومة أم أنها تحليلات سياسية، ولم تمر 24 ساعة على تلك التصريحات حتى وجّه السوداني، المستشارين في بيان رسمي نقله مكتبه الإعلامي، بعدم الاجتهاد في التصريحات الصحفية بشكل يخالف السياقات العامة لإدارة الدولة، من خلال الإدلاء بآراء شخصية لا تمثل الحكومة، وأن لا يظهروا أو يصرحوا لوسائل الإعلام إلَّا بموافقة رسمية.
وخَيّر السوداني جميع المستشارين، بين الاستمرار بالعمل الرسمي، أو التنازل عن مناصبهم ومواقعهم الاستشارية، بالتالي تكون لهم حرية الإدلاء بالتصريحات التي تعبر عن آرائهم الشخصية.
وقدم مستشار رئيس الوزراء إبراهيم الصميدعي استقالة من منصبه على خلفية التوبيخ الأخير من السوداني، وفق ما كشفته مصادر سياسية. بينما لم يتم التأكد من صحة الطلب الأميركي بحل الحشد الشعبي لغاية الآن، إذ لم يوضح السوداني في مقابلته الأخيرة إذ كانت واشنطن قد طلبت ذلك أم لا.
حقيقة الضغط الأميركي لحل الحشد؟
وتعليقاً على تلك المواقف، يلفت القيادي في الإطار التنسيقي، عائد الهلالي، إلى عدم وجود معلومات مؤكدة تفيد بوجود "طلب أميركي" مباشر أو رسمي لحل الحشد الشعبي بشكل كامل. ويقول: "مع ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة قد أبدت قلقاً بشأن بعض الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي، خاصة تلك التي لها ارتباطات وثيقة بإيران مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله".
ويضيف الهلالي في حديث لمنصة "الجبال" أن "تلك الفصائل تُعتبر من قبل واشنطن مجموعات إرهابية بسبب صلاتها بالحرس الثوري الإيراني، وقد كانت تثير قلقاً في سياق السياسة الأميركية تجاه العراق والمنطقة".
ويرى الهلالي أن "واشنطن كانت دائماً تدفع باتجاه تعزيز سيطرة الحكومة العراقية على جميع الفصائل المسلحة، بما في ذلك الحشد الشعبي، لضمان عدم تحولها إلى كيانات موازية للدولة". لكن في الوقت نفسه، يقول القيادي في الائتلاف الحاكم إن "الولايات المتحدة تصرّ على عدم تدخل العراق في الحروب الإقليمية، خاصة تلك التي تضع العراق في مواجهة مع جيرانه أو القوى الكبرى، مثل إيران. لذلك، يمكن فهم هذا القلق الأميركي بشكل غير مباشر"، مستدركاً بأنه "لا يمكن القول إن هناك طلباً قاطعاً لحل الحشد الشعبي ككل".
من المسؤول عن حل الحشد؟
"حل الحشد الشعبي ليس مسألة بسيطة، ولا يرتبط فقط بضغوط خارجية، بل هو مسألة معقدة داخلياً"، يذكر الهلالي ويشير الى أن "الحشد ليس مجرد ميليشيا، بل هو جزء من الهيكل الأمني العراقي الذي نتج بفتوى من المرجع الأعلى علي السيستاني في العام 2014 لمواجهة داعش، هذا الرابط الديني والسياسي يجعل من حل الحشد أمراً صعباً، إلا إذا كان هناك توافق داخلي عراقي على هذا الموضوع".
القيادي في الإطار التنسيقي يشير الى أن "الفتوى التي أطلقها المرجع الديني السيستاني كانت الأساس في تشكيل الحشد الشعبي، لذلك فإن أي تغيير أو حل للحشد يحتاج إلى موافقة أو على الأقل إشارات من المرجعية في النجف". و"في حال تأكيد السيستاني دعمه للحشد الشعبي أو استمرار دوره في مكافحة التهديدات الأمنية، فإن أي قرار بحله سيكون صعباً للغاية من الناحية الدينية والسياسية"، وفق الهلالي.
وكان المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، قد دعا قبل شهر إلى "حصر السلاح" بيد الدولة، لكن تصريحاته أُوِّلت من قبل الجماعات الشيعية بأنها تخص "سلاح العشائر" و"سلاح القوات الأميركية".
ماذا بعد مرحلة حل الحشد؟
ويقول الهلالي وهو باحث بالشأن السياسي: "إذا افترضنا أن الحشد الشعبي تم حله، فإن العراق قد يواجه فراغاً أمنياً هائلاً، خاصة في المناطق التي كانت تحت إشراف الحشد في الحرب ضد داعش".
ويؤكد أن "هناك خطراً بأن بعض الفصائل قد تتحول إلى ميليشيات خارج إطار الدولة، ما قد يزيد من فوضى الأمن ويعزز احتمالية عودة الجماعات المتطرفة مثل داعش، وقد تزداد الضغوط على الحكومة العراقية لتطوير قوى أمنية بديلة تستطيع ملء الفراغ".
وعن وجود مساعٍ خارجية لإسقاط نظام حكم في العراق، ذكر الهلالي أنه "لا يمكن الجزم بتكرار سيناريو عام 2003، إذ كان بعد الاحتلال الأميركي، دعم واسع لتفكيك النظام السابق، وهذا يشمل حل الجيش العراقي والحشد الشعبي".
"أما اليوم، فيمكن القول إن الولايات المتحدة والقوى الغربية قد تكون قلقة من استمرار تأثير إيران في العراق عبر الحشد الشعبي، لكن الهدف ليس بالضرورة إسقاط النظام بل تعديل التوازنات الأمنية والسياسية بما يتماشى مع المصالح الغربية"، وفق الهلالي.
وأردف قائلاً: "من الممكن أن هناك مساع لتقليص نفوذ إيران في العراق، لكن ذلك لا يعني بالضرورة السعي لإسقاط الحكومة العراقية أو النظام بشكل عام"، مبيناً أن "الحشد الشعبي يعتبر جزءاً من الصراع الإقليمي، وهو لا يزال يمثل أداة استراتيجية هامة لكل من إيران وحلفائها في العراق".
انطلاق الفتوى ودعوات التفكيك
الحشد الشعبي هو تشكيل عسكري ظهر بشكل غير منظم بعد سقوط الموصل عام 2014، ثم تم الاعتراف به رسمياً عبر قانون أقره البرلمان عام 2016، مما يعني أن أي محاولة لإلغائه تتطلب تشريعاً جديداً من البرلمان بمستوى قرار تأسيسه.
ودعوة حل الحشد الشعبي وإن لم تكن موجودة، فهي ليست بالجديدة على الساحة العراقي، إذ سبق أن دعا مقتدى الصدر، زعيم التيار الوطني الشيعي المعتكف عن السياسة منذ أكثر من عامين، إلى "دمج الحشد" في عام 2017 - وهو مطلب كرره لاحقاً عدة مرات - وقد وصف مطلبه من قبل الفصائل حينها بأنه "مؤامرة".
الصدر كان يعترض في تلك الدعوات على عدم التزام بعض الفصائل بقرارات الدولة.
وأصدر رؤساء الحكومات السابقة، عادل عبد المهدي وحيدر العبادي، عدة قرارات لهيكلة الحشد، بدعم من الصدر، لكن الفصائل قابلت تلك الإجراءات بشكوك وريبة، ووصفتها بـ"المؤامرة"، كما قال هادي العامري، زعيم منظمة بدر، في إحدى المناسبات.
ويضم الحشد الشعبي أكثر من 220 ألف منتسب، خُصص لهم ما يزيد عن 800 مليار دينار في موازنة عام 2024.
هل يستطيع السوداني حل الهيئة؟
من جهته، يرى رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي، أن تصريحات إبراهيم الصميدعي لا يمكن الأخذ بها كمصدر رسمي يمثل الحكومة، والدليل على ذلك أنه قدم استقالته بعد توبيخه من قبل السوداني.
ويقول إن "تصريحات الصميدعي مجرد تحليلات وآراء جاءت بشكل مسترع، ولم يتم التأكد من وجود طلب أميركي لغاية الآن"، مضيفاً في حديث لمنصة "الجبال"، أن "قضية حل الحشد الشعبي ليست بالسهلة، وسبق أن طالب الصدر بحل الحشد الشعبي ودمجه بالجيش العراقي".
رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية يلفت إلى أن "هناك فرقاً بين هيئة الحشد الشعبي والفصائل، إذ أن الهيئة مؤسسة دستورية منظمة وفق قانون صادر عن مجلس النواب في العام 2016، وعملية حلها معقدة"، منوّهاً إلى أن "حل الحشد ليس مرتبطاً برئيس الوزراء بل هو وفق قانون منظم من قبل البرلمان العراقي".
أما حل الفصائل، وفق الموسوي، فهو أيضاً مرتبط بهيئة الحشد الشعبي، "كون الفصائل مرتبطة بالإطار التنسيقي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني، وتلك الكتل لم تتبنّ أي خطاب يدعو إلى الحل".
ويشير رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية إلى أن "من ضمن شروط ائتلاف إدارة الدولة ضمن البرنامج الحكومة هو حصر السلاح بيد الدولة، لكن هذا الشرط لم يتحقق"، ليختتم حديثه بقول إن "هناك تهديدات تواجه العراق، في ظل الحديث عن حل الحشد الشعبي، لكن البلاد تضم مؤسسة أمنية متعدّدة تتمثل بوزارتي الداخلية والدفاع، وجهاز المخابرات والاستخبارات والأمن الوطني فضلاً عن قوات التحالف الدولي".
واشنطن تتوعد الفصائل بعد عودة ترامب
إلى ذلك، يرى غابريال صوما مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أن "الولايات المتحدة تعتبر الفصائل العراقية الموالية لإيران تشكل تهديداً رئيساً للعراق وبالتالي ينعكس هذا التهديد على الأمن الأميركي".
قال صوما في حديث لمنصة "الجبال"، إن "تلك الفصائل استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا، بهجمات صاروخية، إضافة إلى أهداف في إسرائيل"، مبيناً أن "تلك الهجمات أدت إلى مقتل جنود أميركيين".
وأضاف أن "الولايات المتحدة تعتبر الحشد الشعبي منظمة إرهابية"، وأن "قسماً من الحشد الشعبي يتلقّون أوامرهم من إيران وليس من العراق".
خطر على الأميركيين
"الحشد الشعبي يشكل خطراً على القوات الأميركية، إذ نفذت الفصائل العراقية حوالي 200 هجوم منذ شهر تشرين الأول ولغاية اليوم ضد قواتنا الأميركية" حسب قول صوما الذي أكد "لو كان ترامب في البيت الأبيض لما حصل ذلك".
توعد مستشار الرئيس الأميركي المنتخب بـ"اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الفصائل العراقية عند وصول ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل".
واختفى نشاط الفصائل العراقية المسلّحة منذ نحو شهر، بعد عشرات الغارات على "إسرائيل"، بالتزامن مع تدهور الوضع السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، كما انسحبت الفصائل من سوريا بشكل غير مفهوم قبل سقوط بشار الأسد بفترة وجيزة.