أثار قرار وزير الثقافة بتكريم مطعم "بيت حلب" بجائزة الإبداع العراقي كأفضل مرفق سياحي في العراق استغراباً واسعاً داخل الأوساط الثقافية، حيث جاء هذا التكريم "المفاجئ" لمطعم يقدم "المطبخ السوري" بالأصل، ليثير تساؤلات حول المعايير التي اعتمدت عليها لجنة التحكيم في منح هذه الجائزة.
ونشر الإعلامي مصطفى الربيعي عبر حسابه على "فيسبوك"، أن وزير الثقافة قد افتتح مطعماً مؤخراً، لكن "اللافت للنظر هو تكريم المطعم بجائزة الإبداع في فترة زمنية قصيرة بعد الافتتاح".
وللحديث عن الأمر، قال الشاعر حميد قاسم في تصريح لـ"الجبال": "شيء غريب أن تُدخل وزارة الثقافة المطاعم في حقل اهتمامها، فتخصص جائزة تحت مسمى الأفضل ضمن جائزة الإبداع العراقي".
وأضاف قاسم وهو شاعر وكاتب: "يبدو لي أن لهذا الاهتمام جذوراً عميقة تعود إلى أيام مهزلة (بغداد عاصمة الثقافة العراقية) التي شهدت هدراً وسرقة أكثر من 600 مليون دولار وتوزيعها على عدد من اللصوص المحترفين"، معبراً عن استغرابه من "عدم بناء مسرح أو سينما أو افتتاح قاعة للفن التشكيلي"، متسائلا: "هل هذا من ضمن مهام وزارة الثقافة العراقية؟".
وبالنسبة للأكاديمي، أحمد الظفيري، فإن قرار وزارة الثقافة بتكريم مطعم "بيت حلب" يثير العديد من التساؤلات حول الشفافية والنزاهة في عملية اختيار الفائزين بجوائز الإبداع.
وقال الظفيري لـ"الجبال"، إن "مثل هذه الخطوة، إذا كانت مبنية على أساس منافسة شريفة بين مختلف المطاعم، لكان لها أثر إيجابي في تحفيز القطاع وتشجيع المطاعم على تقديم خدمات أفضل"، ولكن ـ والكلام للظفيري ـ فإن "تكريم مطعم بشكل مفاجئ دون وجود معايير واضحة أو إعلان مسبق عن المسابقة يثير الشكوك حول وجود علاقة خاصة بين المطعم وإدارة الوزارة".
وأشار إلى أن "هذا الأسلوب غير الشفاف يشير إلى وجود خلل في الجانب الإداري لوزارة الثقافة".
ويعتبر مثقفون، أنه لم يكن مفاجئاً أن يخوض مطعماً منافسة مع أديب، عل الرغم من أن المدينة تشهد زخماً كبيراً في قطاع المطاعم، على حساب المشاريع الصناعية والتنموية والثقافية، وهذه الظاهرة التي تتجلى بوضوح في انتشار المطاعم حتى بجانب مقرات الأحزاب السياسية، تكشف عن تحول في أولويات الاستثمار والتوجه نحو اقتصاد يعتمد بشكل كبير على هذه التصورات التي لا تساهم ببناء مجتمع، كما يفترض أن تعمل وزارة الثقافة على ذلك.
وأعلن الشاعر والكاتب عبد الزهرة زكي عن سحب روايته من دائرة التنافس في جائزة الإبداع قبل أسابيع من إعلان النتائج، حيث كتب قائلا: "ليس هنالك ما يستحق الخوض فيه بعدما أفرغت وزارة الثقافة، ومعها اللجنة العليا، الجوائز من قيمتها الثقافية ومضت بها لتشمل مجالات لا صلة لها بفكرة وأهداف الجائزة".
وتساءل زكي: "ما معنى أن تفاجأ الأوساط الثقافية بذهاب بعض الجوائز إلى مطعمٍ وإلى شيف نفس المطعم"، مؤكداً أن "الوزارة قدمت أسوأ صيغة لإثارة التنافس ما بين حقول لا تمت بصلة للثقافة والأدب مرتين؛ الأولى حين جعلت الوزارة هذه الحقول غير الثقافية منافسة لحقول الأدب والفن على جوائز خصصت للفن والأدب وليست للسياحة، والثانية، وهي أمر محرج فعلاً للوزارة وللجنة الجائزة، أن الوزارة لم تعلن عن إشراك هذه الحقول غير الثقافية في التنافس على الجوائز كما أعلن عن جوائز الأدب والفن".
وأضاف الشاعر والكاتب: "لقد فوجئ الجميع هذا العام بجوائز الطبخ والمطعم، وحصل جراء عدم الإعلان عن الجوائز السياحية أن الوزارة لم تترك فرصة للمطاعم الأخرى والطباخين الآخرين للتنافس ما بينهم بحيث بدا الأمر كله محض دعاية فاشلة وغير عادلة وقد يدعو للريبة".
هذا ويرى العديد من النقاد والكتّاب أن وزارة الثقافة العراقية تعرضت لتحول جذري بعد خضوعها لنظام المحاصصة الطائفية، حيث يصفون هذا التطور بأنه "خطوة بالغة الخطورة تهدد جوهر الثقافة العراقية"، لأن مناصب الوزارة، لا تعطى لمثقفين يعرفون ماذا يجب أن يقدم ثقافياً، وإنما لأشخاص لهم ولاءات لأحزاب وجماعات سياسية فقط، حيث يرى حميد قاسم أن "وزارة الثقافة العراقية، شأنها شأن المؤسسات الحكومية الأخرى، قد تأثرت بشكل كبير بالمحاصصة السياسية التي استشرت في البلاد بعد زلزال 2003، وفوضاه اللا خلاقة".
وبالوقت نفسه، يؤكد الظفيري لـ"الجبال"، وهو أكاديمي، أن "وزارة الثقافة، بحكم طبيعتها، يجب أن تكون بمنأى عن أي تأثيرات طائفية أو عرقية. فالثقافة تمثل واجهة العراق الحضارية أمام العالم، وهي انعكاس مباشر لهويته المتنوعة. لذا، فإن خضوع هذه الوزارة لنظام المحاصصة يمثل إخفاقاً كبيراً ويؤدي الى تراجعها مرة بعد أخرى".
وبالسؤال عن مهام الوزارة يشدد الظفيري على أن "الوزارة لا تؤدي مهامها بصورة متكاملة ويرى أن المهرجانات والفعاليات الثقافية ليست المحرك الوحيد للثقافة، ويصفها بثقافة الولائم".
ويقترح الظفيري إجراء مراجعة شاملة للسياسات الثقافية في العراق، وإعادة هيكلة المؤسسات الثقافية، ووضع خطط استراتيجية طويلة الأمد لتطوير القطاع الثقافي، كما يدعو إلى "تأسيس مجلس أعلى للثقافة، ودعم المسارح ودور الأوبرا، وإحياء السينما والموسيقى والفنون التشكيلية، والاهتمام بالثقافة الشعبية والسياحة الثقافية".
وأيضاً، يتساءل حميد قاسم خلال حديثه مع "الجبال"، عن جدوى وجود وزارة الثقافة العراقية، مشيراً إلى أن "مهامها الحالية لا تتعدى دفع رواتب لموظفين (15 ألف موظف) لا يؤدون عملاً حقيقياً وإقامة مهرجانات فارهة لا تساهم في تطوير المشهد الثقافي". كما ينتقد الوزارة لـ"تقاعسها عن ترجمة الكتب العراقية وتسويق التراث العراقي والسياحة الثقافية".
ويرى قاسم أيضاً أن "هذه الوزارة لم تحقق أي إنجاز يذكر، وأن الحل يكمن في إنشاء مجلس أعلى للثقافة يتولى مسؤولية تطوير القطاع الثقافي بشكل أكثر فعالية".