تستعد إيران وهي تقود دول ما يسمى "محور المقاومة" لتوجيه ضربة عسكرية لـ"إسرائيل"، رداً على اغتيال رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية داخل مقر إقامته في طهران خلال الأسبوع الماضي، فيما تشير المعطيات لمشاركة حتمية للفصائل العراقية المسلحة ضمن ذلك الهجوم الذي يجري الحديث عنه.
وبما أن الساحة العراقية تشهد صراعاً مستمراً بين الفصائل ذاتها الموالية لإيران من جهة، والوجود العسكري الأميركي من جهة أخرى، فيعتبر تدخلها في التصعيد الإيراني - الإسرائيلي بشكل مباشر خطوة يمكن أن تضع بغداد والقوى السياسية التي تمثلها بموقف محرج أمام واشنطن، ما قد يدعو الأخيرة لكبح جماح تلك الفصائل أكثر عن طريق الملفات الاقتصادية أو استهداف قادتها كما في مرات سابقة.
خيارات الرد
وعن إمكانية الأضرار التي ستطال العراق، فيما لو شاركت الفصائل العراقية بالرد الإيراني، يقول رئيس المركز العربي - الاسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري لـ "الجبال"، إنّ "خيارات الرد الإيراني المتاحة لا تختلف عن الاستهداف الاسرائيلي المتاح، لكن يجب النظر لحدود الرد بحال حصوله، فإيران قد أدخلت نفسها في حرب مفتوحة وإسرائيل هي أساساً داخل هذه الحرب وعملت على تجهيز قواتها جيداً بعمليات محاكاة وتدريب".
ويضيف، أن "الشرق الأوسط يعيش حرباً غير كلاسيكية مع إسرائيل كالتي خاضتها الجيوش العربية في أعوام 1967 و 1973. الآن الحرب تقاد من قبل فصائل ولذلك الجغرافية بمصلحة ايران"، مشيراً إلى أن "إسرائيل لا تجد أمامها جيوش تحاربها لأن حزب الله يعمل بالخفاء ويمثل مجموعة، والحوثيين في اليمن مجموعة ثانية، وغيرها الفصائل في العراق، وكلهم يستخدمون أساليب متشابهة كالمسيرات والصواريخ".
ويعتبر الياسري، أن "إيران لديها أسبابها لتنفيذ الرد على اغتيال إسماعيل هنية، ضمن سياسة الحفاظ على الهيبة وحافز الردع لإسرائيل كي لا تستمر باغتيال قادتها، ولهذا أي ضربة لإيران ستكون ضمن هذه المعادلة، أما أضرار الحرب المفتوحة فهي في البحر الأحمر ومضيق هرمز وسوريا ولبنان والعراق واليمن، حيث تقصف إسرائيل أهدافاً تريدها لتقوم إيران بالرد، وهذا سوف يستمر إلى حين اتخاذ قرار بإيقاف الحرب في غزة".
خط الصد
وتابع أنّ "الفصائل تريد تخفيف الضغط عن حماس، لأن إسرائيل إذا أنهت هذه الحركة ستتوسع بضرب جميع فصائل المقاومة، ولذلك فحماس تمثل لإيران حائط الصد الأول للمقاومة مع اسرائيل ويجب عدم سقوطها، ولهذا فطهران تفاوض على جميع ملفاتها الدولية عبر وجود مقاومة حماس"، موضحاً أنّ "إيران تريد ايصال رسائل إلى فصائلها وجمهورها عبر تنفيذ ضربة صاروخية لإسرائيل، وبنفس الوقت نتنياهو يحاول جر ايران إلى تلك الضربة لخلق مواجهة مفتوحة، وبالتأكيد سيحصل ذلك وفقا لجميع المؤشرات لكن نوعية وحدود الحرب غير محددة لغاية الان".
وعن مشاركة الفصائل العراقية وحزب الله اللبناني والحوثيين بالرد، يبيّن الياسري أن "قيام طهران بتوحيد ساحات الفصائل في 5 دول لاستهداف اسرائيل يعتبر خطأ استراتيجيا لان ربط كل هذه الفصائل لتنفيذ استهداف يعطي فرصة لإسرائيل لقصف جميع تلك البلدان مثلما قصفت ميناء الحديدة في اليمن ودمشق في سوريا وجرف الصخر في العراق واسماعيل هنية في العمق الايراني".
وأكمل أنّ "توحيد ساحات المقاومة منح اسرائيل الافضلية على حساب إيران، ولذلك يجب عدم قيام إيران بهذه الطريقة لما فيها من ضرر على جميع بلدان المحور وبضمنها العراق"، مؤكداً أنه "بالمقابل اسرائيل لديها حماية كبيرة عبر القبة الحديدية والمتضرر الوحيد هي فصائل دول المحور التي ستذهب لحرب مباشرة بحال المضي بتوحيد الساحات مع كل ضربة لإسرائيل".
دور واشنطن
أما بشأن تضرر العراق بتلقيه ضربات عسكرية، يقول الياسري، إن "عمليات الاستهداف لمواقع عراقية متروك لأمريكا اكثر مما لإسرائيل، ولذلك فالأخيرة لا تفكر بقصف العراق حتى مع دخول فصائل عراقية ضمن استراتيجية الرد الايراني المقبل"، مبينا أن " لواشنطن استراتيجية وقواعد اشتباك مع الفصائل في العراق او مع اذرع ايران بشكل عام رغم أن هذه الطريقة كانت مستبعدة خاصة بعد اغتيال ابو مهدي المهندي وقاسم سليماني في بغداد، لكنها تحدث الآن".
ويتوقع رئيس المركز "حصول هجمات مقبلة ايرانية ضد اسرائيل، لكن الولايات المتحدة هي الضابط الذي سيمنع دخول العراق بطريقة مباشرة للحرب مع اسرائيل لأنها تستطيع كبح جماح الفصائل بطريقة واخرى عبر المصالح وخطوط الامداد المالي وغيرها".
ووسط هذه الاستعدادات والتحشيدات الايرانية، كشف دبلوماسي إيراني، وفقاً لوسائل إعلام شرق أوسطية، أطلعته حكومته على التطورات، أن "محاولات دول مختلفة لإقناع طهران بعدم التصعيد كانت ولا تزال بلا جدوى في ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة".
فيما قال مسؤول أميركي إن إدارة بايدن تتبنى نهجاً حذراً في الوقت الحالي مع عدم وجود أي مؤشر على أن إيران اتخذت قراراً بشأن ما إذا كانت سترد وكيف، متوقعا أن أي رد من المرجح أن يكون على بعد بضعة أيام إلى أسبوع.
وتتزايد التوترات الأمنية في إسرائيل، بعد إعلان الاخير -الثلاثاء الماضي- مقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر في لبنان، قبل أن تعلن حماس وإيران -فجر الأربعاء الماضي- أيضاً اغتيال اسماعيل هنية بغارة استهدفت مقر إقامته في طهران عقب مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
لعبة التوازن
بالمقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي، نظير الكندوري، أن "رد ايران على حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ربما سيتأخر قليلًا، لكنها مع ذلك ستكون مضطرة له بغض النظر عن طبيعته سواء كان قوياً أو رمزياً".
ويضيف الكندوري، لـ "الجبال"، أن "إيران تحاول الموازنة بين أمرين ليس من السهل التعامل معها، وهي ضرورة الرد للمحافظة على معادلة الردع بينها وبين إسرائيل، وأن لا يكون هذا الرد كبيراً للدرجة التي يتطور فيها إلى مرحلة المواجهة الشاملة مع إسرائيل"، موضحا أنه "من المرجح أن تقوم إيران بتنفيذ ضربة غير مؤثرة عسكريا على إسرائيل، مع جانب استعراضي كبير كما حدث في ردها قبل أشهر على ضرب قنصليتها في دمشق".
ولأجل تحقيق هذا السيناريو يشير الكاتب إلى أن "طهران ستعمد إلى إشراك جميع الفصائل المسلحة المرتبطة بها وعلى رأسها حزب الله اللبناني، الذي خسر قيادياً كبيراً مثل فؤاد شكر، وهذا يقود الى سؤال حول مشاركة الفصائل المسلحة العراقية من عدمها".
مشاركة رمزية
وتابع، أن "الفصائل العراقية ليست في حالة جهوزية جيدة تمكنها من المشاركة الفعلية ضد أهداف إسرائيلية أو أمريكية بعد الضربات التي تلقتها قبل أشهر وسقط خلالها عدد من عناصرها، وبالتالي فأن مشاركتها يمكن أن تكون رمزية من خلال أرسال بعض المسيرات أو صواريخ الكاتيوشا إلى قاعدة عين الأسد أو أهداف أخرى، والتي في غالبها لا تسفر عن إلحاق أضرار بقوات التحالف الدولي ولا تستدعي ردًا أمريكيا"، معتبرا أن "ذلك سيخلصها من الإحراج الذي يمكن أن تقع فيه إذا لم تشارك بهذا الرد الجماعي الذي ستقوده إيران، ولن تحرج حكومة السوداني والتي تعتبر منبثقة من الاطار التنسيقي المقرب إلى إيران ايضا".
وعلى هذا الأساس، يوضح الكندوري أن "الفصائل ستحاول أن لا تلحق ضرباتها العسكرية الضرر بالعلاقات العراقية الأمريكية لأنها لا تريد التضحية بالعلاقات الجيدة بين حكومة بغداد وواشنطن، وخسارة كل تلك المكتسبات التي تجنيها من هذه العلاقة، لأجل ضربات غير مؤثرة ولا تأتي بنتيجة على عكس الحالة في باقي الساحات مثل لبنان واليمن وإيران التي ليس لديها علاقات متميزة مع الجانب الأمريكي لكي تخسرها".
وعلى ذات الصعيد، لا يعتبر الرد الايراني لاغتيال هنية هو المحفز الاول لمشاركة الفصائل العراقية، بل ما حصل من قصف امريكي لمواقع عسكرية للحشد الشعبي في جرف الصخر شمالي بابل هو الاخر قد اثار ردود افعال طالبت باتخاذ اجراءات صارمة تجاه السياسة الامريكية ووجود التحالف الدولي.
واستهدفت القوات الأميركية معسكرا لقوات الحشد الشعبي في محافظة بابل جنوبي بغداد، مما أدى إلى مقتل 4 منتسبين، ليطالب ومعه فصائل المقاومة العراقية عبر بيانات شديدة اللهجة، الحكومةَ بالعمل على إخراج القوات الأجنبية من البلاد بشكل فوري بعد ليلة وصفت بـ"الدموية والغادرة".
المقاومة العراقية "غير ناضجة"
في ذات السياق، يعتقد، الباحث في الشأن السياسي والامني، حسيني الاطرقجي، بأن "النظام الايراني يتحرك وفق التفاهمات الدولية ضمن قواعد اشتباك قد تتسع لكنها لا تخرج عن اطار القواعد، ويوجه محور المقاومة كلا حسب موقعه العسكري واهميته الجغرافية"، مبينا أن "طهران تحرك الحوثيين على سبيل المثال باتجاه خرق القواعد، لكنها توجه جبهة لبنان وفق قواعد اشتباك مرنة لا تضعها في خانة الحرب".
ويقول الاطرقجي، لـ "الجبال"، إن "فصائل المقاومة في العراق تتحرك تماما وفق التوجيه والاشراف الايراني الميداني المباشر، كون خط المقاومة العراقي غير ناضج وغير مضمون"، مضيفا أن "ايران تعتقد بأن اجنحة المقاومة العراقية ضعيفة ومنقسمة وليست مصدر ثقة في كثير من الاحيان".
وبشأن امكانية قيام امريكا بكبح جماح الفصائل العراقية، يرى أنها "غير قادرة على ذلك خاصة بالجانب السياسي كونها القوة الاكثر سيطرة على القرار الرسمي العراقي"، لافتا الى أن "واشنطن لذلك السبب تنفذ ضربات مباشرة على شخصيات وقوى فصائلية لاعتقادها باتفاق الجمهوريين والديمقراطيين ان القوة هي السبيل الوحيد الناجح في التعامل مع بغداد".
يشار الى أن الحكومة العراقية تخوض منذ اشهر عدة مباحثات تصفها بانها "جدية" مع الولايات المتحدة الامريكية من اجل التوصل لجدولة انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق لعدم وجود اسباب تستدعي بقائها، حيث يأتي هذا المطلب كالتزام ضمن البرنامج الحكومي لمحمد شياع السوداني وهو تلبية لمطالب الفصائل المسلحة التي تنادي به في كل حين كما هو الحال بالحكومات السابقة.
وتوقفت هجمات الفصائل العراقية ضد القوات الأميركية إلى حد كبير منذ بدء المفاوضات، وخاصة بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في إحدى هذه الهجمات على الحدود بين الأردن وسوريا، ما أدى إلى شن غارات جوية أميركية مكثفة ضد مواقع الفصائل في العراق.
تحجيم الفصائل
من جهته، يشير الكاتب والصحافي، سامان نوح، خلال حديثه لـ "الجبال"، الى أن "مشاركة الفصائل المسلحة العراقية التي تمثل قوى سياسية في الحكومة ضمن اي ضربات ايرانية ستوجه لإسرائيل او القواعد الامريكية، بالتأكيد سيجبر واشنطن على الرد بحجم الاضرار التي ستقع، كما هو الحال بالنسبة للاحتلال الاسرائيلي".
واوضح نوح، أن "اسرائيل ستشن هجمات ايضا اذا كان تأثير عمليات الفصائل ضدها مؤلما او نوعيا، وبالتالي سنشهد هجمات مختلفة على مواقع أمنية عراقية وشخصيات نافذة عسكرية وربما حتى سياسية"، مضيفا أن "ذلك سيجعل العراق فعليا ساحة ثانوية للصراع وسيحمل تداعيات كبيرة او محدودة -حسب حجم المشاركة العراقية ونوعيتها- على الملفين الأمني والاقتصادي".
ولفت الكاتب الى أن "اي استهداف اسرائيلي او امريكي لمواقع عراقية ربما سيطال تأثيرها حياة المواطن البسيط هذا اذا كانت مشاركة الفصائل العراقية مؤثرة وليست شكلية كما كانت في السابق"، مبينا أن "الولايات المتحدة نجحت في الأشهر الاخيرة والى حد بعيد، في تحجيم تحركات القادة السياسيين البارزين على الساحة العراقية وضبط ايقاع مواقفهم في ما يرتبط بملف المقاومة وغزة، وهذا ساهم في تقييد حركة ومواقف الفصائل المسلحة عموما، تحت تاثير المصالح الاقتصادية".
واكد أن "امريكا من الواضح أنها قادرة على ضرب الاقتصاد العراقي اذا وصلت الى نقطة الانفصال والمواجهة مع اولئك القادة بدل ساحة التفاوض والاتفاق على تسويات كما حصل في العامين الماضيين".
الجدير بالذكر أن الادارة الامريكية وعبر وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي قد مارست ضغوطات كبيرة على الحكومة العراقية منذ سنتين بشأن ملف تهريب الدولار لإيران عبر نافذة بيع العملة وهو ما يؤرق واشنطن التي تعتبره طريقا مريحا لتمويل محور المقاومة من الاقتصاد العراقي بشكل مباشر.
وفرضت واشنطن قيودا كبيرة على حركة الدولار حتى عاقبت مجموعة مصارف عراقية تقوم بتسهيل عبور الدولار للجانب الايراني وكسر العقوبات المفروضة، فيما تحاول حكومة محمد شياع السوداني الالتزام بمعايير الضبط هذا عبر منع التعامل بالدولار داخليا وجعله للاستخدام الخارجي للمسافرين وحركة الاستيراد التجاري وغيرها.