"جمهورية الحقد".. سوريون يواصلون البحث عن أحبائهم المفقودين في زنازين الأسد

6 قراءة دقيقة
"جمهورية الحقد".. سوريون يواصلون البحث عن أحبائهم المفقودين في زنازين الأسد حشود متجمعة حول سجن صيدنايا المعروف بـ "المسلخ البشري" في سوريا - AFP

يقوم السوريون الذين يبحثون عن أحبائهم المفقودين بتمشيط أرضية أكثر سجون البلاد شهرة بسوء سمعته، يفحصون قوائم المعتقلين وينقبون في أرضية الخرسانة بحثاً عن زنزانات أو مقابر مخفية.

 

يفتش مدنيون، جنود ميليشيات، محامون، وفريق إنقاذ من تركيا أكوام الملابس المتروكة في زنزانات سجن صيدنايا العسكري، وينظرون إلى الحبال الحمراء المعلقة على جدار خرساني خلف المبنى.

 

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، في تقرير بعنوان "جمهورية الحقد"، أن تقريراً لوزارة الخارجية الأميركية صدر في عام 2017، ينص على أنه كان يتم إعدام ما يصل إلى 50 شخصاً يومياً في السجن.

 

اختفى عشرات الآلاف من الأشخاص في شبكة الاعتقال الواسعة في البلاد منذ أن بدأ نظام الرئيس بشار الأسد قمع الانتفاضة التي اندلعت في عام 2011 حتى فتح المتمردين سجن صيدنايا الأحد بعد طردهم للأسد، حيث أطلقوا سراح المعتقلين وسمحوا للعامة بالبحث عن المفقودين.

 

عمار البارا، محام يرتدي قميصاً أبيضاً أنيقاً ومعطفاً رمادياً عصرياً، وهو يقول إن عائلات طلبت منه البحث عن أقاربهم "تسعة وتسعون بالمئة منهم ماتوا"، وأخرج ورقة من مجموعة من سجلات السجن المخبأة تحت ذراعه، وقرأ في جدول الأسماء عن المصير الموضوع أمام كل إسم: "أُعدم، أُعدم، مات بسبب المرض".

 

وصادق الفلج، وهو رجل يبلغ من العمر 48 عاماً من دمشق، يبحث عن معلومات عن ابن أخيه الذي اعتقلته أجهزة الأمن قبل عقد من الزمن، وقال بينما كان يقف بين كومة من الأوراق في مكتب إدارة السجن "نحن نأمل، لكنني أشعر وكأننا نبحث عن إبرة في كومة قش. لم نعثر حتى على أي أثر".

 

اختفى جابر الفلج، الذي كان طالباً في السنة الثانية تخصص فلسفة في جامعة دمشق، بعد اعتقاله في سكن الطلاب، وفقاً لما قاله عمه، وتقول عائلة جابر إنه ابتعد عن المشاركة في الاحتجاجات ضد الأسد في عام 2011 وتجنب حتى المنشورات السياسية على الإنترنت، ولم يتلقوا أي معلومات عن مكان وجوده.

 

قال عمه: "إذا كان قد مات، فلا يمكننا فعل أي شيء حيال ذلك".

 

كانت الزنازين التي احتجزت مجموعات كبيرة من السجناء مليئة بالملابس المتروكة، وكانت الفرش الرقيقة متناثرة على الأرض، و نُقشت كلمات "في يوم ما" على جدار إحدى الزنازين، حسبما أفادت الصحيفة.

 

وخلقت الإطاحة ببشار الأسد فرصة للسوريين للتصدي لأكثر من نصف قرن من الانتهاكات التي ارتكبها جهاز أمني تديره عائلة الزعيم السابق. إذ بقي الأسد في السلطة لأكثر من عقد بدعم عسكري من روسيا وإيران، بعد أن أطلق السوريون انتفاضة 2011، لكنه فرّ إلى روسيا الأسبوع الماضي مع تقدم قوات المعارضة نحو العاصمة، بينما خلع جنود النظام زيهم العسكري واستسلموا.

 

"وسّع نظام الأسد استخدامه للتعذيب والاعتقالات الجماعية إلى مستوى احترافي بعد الانتفاضة، وفقاً لحكومات غربية ومنظمات حقوقية وناجين من الانتهاكات. وبحلول عام 2022، كان حوالي 100 الف سوري قد فُقدوا، كما اختفى أجانب أيضاً، بمن فيهم الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي فُقد أثناء تغطيته بالقرب من دمشق في عام 2012"، حسب قول الصحيفة.

 

وأضافت "تشكل سجون الأسد رمزاً عالمياً لوحشية نظامه وسبباً رئيسياً لتجاهل مجموعة من البلدان له إلى جانب استخدامه للأسلحة الكيميائية وقصف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون"، مبينةأنه "مات مئات الآلاف من الناس أثناء الحرب الأهلية في سوريا، وتم اقتلاع 12 مليون شخص من ديارهم".

 

وتم العثور على أدلة تشير إلى أن حكومة الأسد أعدمت نحو 11,000 معتقل وفق تقرير صدر عام 2014 عن مدعين دوليين مختصين بجرائم الحرب، وقام مصور عسكري سوري (مكلّف بتوثيق جثث القتلى) بتهريب مئات الآلاف من الصور التي استُخدمت لاحقاً كأدلة في محاكمات جرائم الحرب. واستخدم اسم الكود الخاص بالمصور، "قيصر"، لتسمية قانون أقره الكونغرس في عام 2019 لفرض عقوبات على نظام الأسد بسبب انتهاكاته لشعبه.

 

والآن، مع سيطرة الجماعات المعارضة على العاصمة وسعيها لإعادة النظام، يبحث السوريون عن معلومات بشأن المفقودين.

 

في مستشفى دمشق، وهو منشأة طبية في العاصمة، دفع مدنيون باكون الأبواب للدخول لرؤية عشرات الجثث التي قال الأطباء إنها استُخرجت من السجون منذ سقوط الأسد وانتشرت رائحة الجثث المتحللة في الهواء. 

 

كانت الجثث على نقالات، وفي خزائن من الفولاذ المقاوم للصدأ وعلى الأرض في الفناء المجاور للمستشفى. وقدمت النساء والرجال إلى الغرف، ورفعت الملاءات البيضاء للخلف للكشف عن الجثث. كان البعض منها قد جف، وتوفي آخرون قبل أيام فقط، وفقا لمسؤولي الطب الشرعي في المستشفى.

 

وكانت هناك جثة لرجل مستلقي على الأرض، وذراعه اليمنى ملقية فوق رأسه، ولا يزال الدم على أنفه.

 

وكافح المسعفون الذين يرتدون الدعك والأقنعة البيضاء لكبح جماح حشد المدنيين، وبعضهم كانوا يحملون الصور لأقاربهم المفقودين منذ فترة طويلة. 

 

وصرخ أحد المسعفين وهو يلوّح للناس للتراجع عن غرفة مليئة بالجثث على الطاولات، "لحظة واحدة فقط!، صرخت امرأة، هذا ابني! هذا ابني!" مما أثار موجة من التفاعل بين الحشد.

 

الأم، أميرة حمصي, المقيمة في دمشق، تعرفت على ابنها من وشمين على شكل نجمة على صدره وقالت الأم البالغة من العمر 50 عاماً، إن ابنها محمد فايز أبو شقرة، وهو عامل حدادة يبلغ من العمر 20 عاماً، كان يقضي وقتاً مع أصدقائه في منزل جار في وقت متأخر من الليل عندما اختطفته قوات الأمن في 26 تشرين الأول. وأوضحت أن ابنها الذي كان شاباً بعيداً عن السياسة، كان قد اعترف لعائلته وأصدقائه بأنه يفكر في الانضمام إلى المعارضة السرية للنظام، وتعتقد والدته أن أحد أصدقائه أبلغ السلطات بذلك.

 

كان جسده، الذي يظهر عليه لحية سوداء خشنة، ممدداً على قطعة بلاستيكية سوداء وغطت الدماء الجافة والجروح صدره، وكان هناك ضماد كبير على بطنه. وقالت حمصي: "ليت عيني عميت حتى لا أرى هذا المشهد"، مضيفة: "ليتهم لم يطلبوا مني المجيء للتعرف عليه. كان سيبقى في ذهني كما كان يبدو".

الجبال

نُشرت في الخميس 12 ديسمبر 2024 10:45 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.