ارتفاع غير مسبوق بالمعدلات.. من ينقذ ضحايا الطلاق في العراق؟

6 قراءة دقيقة
ارتفاع غير مسبوق بالمعدلات.. من ينقذ ضحايا الطلاق في العراق؟ خاتم زواج

أزمة الطلاق في العراق تتفاقم

"حاولت إصلاح هذا الزواج، لكن القدر كتب لي شيئاً آخر، لم يعد يعتمد سوى علَي، يرفض العمل، ويفضل النوم فقط، ماذا أفعل؟ كان لا بدّ من الفرار بنفسي بعد أن وجدت أن الشخص الذي أمامي غير مهيّأ لأن يكون زوجاً، مطلقاً". 

تقول رسل سيف الدين، 24 عاماً، إنها "فضّلت أن تُلقّب بالمطلّقة، على أن تستمر بحياة باتت بغاية الصعوبة، ورغم أنها لم تكن موافقة منذ البداية، حيث كانت تبلغ السادسة عشر فقط، إلا أن عائلتها أجبرتها، من أجل تخفيف العبء الاقتصادي" كما توضح بحديثها. 

لكن، ليس رسل وحدها، من عاشت شعور عدم القدرة على استمرار الزواج، إذ أشار المركز العراقي لحقوق الإنسان إلى أن نسبة الطلاق في العراق وصلت إلى 22.7٪ من إجمالي عدد الزيجات في مطلع عام 2024، حيث سجلت المحاكم العراقية أكثر من 7000 حالة طلاق فقط في يناير/كانون الثاني الماضي، منها 1843 حالة بقرار قضائي، و5610 حالات خارج المحاكم. فيما سجلت آخر الإحصائيات وجود أكثر من 6700 حالة طلاق في مايو/ أيار السابق. 

 

من ينقذ ضحايا الطلاق؟ 

توضح رسل، أنها اليوم عاجزة بشكل مضاعف عما كانت عليه سابقاً، "عدت إلى عائلتي بأربعة أطفال، لا أعلم من أين أجلب لهم الطعام، والدي رجل متقاعد، لم يتخيل يوماً أن يحدث هذا، لو إني لم أتزوج، لما فكرت اليوم بهؤلاء الصغار، إنهم ضحايا الجهل بمفاهيم الزواج" تنظر رسل إلى صغارها وتبكي. 

أورد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان أسباباً عدة لارتفاع معدلات الطلاق، منها قلّة الثقافة الزوجية وعدم التفاهم بين الزوجين، إلى جانب العنف الأسري وتدخل الأهل والأصدقاء، وكذلك الزواج المبكر والظروف الاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى زيادة حالات الخيانة الزوجية، وسوء استخدام وسائل الاتصال، والزيجات المتعددة. 

بحسب الإحصائيات، بلغ إجمالي حالات الطلاق 7453 حالة في 15 محافظة بخلاف محافظات الإقليم. حيث بلغت 3943 حالة في بغداد والبصرة فقط، وهو ما يمثل تقريباً ثلثي الإجمالي. وكانت محافظة ذي قار أقل المتضررين بـ 104 حالات فقط، مما يعني وجود متوسط يبلغ 248 حالة طلاق يومياً، أي أكثر من 10 حالات طلاق في الساعة الواحدة، وبزيادة حالة واحدة عن إحصائية 2023 التي سجلت 9 حالات طلاق كل ساعة.

 

أزمة السكن إحدى المساهمين 

يعتبر المحامي محمد أسعد، أن العامل الاقتصادي هو من بين أبرز الأسباب الرئيسية لهذه النسبة الخطيرة، حيث يُعَدّ عاملاً مساهماً في تفاقم المشكلات الاجتماعية، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر.

"نحن بحاجة لتدخل مختصين لمعالجة هذه القضية، وأن يكون التركيز عالياً عليها، كما التركيز بالوقت الحالي على ملف المخدرات الخطر، فإن الطلاق أيضاً مؤشر لا يقل خطورة، وعلى الأقل نحن بحاجة لمعرفة طرق تقليل الخسائر" يقول أسعد. 

ويوضح محمد كذلك، أن المحاكم تزخر بعشرات الأسباب المختلفة للطلاق، بعضهم يتقدّم بطلب الطلاق بعد أيام فقط من الزواج. كيف ذلك؟ يتساءل ويضيف: "من الأسباب التي لا يتمكن خلالها الأزواج من التوافق بها، هي أزمة السكن، حيث يضطر الزوج لجلب زوجته والعيش مع عائلته التي قد تكون بالعادة كبيرة في مكان ضيق. ويعيش نحو خمسة ملايين شخص في العشوائيات دون توفر سبل العيش الكريم، وهم يشكلون حوالي 10٪ من سكان العراق. تجب معالجة قضيتي البطالة والفقر بطريقة مدروسة ومخططة جيداً من خلال تعزيز القطاع الخاص ومحاربة ظاهرة المخدّرات وجرائم الابتزاز الإلكتروني".

 

زواج القاصرين

إلى جانب ذلك، يجب التركيز على قضايا زواج القاصرات والزواج القسري، كما تبين الناشطة في حقوق الانسان، سارة مؤيد، التي تجزم أن الزواج القسري، يدفع ليس بمشاكل الطلاق فقط فيما بعد، بل حتى التعنيف، الانتحار، والجرائم، "إحدى الفتيات اللواتي تم إجبارها على الزواج، حاولت بعد شهرين الانتحار، وبعد أشهر، أراد زوجها قتلها، بسبب شجار بسيط، نكاية بمحاولة انتحارها. تعاني البنت اليوم ضغوطاً نفسية هائلة ولا تعرف ما تفعل" تقول سارة، وتبيّن أن محاكم العراق وفي آذار الماضي وحده، سجلت أكثر من 6 الآف حالة طلاق. 

"هذا مؤشر خطير للغاية، كم من طفل هو جزء من الـ6 الآف حالة سيعاني تبعات هذه المشاكل، نعلم أن الأطفال لا يعيشون في بيئة تساعدهم، إنهم يعانون كثيراً في هذه البلاد. أحد الصغار تخلى عنه والداه، وعائلتاهما، ليس هنالك مكان مخصص لهذه الفئات، اضطرت الجهات المختصة إلى إدخاله ملجأ الأيتام" توضح سارة. 

ليس الفتاة وحدها التي تجبر على تجربة الزواج المبكر، اذ تعتمد بعض العائلات على تزويج أولادها من الذكور بسن صغير للغاية، بحجة تنشئة أولادهم معهم. نعم قد يكون هؤلاء الصغار متحمسين في البداية، ويعتقدون أن حياة الزواج سهلة وممتعة، ثم يُصدمون تباعاً بالمسؤوليات التي لا تنفك إلا أن توضح لهم عدم أهليتهم واستعدادهم" حسب الباحثة الاجتماعية، مودة إسماعيل، التي تبيّن أن انهيار الزواج يبدأ كذلك بتدخل العائلات بأولادها وكأنهم جزء من ممتلكاتهم، تزوج، أنجب، أبق في المنزل، إضافة لمحو جزئية الخصوصية بين الأزواج"، وتتساءل: كيف وهم في الحقيقة بحاجة لمساعدة شخصية قبل كل شيء؟

غير المعلن، أن الطلاق الذي يحدث خارج دائرة المحاكم هو بأرقام خيالية وغير معروفة. يقول المحامي محمد أسعد، إن "هذه الأرقام التي تظهرها الإحصاءات ما هي سوى تلك التي تكون مصدقة بشكل قانوني عند الزواج، لكن تلك التي تحدث في القرى والأرياف والتي غالباً ما تكون لقاصرين- فيتم الزواج بواسطة رجال الدين، والطلاق كذلك". لكن لا يمكن تخيل عدد النساء اللواتي هن غير قادرات على الطلاق بسبب "نظرة المجتمع وافتراسه لهن، وتجنب العوائل عودة بناتهن -مع أطفال إليهم- مما يجعلهن على ذمة أزواج سيئين لتجنب كلمة مطلقة"، حسب قول محمد.

آية منصور

نُشرت في الثلاثاء 16 يوليو 2024 12:35 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.