في خطوة مثيرة للجدل، أثيرت مؤخراً تساؤلات عديدة بشأن قرار البنك المركزي العراقي الخاص بإيقاف التحويلات المالية الخاصة بتطبيق "تيك توك"، وسط مخاوف من استغلال منصات التواصل الاجتماعي لأغراض غير قانونية.
القرار الذي جاء فجأة سلط الضوء على جوانب غامضة من استخدام التطبيق الشهير، وأثار قلق المستخدمين وصناع المحتوى الذين يعتمدون على التحويلات كمصدر دخل رئيسي.
والأسبوع الماضي، وجّه البنك المركزي العراقي، بإيقاف الحوالات المالية لوكلاء شركة "تيك توك" داخل العراق بناء على كتاب صادر من وزارة الاتصالات العراقية.
وبحسب الوثيقة، فإن القرار يشمل جميع المصارف المجازة والمؤسسات غير المصرفية في العراق، ويطلب منهم إيقاف الحوالات المالية الواردة والصادرة الخاصة بوكلاء شركة "تيك توك".
ويعتبر البث المباشر على منصة "تيك توك" من الطرق الفعالة لكسب المال والتفاعل مع الجمهور بشكل مباشر في العراق، إذ تبرز العديد من الطرق لتحقيق الدخل المالي عبر هذه البوابة وهي "الهدايا الافتراضية" التي يتم تحويلها لاحقاً إلى أموال حقيقية عبر شراء عملات المنصة الخاصة حيث تُعرف محلياً بـ "التكبيس".
مصدر ملفت لغسيل الأموال
ويقول مصدر مسؤول في البنك المركزي العراقي، إن "القرار الذي اتُّخذ مؤخراً بمنع الحوالات المالية المرتبطة بمنصة تيك توك جاء نتيجة تحقيقات دقيقة وتقارير دولية، أثبتت أن المنصة تُستخدم كأداة رئيسة في عمليات غسيل الأموال وتحويل أموال بطرق غير شرعية".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "هذا الإجراء جاء في إطار جهود العراق لتعزيز الرقابة المالية ومكافحة الأنشطة المشبوهة التي تهدد النظام المالي المحلي".
ووفقاً للمصدر، فإن البنك المركزي تلقى إشارات واضحة من شركاء دوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي أبدت قلقها من استغلال تيك توك كوسيلة لتحويل أموال غير قانونية، مشيراً إلى أن "تيك توك يشهد نشاطاً متزايداً يتمثل في تدفق أموال ضخمة عبر طرق يصعب تتبعها، ما يجعل المنصة عرضة للاستغلال من قبل شبكات غسيل الأموال وتمويل أنشطة غير مشروعة".
كما يتابع المصدر، قائلاً إن "القرار يهدف إلى حماية الاقتصاد العراقي من تأثيرات هذه العمليات التي يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي"، مضيفاً أن "الجهات المختصة في البنك المركزي تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الدولية لضمان نزاهة النظام المالي، ولمنع أي محاولات لاختراق القوانين المحلية والدولية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال".
ويختم المصدر بالتأكيد على أن "هذا الإجراء هو جزء من حزمة إصلاحات وإجراءات رقابية تهدف إلى بناء نظام مالي قوي وآمن"، داعياً في الوقت نفسه الأفراد والمؤسسات إلى "الالتزام بالأنظمة والقوانين لتجنب أي عواقب قانونية".
وبحسب تصريحات عديدة لأعضاء مجلس النواب العراقي فإن هذا القرار يأتي ضمن خطة الحكومة للحد من توجه مستخدمي تطبيق "تك توك" نحو المحتوى الهابط بهدف الوصول إلى نسب مشاهدة عالية والحصول على الأموال من الشركة.
القرار جاء بناءً على طلب وزارة الاتصالات
في المقابل، يقول الخبير المالي، جليل اللامي لمنصة "الجبال"، إن "البنك المركزي العراقي يلجأ لإصدار هذا القرار بناءً على طلب من وزارة الاتصالات العراقية".
وكانت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، كشفت في وسابق، عن تقديم طلب إلى مجلس الوزراء لحجب تطبيق "تيك توك"، متحججة بأن التطبيق ساهم في "تفكك النسيج المجتمعي العراقي"، فيما أشارت إلى أن التطبيق لا يقدم أي فائدة علمية أو تعليمية ويُستخدم فقط لأغراض الترفيه.
ويتحدث اللامي عن "مخاوف مالية واقتصادية تتعلق باستخدام التطبيق، وبما أن الحكومة العراقية ومن ضمن البرنامج الحكومي تسعى إلى مكافحة التهرب الضريبي وضبط التدفقات المالية والحد من الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة جاء القرار"، كاشفاً أيضاً عن وجود "مخاوف المالية والاقتصادية التي تتعلق باستخدام التطبيق بغسيل الأموال".
القرار جاء أيضاً "بغية الحد من انتشار المحتوى غير اللائق أو غير الأخلاقي على المنصة"، والكلام لللامي، الذي أشار إلى أن "الحكومة العراقية تسعى إلى تقليل توجه المستخدمين نحو هذا النوع من المحتوى بهدف الحصول على مشاهدات وأرباح مالية".
وسبق وأن أطلقت وزارة الداخلية خلال الأشهر الماضية حملة ضد ما وصفتها بـ"ظاهرة المحتوى الهابط"، عبر إجراءات تضمنت السجن لأشهر بحق شخصيات اشتهرت بنشر موضوعات مسيئة، حسب قولها.
رغم عدم وجود معلومات مؤكدة تشير إلى تورط منصة "تيك توك" في عمليات غسيل الأموال داخل العراق، إلا أن "الحكومة تتخذ الاحتياطات خوفاً من إمكانية استخدام المنصة كوسيلة لمثل هكذا أنشطة"، حسب ما قاله الخبير المالي.
ووفقاً لاحصائيات متداولة فإن العراق يحتل المرتبة الثالثة عربياً من حيث عدد مستخدمي التطبيق، حيث يبلغ عددهم حوالي 32 مليون مستخدم، ما يمثل 69.4% من إجمالي عدد السكان، في حين تتصدر كل من السعودية ومصر المرتبة الأولى والثانية.
التيك توك منصة خاسرة لغسيل الأموال
دائماً ما يتحدث بعض السياسيين والمراقبين عن تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيلة غسيل الأموال، حيث تُستخدم التحويلات المالية لدعم مشاهير المنصات بشكل مريب وغير شفاف.
وبحسب التصريحات فإن هذه الظاهرة تهدد الاقتصاد الوطني وتفتح الباب أمام نشاطات مشبوهة يجب التصدي لها بحزم كونها عمليات غسيل يصعب تتبعها مالياً.
لكن دريد العنزي، وهو باحث في الشأن الاقتصادي، قال لمنصة "الجبال"، إن "ما أثير من موضوع حول غسيل الأموال عبر التيك توك، هو عبارة عن جهل في عمل المنصة من ناحية التحويلات المالية، حيث أنها تأخذ عمولة بنحو 70% إلى 80% على كل مبلغ يتم تحويله إلى أي عنصر من العناصر المشاركة في استخدام هذه الأدوات".
ويشير العنزي، إلى أن "الأشخاص المتهمين بغسيل الأموال لا يعيرون اهتمام لهذه المنصة كونها تخسر أصحابها أموال كبيرة عبر الاستقطاعات المفروضة عليه"، مضيفاً أن "وسائل تهريب الأموال وغسلها في العراق لم تشح ولم تتقلص ولم تحارب بما فيه الكفاية".
ويعرف "غسل الأموال"، عالمياً على أنه عملية إخفاء مصدر أموال غير مشروعة وتحويلها إلى أموال تبدو وكأنها جاءت من مصادر قانونية أو بعبارة أبسط، هي عملية "تبييض الأموال القذرة"، ودخلت مؤخراً طرق غسيل الأموال عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي.