سوريا تطوي صفحة من تاريخها بسقوط بشار الأسد.. مواطنون ما زالوا "غير مصدقين" لما حدث

8 قراءة دقيقة
سوريا تطوي صفحة من تاريخها بسقوط بشار الأسد.. مواطنون ما زالوا "غير مصدقين" لما حدث العاصمة دمشق

احتفل آلاف السوريين في مناطق مختلفة من البلاد وخارجها، الأحد، بسقوط الرئيس بشار الأسد بعد هجوم خاطف شنّته فصائل المعارضة المسلحة وانتهى بدخولها دمشق، ليُطوى بذلك نصف قرن من هيمنة عائلة الأسد على سوريا التي تدخل الآن مرحلة من عدم اليقين.

 

وفي وسط دمشق التي أعلنتها الفصائل المعارضة "حرة"، أسقط العشرات تمثالاً للرئيس الأسبق حافظ الأسد الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ 1971 وحتى وفاته عام 2000.

 

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن بشار الأسد غادر سوريا على متن طائرة ليل السبت.

 

من جهتها، نقلت وكالات أنباء روسية عن مصدر في الكرملين، مساء الأحد، أنّ الأسد وعائلته موجودون في موسكو.

 

ويعقد مجلس الأمن الدولي عصر اليوم الإثنين بصورة طارئة جلسة مباحثات مغلقة حول سوريا، بحسب تصريحات أدلت بها مصادر دبلوماسية متطابقة لفرانس برس. وقالت المصادر إنّ الاجتماع سيُعقد بطلب من روسيا اعتباراً من الساعة 15,00 (20,00 بتوقيت غرينيتش).

 

واندلعت مساء الأحد حرائق في مقار أمنية بدمشق، وأوضح المرصد السوري أنها ناجمة عن قصف إسرائيلي.

 

وتصاعدت النيران من منطقة المربع الأمني في دمشق التي تضمّ مقار أمنية منها الاستخبارات العسكرية. وفي حيّ آخر، شوهدت النيران تندلع من فرع للأمن الجنائي.

 

من جانبه، فرض الجيش الإسرائيلي حظراً للتجوّل على سكان خمس بلدات تقع ضمن المنطقة العازلة بجنوب سوريا، المحاذية للجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان منذ عام 1967.

 

وجاء هذا القرار بعيد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأحد أن اتفاق "فض الاشتباك" للعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان قد انهار عقب سقوط الأسد وبأنه أمر الجيش بـ"الاستيلاء" على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوة الأمم المتحدة.

 

وجال عشرات السوريين داخل مقر إقامة الأسد في حي راقٍ بدمشق، والذي كان خالياً من مقتنياته بعد نهبها، فيما بدت قاعة استقبال رئيسية في القصر الجمهوري الواقع على بعد نحو كيلومترين محروقة.

 

وفي مناطق سورية مختلفة، أسقط سوريون تماثيل لبشار الأسد ووالده، كما حصل في حماة (وسط) وحلب (شمال) ودرعا (جنوب)، أو أحرقوا صورهما، أو حتى تبوّلوا عليها، كما أظهرت صور على مواقع التواصل.

 

وفي ساحة الأمويين بدمشق، اختلط إطلاق النار ابتهاجاً بالزغاريد والتبريكات.

 

وأظهر شريط فيديو جمعاً من الأشخاص بينهم عناصر من الفصائل المعارضة يعتلون دبابة بجوار الساحة، ويرفعون قبضاتهم وشارات النصر، بينما سمع في الخلفية إطلاق نار في الهواء.

 

عامر بطحة، مواطن سوري، قال: "انتظرنا طويلاً هذا اليوم... نبدأ تاريخاً جديداً لسوريا". وأضاف باكياً "لا أصدق أنني أعيش هذه اللحظة".

 

وعبرَ التلفزيون الرسمي، أعلنت فصائل المعارضة المسلحة "تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد وإطلاق سراح جميع المعتقلين المظلومين من سجون النظام".

 

وزار قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني الجامع الأموي في دمشق الأحد، مشيداً بـ"النصر التاريخي".

 

وفي فيديو نشرته الفصائل عبر تلغرام، ظهر الجولاني الذي بدأ يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، وهو يلقي كلمة داخل الجامع الأموي، بينما راح جمع يحيط به يكبّر.

 

ونشِر على قناة "تلغرام" فيديو للجولاني وهو يسجد ويقبّل الأرض في مساحة خضراء يظهر بمحاذاتها طريق رئيس، مرفقاً بعنوان "القائد أحمد الشرع يسجد لله شكراً فور وصوله دمشق".

 

وفي بيان تلاه عبر التلفزيون السوري الرسمي مذيع باسم الجولاني، جاء "نواصل العمل بكل إصرار لتحقيق أهداف ثورتنا التي قامت من أجل العزة والكرامة والحرية. لا مكان للتراجع، ونحن مصممون على استكمال الطريق الذي بدأناه منذ 2011".

 

ويفتح الانهيار السريع جداً للنظام السوري الباب على المجهول في بلد مشرذم جراء حرب أهلية أوقعت نحو نصف مليون قتيل منذ 2011 وتشارك فيها فصائل مدعومة من دول مختلفة.

 

أمل وترحيب وحذر

 

وتتالت ردود الفعل على التطوّرات في سوريا.

 

واعتبر نتانياهو أنّ سقوط الأسد هو "يوم تاريخي في الشرق الأوسط"، مرحّباً بانفراط "الحلقة المركزية في محور الشرّ" بقيادة إيران، العدو اللدود لإسرائيل.

 

ورحّب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بـ"سقوط النظام الديكتاتوري" للأسد في سوريا.

 

وأبدى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن "أملاً حذراً" بعد سيطرة الفصائل المعارضة على دمشق، قائلاً إنها "لحظة فاصلة" وداعياً لفتح "فصل السلام والمصالحة والكرامة والإدماج لجميع السوريين".

 

ووصف محقّقو الأمم المتحدة المكلّفون النظر بجرائم الحرب سقوط الأسد بأنه "بداية جديدة تاريخية" للسوريين، وحضّوا القادة الجدد على ضمان عدم تكرار "الفظائع" المرتكبة بعهده.

 

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أنّ الاتحاد الأوروبي مستعد للمساهمة بإعادة بناء دولة سورية "تحمي كل الأقليات".

 

ودعت السعودية إلى تضافر الجهود لحماية سوريا من الانزلاق نحو "الفوضى والانقسام".

 

أما تركيا التي لها نفوذ كبير في سوريا حيث تساند فصائل معارضة، فدعت دول المنطقة إلى ضمان "فترة انتقالية جيدة وسلسة، وعدم إلحاق مزيد من الأذى بالمدنيين".

 

أما روسيا، الداعم الرئيسي لحكم الأسد، فأكدت أن الأخير "استقال"، مضيفة "بعد مفاوضات بين بشار الأسد وعدد من المنخرطين في النزاع المسلح على الأراضي السورية، قرّر الاستقالة من منصبه الرئاسي ومغادرة البلاد، مع إعطاء التعليمات بالشروع في عملية انتقال سلمية للسلطة".

 

وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أنّ الأسد "لم يطلب أبداً" مساعدة طهران عسكرياً، موضحاً أنه "فوجئ" بـ"سرعة" هجوم الفصائل و"عجز" الجيش السوري عن صدّه.

 

ورحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسقوط "دولة الهمجية" في سوريا، مؤكداً التزام باريس "أمن الجميع" في المنطقة.

 

فيما أكد الملك الأردني عبد الله الثاني وقوف بلاده إلى جانب السوريين واحترام "إرادتهم"، داعياً لتجنب الانجرار إلى "الفوضى".

 

"لن أخاف بعد اليوم"

 

وقالت إلهام البساتنة (50 عاماً) من شرفة منزلها بدمشق، "لا أصدق أنني لن أخاف بعد اليوم، فرحة اليوم عظيمة ولن تكتمل إلا بمحاسبة المجرم".

 

وشوهد جنود في الجيش السوري ينزعون بزّاتهم على عجل وهم يخرجون من مقر هيئة الأركان بساحة الأمويين، على ما روى سكان في المنطقة.

 

وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن "غادر الأسد سوريا عبر مطار دمشق الدولي، قبل أن ينسحب عناصر الجيش والأمن" من المطار.

 

وفي واشنطن، شدّد الرئيس الأميركي جو بايدن على وجوب محاسبة الأسد، واصفاً سقوط حكم الأخير بأنه  "فرصة تاريخية" بالنسبة للسوريين.

 

أما خلفه المنتخب دونالد ترامب فقال إن الأسد "فرّ" بعدما فقد الدعم الروسي.

 

وبدا واضحاً أنّ دعم موسكو المنشغلة بحرب أوكرانيا لم يكن فعالاً لقوات الأسد في مواجهة الهجوم الأخير الذي بدأ في 27 تشرين الثاني، ولا أيضاً دعم إيران وحزب الله اللبناني بعد الضربات الإسرائيلية المدمرة التي طالتهما، ما جعل النظام السوري عملياً في عزلة.

 

وتقدمت هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها بسرعة كبيرة في هجومها الذي بدأ في شمال البلاد وامتدّ إلى الوسط، وصولاً إلى دمشق. في الوقت ذاته، كانت مجموعات معارضة محلية تسيطر على مناطق أخرى بعد انسحاب القوات العسكرية والأمنية الحكومية منها مثل درعا والقنيطرة في الجنوب ودير الزور في الشرق.

 

وأفادت فصائل معارضة والمرصد السوري فجر الأحد بفتح أبواب سجن صيدنايا العسكري قرب دمشق، وهو من أكبر السجون في سوريا والذي تفيد منظمات غير حكومية بتعرّض المساجين فيه للتعذيب.

 

وأبدى رئيس الحكومة محمد الجلالي استعداده لتسليم المؤسسات الى أيّ "قيادة" يختارها الشعب السوري.

 

وأشاد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية، وعمادها المقاتلون الكورد، بـ"لحظات تاريخية" يعيشها السوريون بسقوط النظام "الاستبدادي".

 

في غضون ذلك أعلن البنتاغون أنّ طائراته أغارت الأحد على أكثر من 75 هدفاً لتنظيم الدولة الإسلامية الجهادي في سوريا "من أجل منع التنظيم الإرهابي من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم سعيه للاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا".

 

وفي تطور آخر، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ 26 مقاتلاً على الأقلّ قتِلوا الأحد في هجوم شنّته فصائل سورية مدعومة من تركيا على أحياء في مدينة منبج (شمالي سوريا) تسيطر عليها قوات كوردية سورية.

الجبال

نُشرت في الاثنين 9 ديسمبر 2024 09:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.