منذ أكثر من 13 شهراً تواصل إسرائيل بدعم أميركي عملياتها العسكرية في قطاع غزة، كما تشن حرباً واسعة على لبنان منذ 23 أيلول الماضي.
وفي ظل عدم وجود رادع دولي، تسعى تل أبيب إلى تمديد رقعة الحرب، إذ تفيد تقارير بنيتها استهداف العراق بدعوى مهاجمة "فصائل موالية لإيران"، ما ينذر بحرب إقليمية واسعة.
والإثنين الماضي، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية أن إسرائيل رصدت 65 هجوماً بطائرات مسيّرة قادمة من العراق منذ بداية تشرين الثاني الجاري، وسط زيادة عدد الهجمات بالمسيّرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وكشفت أن لدى تل أبيب "خطط عمل واضحة" إذا حدث تصعيد أكبر، تبدأ بضرب البنية التحتية والمنشآت، ثم اغتيال شخصيات في "المليشيات الإيرانية" بالعراق.
كما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، في السادس من تشرين الجاري، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنه "إذا لم تمنع هجوماً إيرانياً (محتملاً على إسرائيل) من أراضيها"، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.
وفي 28 تشرين الأول الماضي، أعلن العراق تقديمه مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تدين انتهاك إسرائيل لأجوائه في هجومها على إيران.
وقبل ذلك بيومين، أعلن الجيش الإسرائيلي شن هجوم بمقاتلات حربية على إيران، التي قالت إنها تصدت بنجاح "لمحاولات الكيان الصهيوني مهاجمة بعض النقاط في طهران والبلاد"، وأسفر الهجوم عن مقتل 4 جنود ومدني واحد، حسب بيانات رسمية.
جاء الهجوم الإسرائيلي على خلفية إطلاق إيران أكثر من 180 صاروخاً على إسرائيل مطلع أكتوبر الماضي. وقالت طهران إن هجومها الصاروخي جاء رداً على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بطهران، والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في بيروت، إضافة إلى "مجازرها" المستمرة في غزة ولبنان.
ويؤكد العراق مراراً رفض استخدام أراضيه وأجوائه للاعتداء على أي دولة.
وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، السبت، في منشور عبر منصة "إكس": "نؤكد مجدداً الموقف العراقي الرافض لاستخدام الأراضي والأجواء العراقية منطلقاً للاعتداء على أي دولة"، مضيفاً: "سنعمل بكل قوة وجهد لإنجاح دور العراق البارز في تهدئة الأوضاع وعدم الذهاب نحو التصعيد وجر المنطقة إلى أتون الحرب الشاملة".
تابع الأعرجي "نذّكر المجتمع الدولي بواجباته الإنسانية والأخلاقية، وضرورة توحيد الجهود واستخدام كل وسائل الضغط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ومعالجة تبعاتها الكارثية".
مؤشرات كثيرة
الكاتب والسياسي العراقي شاكر كتاب لا يستبعد أن "تضعنا الصهيونية نصب أهدافها العسكرية، فهناك مؤشرات كثيرة على ذلك. ومن أهم المؤشرات طبيعتها (إسرائيل) العدوانية الفاشية، ورغبة الرأسمال العالمي المتوحش في توسيع نطاق الحرب لتنشيط تجارة الحروب"، حسبما نقلت عنه وكالة الأناضول التركية.
وقال: "علينا أن لا نعطي الصهاينة الحجة كي يمارسوا عدوانهم علينا، بالرغم من أنني على يقين من عدم قدرة الحكومة الحالية على منع المجموعات المسلحة من مواصلة استهدافها للمواقع الإسرائيلية تضامناً مع جنوب لبنان وغزة"، مضيفاً أن "استمرار العدوان الصهيوني على غزة، بالرغم من دمارها شبه الكامل، يعكس شهية العقل الصهيوني للدم والقتل والتدمير". وأن "أفعال إسرائيل في لبنان من هدم العمارات السكنية والتقتيل المستمر للشعب اللبناني، رغم دعوة الحكومة اللبنانية إلى وقف القتال والبدء بمفاوضات على ضوء القرار الدولي 1701 ورغم نداءات مختلف شعوب العالم وحكوماتها ومنظماتها. تؤكد رغبة الدمار والقتل الكامنة في أعماق الجسد الصهيوني، مدعوما من الولايات المتحدة".
دور الفصائل
وتحدث عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي التي أُسست في 2019 وتضم جهات سياسية وحزبية، مكي النزال عن دور إسرائيلي في تأسيس المليشيات (الشيعية) في العراق.
وقال النزال للأناضول: "قبل الكلام عن إمكانية استهداف إسرائيل للمليشيات العراقية الموالية لإيران، علينا أولاً التنبيه إلى الدور الكبير لهذا الكيان في تأسيس المليشيات وتقويتها في العراق وتمكينها من استلام مقاليد الأمور فيه بعد احتلاله عام 2003"، مشيراً إلى أن "الكيان كان مشاركاً رئيساً للولايات المتحدة في احتلال العراق، لا سيما في العمل الاستخباري وما يتبعه من تخطيط لرسم سياسة الاحتلال وكيفية حكم العراق المحتل".
وأضاف أن "ما تفعله إسرائيل اليوم من استهدافات في لبنان وسوريا لا يعدو كونه إجراء تغييرات في مراكز قيادة المليشيات في البلدين، ولا يهدف إلى إنهاء المليشيات وتفكيكها كما يتخيل المراقبون من الخارج".
النزال أوضح أن "المليشيات العراقية لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه قوات التحالف (الدولي الذي احتل العراق)، ومنهم الكيان الإسرائيلي"، مبيناً أنه "على العكس كانت المليشيات بديلاً لصنف المشاة الأميركي، التي تتقدم لاحتلال الأرض بعد أن تقصفها القوة الجوية الأميركية ومعها أحلافها ومنهم الكيان الإسرائيلي".
وتساءل: "لماذا إذن يستهدف الكيان الإسرائيلي مليشيات تخدمه وتنفذ أجنداته منذ عشرين سنة على الأقل؟"، مستطرداً: "إن تحقق حلم الحالمين بتوجيه ضربات للمليشيات، فهل تترك أميركا ومعها حليفها الكيان فراغاً قد تستفيد منه القوى المعادية للاحتلال؟ هذا مستبعد جدا".
وزاد النزال أن "الاحتمال الوحيد هو أن الكيان سيوجه ضربات تعاد بعدها هيكلة المليشيات، كما يعاد توزيع الأدوار فيما بينها، على أن تبقى عاملة في العراق كما هي بإمرة الأميركان وحلفائهم"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل تتبنيان سياسية "تحفز شيعة المنطقة على مناصبة السنة العداء وإحداث الفوضى والحروب التي من خلالها تحكم القوى الإمبريالية سيطرتها على مقدرات المنطقة الأهم جغرافياً واقتصادياً وديموغرافياً".
ومضى متسائلا: "هل تضحي أميركا بأتباع إيران وأتباعها الأوفياء؟"، مختتماً حديثه بالإجابة "ربما، لكن بمحدودية تحافظ على الوضع على ما هو عليه في العراق من سيطرة الأحزاب الموالية لإيران، والتي لا تسمح بنهوضه ليأخذ دوره الطبيعي في المنطقة والعالم".
ردّ رسمي
وأمس الثلاثاء، ترأس رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني، جرى خلاله بحث تطوّرات الأوضاع الأمنية على المستوى الإقليمي والدولي، وموضوع الشكوى التي قدمتها "إسرائيل" إلى مجلس الأمن الدولي، ضد العراق.
طالب المجلس، الولايات المتحدة الأميركية بردع "إسرائيل"،مشدّداً على رفض العراق بشكل قاطع للشكوى الصادرة عن سلطات الكيان الصهيوني والموجّهة ضدّ العراق"، مؤكداً أن "هذه الاتهامات، ذرائع تهدف إلى تبرير عدوان مُخطط له ضدّ العراق من قبل تلك السلطات، في إطار خطوة جديدة تهدف إلى توسيع رقعة الصراع الإقليمي".
"جدد المجلس موقف الحكومة العراقية، الذي سبق أن أعلنت عنه مراراً وتكراراً، بأن قرار السلم والحرب من اختصاص الحكومة العراقية وحدها، وأنها مستمرّة في إجراءاتها لمنع استخدام الأراضي العراقية لشنّ أي هجوم". وقال إن "المزاعم الأخيرة لسلطات الكيان، وأفعالها تعد تصعيداً خطيراً، ومحاولة للتلاعب بالرأي العام الدولي لتبرير العدوان، وتوسيع رقعة الصراع".
وحسب بيان صادر عن المتحدث بايم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول، وجّه المجلس الوزاري للأمن الوطني، في جلسته ب "مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق (الشكوى رقم ABM/1/185 بتاريخ 14/8/2024، والشكاوى المقدمة في تشرين الأول 2024)، ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي. واتخاذ المجلس إجراءات فورية ورادعة ضد سلطات الكيان المحتل، والعمل على محاسبتها على انتهاكاتها للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي".
كذلك "إصدار قرار تحت الفصل السابع لوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء المنطقة، والتحرك بحزم لوقف الأعمال العدائية، ومنع أي طرف من شنّ أعمال عدوانية أو تبريرها عبر اتهامات واهية"، و"قيام الولايات المتحدة الأميركية مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي، لاتخاذ خطوات فعالة لردع سلطات الكيان المحتل، كما يدعو التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه لكبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب".
ووجه القائد العام للقوات المسلحة بجملة من الإجراءات الأمنية، أبرزها:
"قيام القوات المسلحة العراقية، والأجهزة الأمنية كافة بمنع وملاحقة أي نشاط عسكري خارج إطار سيطرة الدولة"، و "قيام وزارة الداخلية بتفعيل التوجيهات الصادرة عن الاجتماعات السابقة، وإعداد خطط للطوارئ تتناسب مع حجم التهديد، وتأمين الاحتياطات الكاملة للمتطلبات الأمنية".
فضلاً عن "تعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة، والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال. وقيام قيادة الدفاع الجوي بتأمين متطلبات الحماية الجوية لسماء العراق، وللأهداف الحيوية والفعّالة والمهمة داخلياً".
وتتحمل القيادات الميدانية المسؤولية عن أي خرق أمني ضمن قاطع المسؤولية يمكن أن يعرض أمن البلد للخطر، حسب البيان، و"ستقوم الأجهزة الاستخبارية بتحليل ورصد ومتابعة أي نشاط جوي معاد، أو استهداف أرضي وملاحقة مطلقيه، وتقديم التقارير الاستخبارية الفورية عن كل ما يقع ضمن عملها وتخصصها الاستخباري".