"الجبال" تدخل طقوس اختيار المنتحر في جماعة "القربان": من تنطفئ شمعته أولاً هو المختار

8 قراءة دقيقة
"الجبال" تدخل طقوس اختيار المنتحر في جماعة "القربان": من تنطفئ شمعته أولاً هو المختار

المجموعة تستهدف شباب أُميين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة

في قصة مثيرة للرعب، تعرض شاب عراقي في العشرينيات من عمره لتهديدات بالقتل من قبل جماعة دينية تطلق على نفسها اسم "جماعة القربان"، وهي مجموعة تمارس طقوساً غريبة وخطيرة، وتدعو إلى تقديس الإمام علي بن أبي طالب بطريقة مختلفة، وتطلب من أعضائها تقديم أنفسهم كـ"قرابين بشرية".

يروي الشاب محمد، وهو الاسم المستعار الذي اختاره لحماية هويته، أنه كان أحد أصدقاء المجموعة، ولا يعلم بأن لديهم هذا التوجه الديني الغريب. يقول "كنا نلتقي بشكل طبيعي في منازل بعضهم أثناء إقامة العزاء والمجالس الحسينية، إلا أنه مع مرور الوقت، بدأت طبيعة الطرح الفكري لديهم تختلف".

بدأ اصدقاء محمد يتحدثون معه عن أن "الامام علي هو الله ونحن قرابين له نتيجة عشقنا وتعلقنا به، ومن ينذر نفسه للإمام فسوف يراه بعد أن ينهي حياته". منحت هذه المجموعة بحسب ما يقوله الشاب، لكل شخص ينتمي إليهم ويقتع بكلامهم، رمزاُ معنيا (كود)، مثل "110 او 120". لا يعرف محمد سبب ذلك، ولكن اتضح بعد ذلك أن هذا الفريق صار أشبه  بتنظيم "حزبي سري"، طالبوه بعد ذلك، بجلب بعض الشباب كي يقوموا بـ"هدايتهم وأن تكون أعمارهم صغيرة".

 

جلسة الشموع

 

محمد، الشاب العشريني، لا يعرف القراءة والكتابة إلا في حدود معينة، أي يمكنه قراءة الحروف بشكل مرتبك، فكل ما يتلقاه يقتنع به نتيجة محدودية قلة وعيه. يقول لـ"جبال" إنه "تم تحديد يوم من أيام الأسبوع موعداً للجلوس في مكان أحد أفراد المجموعة بشكل دائري"، وبإشراف أحد الأشخاص الذي ياخذ مسؤولية متابعة شؤونهم ويشرف عليهم.

وأضاف :"تم إيقاد الشموع التي كانت أمام كل شخص جالس بالدائرة، وبعد دقائق انطفأت شمعتي الموقدة، واعتبرتها المجموعة أنها إشارة بأني القربان القادم. اأنا المختار والذي يجب أن انهي حياتي بأي طريقة سواء بالانتحار أو إطلاق النار على نفسي وغيرها". 

حاول محمد أن يتملص من قرار المجموعة، لكنه واجه رفضاً شديداً، وأبلغوه أن هذا الخيار هو "قرار الإمام علي". اضطر الشاب بالنهاية إلى أن يتماشى مع هذا الطرح، ولم يعد يلتقي بهم بعد ذلك اليوم، لكنه تفاجأ بعد أيام بتلقي "رسالة تهديد"، لذا لجأ إلى القوات الأمنية، وقدم شكوى وبقيت، فيما بقي مختبئاً في المنزل خوفاً من تعرضه لتصفية جسدية من قبل جماعة القرابين".

 

الثواب والعقاب

 

كشف أحد ضباط التحقيق في جهاز أمني رفيع لـ"جبال" عن جذور هذه الجماعة بناء على المعلومات الأمنية التي لديهم. وقال بأن زعيم هذه الجماعة يمتلك "فكراُ متطرفاً يقدس فيه الإمام علي بطريقة شاذة ويعتبره خالق الكون". وبيّن أن زعيمهم "عراقي الأصل يتخذ من مدينة مشهد في إيران مستقرا له"، اسمه علي عبد المنعم، وكان قد تنقل بين صفوف الأحزاب الإسلامية العراقية خلال فترة الثمانينيات.

لا يعرف ضابط التحقيق كيف تطور فكر زعيم هذه المجموعة ليصل إلى هذا الحد. يقول : "هم يستهدفون الشباب الذي تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 20 سنة، من الفئات الضعيفة اجتماعياً ونفسياً، وذوي تعليم منخفض ومستوى معيشي متدني" مستغلين ظروفهم الصعبة لإقناعهم بـ"ـأفكارها المتطرفة مستخدمين أساليب نفسية قوية لإقناع الشباب بالانضمام إليها، مثل الوعود بالحياة الأبدية والجنة، وتخويفهم من العذاب في الدنيا والآخرة".

وأشار الضابط إلى أنّ بداية استقطابهم للشباب تكون عبر عبادات قريبة على الآخرين "مثل الصلاة معهم وحضور المجالس الحسنية، ومرافقتهم إلى العتبات الدينية، حتى الوثوق بهم ومن ثم طرح أفكارهم"، مبيناً أنه "حتى الآن لا تتوفر معلومات كافية عن طبيعة طقوسهم وتعاليمهم الدينية الأخرى، فأغلب من تم اعتقاله من أفراد هذه المجموعة كان ممن قد فشل بالانتحار، وفي الغالب لا يملك معلومات دقيقة". 

 

"داعش" وأخواتها

 

يتحدث الضابط عن طرق إقناع تستخدمها هذه الجماعة، تشبه طرق الجماعات الدينية الجهادية. يقول إن أشهر طرق الإقناع هو "إقناع الشباب بحياة أفضل وأزلية في الآخرة، لا تشبه حياتهم وظروفهم الصعبة الحالية، مقابل أن تقدم روحك قرباناً للإمام علي الذي سيستقبلك في الجنة، وهو الأسلوب ذاته الذي عمل عليه تنظيم (داعش)، ومن خلاله قاموا بدفع الشباب نحو القتال بحجة أن النبي سيستقبلكم بعد ذلك".

 

خلية سوق الشيوخ

 

الضابط يلفت إلى أنّ "كل مجموعة لها شخص يتابع تنظيمهم، وليس له ارتباط أو معرفة مع المجموعة الثانية، وهذا النوع من التنظيم يسمى "التنظيم الخيطي"، أي أن "الارتباط فقط عن طريق مسؤولي هذه المجموعات، وهو مايصعب مهمة كشف زعامات الجماعة".

وبحسب بينات وتقارير أمنية، فإنّ "أغلب أفراد هذه الجماعات يتواجدون في ذي قار، جنوبي العراق"، وفي هذا الشأن أوضح مصدر أمني آخر في المحافظة أنه "لا يوجد عدد محدد لاتباع هذه الجماعة في ذي قار"، إذ أن "الأرقام تشير بأن لهم أتباعاً آخرين في بقية المحافظات".

ويشير المصدر إلى أن "الأعداد التقريبية من المعتقلين بتهمة الانتماء لهذه المجموعة في ذي قار يقدرون بالآلاف، وفي الغالب هم من سكنة سوق الشيوخ، جنوبي الناصرية".

 

دوامة المعتقدات

 

مدير مكتب حقوق الإنسان في ذي قار داخل عبد الحسين قال لـ"جبال" إنّ "تنامي ظاهرة الجماعات الدينية التي تنظم طقوس غريبة تتضم التضحية بالنفس باسم الدين، مثل جماعة القربان أو ما تسمى أيضاً بـ "العلاهية"، تمثل خطراً على الشباب".

 المكتب حذر من أن "هذه الجماعات تستهدف بشكل خاص الفئة الشبابية الهشة، وتزج بهم في دوامة من المعتقدات التي تدفعهم إلى الانتحار، الأمر الذي يتعارض بشكل صارخ مع مبادئ الإسلام وحقوق الإنسان".

وكشف المكتب عن إحصائيات مقلقة، حيث سجل خلال النصف الأول من العام الحالي 40 حالة انتحار، منها 5 حالات مؤكدة لأتباع جماعة "القربان"، مشيراً إلى أن "العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير نظراً لصعوبة تتبع جميع الحالات، في حين أن المحافظة سجلت في السنوات الأخيرة ما بين 80 إلى 100 شخص يفقدون أرواحهم سنوياً نتيجة الانتحار لأسباب مختلفة".

وأكد مكتب حقوق الإنسان أن "هذه الظاهرة تتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل السلطات المعنية، وذلك من خلال تطبيق القانون بحزم على هذه الجماعات، وتكثيف الجهود التوعوية من قبل رجال الدين وخطباء المساجد، لتوعية المجتمع بمخاطر هذه المعتقدات الشاذة وحماية الشباب من الانزلاق فيها".

 

الوصول إلى الحقيقة

 

وتصنف هذه الجماعة "القربان"، بحسب مختصين أنها من الجماعات الباطنية التي تعتمد تفسير النصوص الدينية بمعنيين؛ أحدهما ظاهري يفهم من سياق الكلام والمعرفة، والثاني لا يدركه إلا من أختصه الرب لهذا الشأن.

أستاذ علم الاجتماع في ذي قار، الدكتور عدي بجاي، يصف هذه الجماعة كحال الجماعات الدينية الأخرى التي تسعى إلى التميز والاختلاف. ويقول إنه "سلوك اجتماعي شائع بين الجماعات التي تبحث عن هوية خاصة بها، إذ "تحمل قيماً وأعرافاً وتقاليد خاصة بها"، مبيناً أن "هناك تشابه بين هذه الجماعة والجماعات الباطنية، وهذه تصنيفات دينية تحمل دلالات خاصة حول المعرفة والوصول إلى الحقيقة".

وشهد جنوب العراق في مقدمتها محافظة ذي قار، بعد 2003، ظهور جماعات دينية تدعي المهدوية أو تحمل ميولاً دينية غريبة، منها جماعة أحمد بن الحسن اليماني الذي ادعى أنه وصي ورسول الإمام المهدي المنتظر، وأثارت هذه الجماعة نزاعاً مسلحاً مع القوات الأمنية في ليلة العاشر من المحرم في عام 2008 وسط مدينة الناصرية وراح ضحية هذا الصدام المسلح أربعة من كبار الضباط في شرطة المحافظة.

 وبعدها ظهرت مجموعة أخرى تحمل اسم "أصحاب القضية" وهم من الحركات السلوكية المهدوية، الذين يرون أنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هو الإمام المهدي المنتظر وقد أعلن في حينها الصدر براءته منهم.

وبرز أيضاً في هذه الحقبة محمود الحسني الصرخي الذي اتخذ من مدينة كربلاء مستقراً له، وادعى أنه أعلم من المراجع الدينية في النجف، وتبنى أفكاراً مغايرة للمعتقدات المشهورة، منها فكرة هدم القبور الدينية وأضرحة الأولياء والتي أثارت جدلًا واسعاً، وانتهى أتباعه بصدام مع القوات الأمنية العراقية وتم اعتقال العشرات منهم واختفاء الصرخي.

كذلك كانت قد ظهرت جماعات دينية اخرى وسط العراق، مثل "جند السماء" و"ثورة الحب الالهي" التي تزعمها حبيب الله المختار في بغداد، والذي دعا الى التسامح والحب، فضلا عن "الحركة المولوية" التي ظهرت بالمناطق الجنوبية في ذي قار تحديدا،  اعتقل على اثرها اكثر من 40 شخص في عام 2018، وترى هذه المجموعة ان المرجعية الدينية عبارة عن بدعة.

الجبال

نُشرت في الاثنين 29 يوليو 2024 09:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.