للسماوة وجهها الآخر.. الرسم والموسيقى بمواجهة الصحراء والألغام

6 قراءة دقيقة
للسماوة وجهها الآخر..  الرسم والموسيقى بمواجهة الصحراء والألغام

"ساوة".. تجمع شبابي ثقاف ضد الفقر والبطالة

تحاول فئة الشباب في محافظة المثنى، جنوب العراق، التغلب على النسب المرتفعة للفقر والبطالة، وقلة النشاطات الترفيهية بالمحافظة، من خلال مبادرات اجتماعية وثقافية، وهو ما يحدث في الشارع الثقافي في السماوة، والذي يعرف بـ "تجمع ساوة"، حيث يجذب الكثيرين في فعالياته اليومية.

المثنى هي المحافظة الثانية من حيث المساحة في العراق بنحو 51 ألف كم مربع، بينما تعد الأقل بعدد سكانها، حيث يقترب من المليون نسمة وفقاً لبعض التقديرات، فيما تشتهر بآثارها الحضارية المهمة مثل مدينة الوركاء الأثرية.

وعلى الرغم من طاقاتها ومواردها الطبيعية، لكن المحافظة تعاني من نسبة الفقر الأشد في البلاد، والتي تصل إلى أكثر من 50 %، بحسب وزارة التخطيط، فيما تسجل معدلات البطالة نسبة مقاربة للفقر، وهو ما يدق ناقوس خطر في كل تقارير حكومية عن تلك المحافظة.

الشارع الثقافي

منذ سنوات يقوم الشباب في المثنى بمحاولات لمواجهة الأوضاع السلبية بالمحافظة، من خلال المبادرات الثقافية وتأسيس تجمع يضم  الرسامين والخطاطين والنحاتين ومن يحبون قراءة الكتب،  يقدموها بمعارض متعددة في شارع واحد يأتيه المهتمين من كل حدب وصوب للاستمتاع بما يتم الكشف عنه من أعمال فردية وجماعية.

يقول أحمد الياسمين، وهو من المؤسسين للتجمع  خلال حديثه لـ "الجبال، إن "فكرة تأسيس تجمع ساوة الثقافي جاءت بعد النجاح الكبير الذي حققه افتتاح مكتبة الياسمين في شارع السينما عام ٢٠١٧، حيث ارتادها الكثير من المثقفين والأدباء، ليتم بعدها تبادل الأفكار حول إنشاء شارع ثقافي يضم مجموعة مكتبات ورسامين، إضافة لمهارات الأعمال اليدوية بمكان وزمان محددين".

وبيّن أن "الفكرة بعد تبلورها تم الاجتماع لاختيار اسم الشارع والتجمع الثقافي الذي سيحصل وتشكيل لجنة تنظيمية حيث تم الترويج لذلك عبر صفحات فيسبوك الخاصة بالأشخاص المجتمعين"، مضيفاً أنّ "الاسم تم اقتراحه بمسمى شارع ساوة، أسوة بالشوارع الثقافية مثل شارع المتنبي والفراهيدي بالبصرة، وميسان الثقافي وغيرها".

وتابع الياسمين، أنه "بعد ذلك تم نشر دعوة في مواقع التواصل الاجتماعي للدخول في اللجنة التنظيمية وبالفعل نجحت في الترويج للفكرة وتطبيقها بحضور كبير للشارع الثقافي وإخراج المواهب بشكل جميع لتعريف بمحتوى المحافظة ووجهها الآخر"، مشيراً إلى أنّ "الأعداد التي تقبل على الشارع متفاوتة بين يوم وآخر والاهتمامات أيضاً مختلفة بوجود أكثر من  30 فعالية متنوعة بين الرسم والكتب والنحت والخط والعزف وغيرها".

ولفت إلى أن "التجمع يعرض في كل أسبوع 15 إلى 20 لوحة رسم زيتية ورصاص وربما يصل العدد إلى نحو 50 لوحة عند إقامة المعارض الكبيرة للرسامين"، موضحاً أنّ "ما يخص الأعمال اليديوية أيضاً لها جانب متنوع وجاذب، فهي تضم فواصل الكتابة ولوحات الحرق على الخشب ولوحات الطرق على المعادن وهي فنون راقية جداً يكون على شكل بازار في شارع ساوة".

واكد صاحب التجمع "تطلع المشاركون في هذا الشارع الثقافي لدعم أفكارهم ومشاريعهم لإيصال قدراتهم الإبداعية والفنية والتوسع على مستوى البلاد من خلال المشاركة في المعارض والفعاليات الثقافية".

 

الرسم ضد الألغام

 

وتعاني محافظة المثنى من سوء البنى التحتية وقلة الأماكن الترفيهية والثقافية الكبيرة في مراكز المدن، حيث تغزوها المساحات الصحراوية التي تشكل أكثر من 80% من مساحة الأرض، فيما لا تخلو تلك المساحات الشاسعة أيضاً من تلوث بنسبة كبيرة نتيجة وجود الألغام التي غرزت فيها خلال فترات الحروب في تسعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

 

يقول ممثل جمعية التشكيليين العراقيين في المثنى، خالد نعيم، إن "شارع ساوة الثقافي قد تأسس في عام 2018 في تقاطع السينما بداية الأمر لينتقل بعدها إلى باحة المكتبة المركزية ليكون نسخة من شارع المتنبي في بغداد من حيث النشاطات والحركة الثقافية"، مبيناً أن "الرسم وعرض الكتب وعرض لوحات الرسم هي فعاليات بارزة ومستمرة كتعبير عن المواهب والتلاقح الفكري بين فئة الشباب من الذكور والإناث".

وتابع نعيم خلال حديثه لـ"الجبال"، أنّ "الشارع يضم أيضاً عروضاً لفنون التطريز والحفر على المعادن إضافة للحرق على الخشب والأعمال الطينية الملونة، فضلاً عن "وجود الخطاطين الذين يقيمون ورش لتعليم الخط العربي وخط القصبة والحبر للراغبين"، مضيفاً أنّ "الشارع يستضيف فئة من الفنانين العازفين على الآلات الموسيقية كالعود وغيرها".

ولفت إلى أن "الفعاليات الثقافية تمثل فرصة أيضا لالتقاط قصص المواهب من قبل المصورين ووسائل الإعلام التي تبحث عن إبراز هذه الفعاليات الجميلة مجتمعيا وجعلها حافزاً للمتلقين، كما يمثل الشارع فرصة لتبادل الأفكار واللقاء بمختلف المواهب بشكل مستمر لتقديم الدعم والتحفيز الإيجابي"، معتبراً أن "هذه النشاطات كانت فقيرة في بدايتها من حيث المشاركين والحضور لكنها بمرور الوقت بدأت تتصاعد واصبح لها تأثيرها في الشارع السماوي".

وأعتبر نعيم، أن "محافظة المثنى تصارع نسب الفقر والبطالة بمثل هكذا نشاطات شبابية ليس لها أية دعم من قبل الجهات المعنية وهذا ما دفعها للتعبير عن نفسها في هكذا تجمعات تغير من النظرة المأخوذة على المحافظة من حيث العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة الفقر وضعف البنى التحتية وتوفير الأماكن الثقافية والترفيهية في السنوات الماضية ولغاية الآن"، متمنياً "وجود الدعم لهكذا تجمعات شبابية ثقافية من أجل إشاعة بارقة أمل في المجتمع السماوي والعراقي بشكل عام".

يشار إلى أن المثنى تشهد منذ العام 2019 ولغاية الأشهر القليلة الماضية في عام 2024 تظاهرات بين الحين والآخر تطالب بانتشالها من واقعها المرير، حيث يبادر شبابها ووجهائها بالتوجه إلى الحكومة الاتحادية للنظر في ضعف موازناتها المالية، وتفشي الفساد الإداري والمالي فيها، وهو ما استدعى حكومة بغداد مؤخراً إلى فتح تحقيقات عديدة بملف التعيينات ومشاريعها الاستثمارية وأموالها التي صرفت في الأعوام السابقة، فضلًا عن إعادة النظر بأوضاع البنى التحتية كالكهرباء والخدمات فيها.

وتمتاز المحافظة بوجود باديتها الشاسعة التي تمثل ثروة وطنية بما تحتويه من الموارد الطبيعية والنفطية والمعدنية، كحجر الكلس الذي يدخل في صناعة الإسمنت وخامات السيراميك والسليكات المستخدمة في صناعة ألواح الزجاج والسيراميك، وطين الكاولين الذي يعد من أفضل أنواع الطين.

الجبال

نُشرت في الثلاثاء 23 يوليو 2024 11:43 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.