عاصفة غضب ضد مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية.. استقطاب طائفي وانتكاسة ظلامية

6 قراءة دقيقة
عاصفة غضب ضد مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية.. استقطاب طائفي وانتكاسة ظلامية البرلمان العراقي

تقسيم العراقيين إلى فرق متناحرة

أثارت مسودة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي نقاشاً غاضباً على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، خاصة بعد نشر ورقتين من التعديلات المقترحة التي تناولت بشكل أساسي مسألة "الأحكام الشرعية" التي ستُطبق في قضايا الأحوال الشخصية، مع إتاحة خيارات جديدة للزوجين، اعتبرت من قبل عديدين أنها "انتكاسة في الحقوق المدنية" داخل البلاد.

وتنص التعديلات على تطبيق "مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية العراقية، حيث يُتيح التعديل لـ"الزوجين اختيار مذهبهما الديني عند إبرام عقد الزواج، سواء كان شيعياً أو سنياً، وفي حال عدم اتفاق الزوجين على مذهب محدد، يُطبق مذهب الزوج".

يقيّد حرية الأفراد

والقانون الذي يعمل العراق به منذ العام 1959، يحذر المحامي محمد جمعة، من مخاطر مشروع تعديله، مؤكداً أنه "يُهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي العراقي وتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية".

ويقول جمعة لـ"الجبال"، إنّ "مشروع التعديل يُحيل جميع أحكام الأحوال الشخصية إلى آراء المذاهب الدينية، ممّا سيؤدي إلى تعدد القوانين وتضارب الأحكام، وهو ما يُهدد بتفكيك الأسرة العراقية".

ويحذر خبراء وقانونيون من أن هذا المشروع سيُعيق حرية الزواج ويُقيد حرية الاختيار لدى الأفراد، خاصة في حالات الزواج المختلط بين أتباع المذاهب المختلفة، واصفين التعديل بأنه يمثل "خطوة رجعية تُعيد العراق إلى ما قبل التطورات المدنية، وتُهدد بتقويض مبدأ المساواة بين المواطنين ونظام الدولة الحقيقي الذي يجمع كل المواطنون دون تمييز".

اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، ترى أن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي من المفترض أن ينجز البرلمان قراءته الأولى في جلسة يوم 24 تموز/يوليو، قدم بطريقة دستورية استناداً إلى نص المادة 41 من الدستور، قائلة إنّ "القانون يمكن رفضه أو قبوله بالطرق الدستورية والقانونية وهو بحاجة لملاحظات المؤسسات الدينية".

ويقرّ عضو اللجنة القانونية، محمد الخفاجي بـ"صعوبة تمرير القانون دون الأخذ بكل الملاحظات التي تتجاوز ملاحظات أعضاء مجلس النواب وتصل إلى المؤسسات الدينية والفقهية والمرجعيات"، مؤكداً أنه "يمكن رفض أو تأجيل القانون بالآليات الدستورية والقانونية داخل البرلمان".

ويدعو الخبير القانوني، علي التميمي إلى الحفاظ على قانون الأحوال الشخصية الحالي في العراق مع إجراء بعض التعديلات عليه، بدلاً من سن قوانين لكل طائفة.

ويقول التميمي لـ"الجبال"، إنّ "تعدد القوانين سيُشتت العمل القضائي ويصعب على القضاة تطبيقها، معتبراً "القانون الحالي من أفضل القوانين في المنطقة، مبيناً أنه "لا حاجة لسن قوانين خاصة بقضاة الأحوال الشخصية، لأن كل قاضي فقيه بحسب القاعدة، ولكن ليس كل فقيه قاضياً".

انتكاسة في حقوق المرأة

وما يثير المخاوف في التعديلات الجديدة للقانون أنها ستبطِل أي نقاش حول حقوق المرأة في العراق، بحسب الخبير القانوني، محمد جمعة، وخاصة بما يتعلق بـ"الميراث وذلك لأنّه يستند إلى المذهب الفقهي السائد وآراء المرجعية الدينية العليا، والتي تنص على أنّ النساء لا يرثن في الأراضي والعقارات".

وفي هذا السياق، كتبت الروائية العراقية، شهد الراوي تدوينة تابعها "الجبال"، عبرت فيها عن رفضها الشديد لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، واصفةً إياه بـ"الخطوة الظلامية إلى الوراء" و"انتكاسة في حقوق المرأة".

وقالت الراوي إنّ "المضي في إجراء التعديل على قانون الأحوال الشخصية العراقي يُمثل انتكاسة خطيرة في مسيرة تعريف المواطنة، ويعد تراجعاً عن الحقوق التي حصلت عليها المرأة العراقية منذ أكثر من 60 عاماً".

وأضافت الراوي: "في الوقت الذي تتجه فيه القوانين والتشريعات في كل دول العالم نحو التقدم ومنح المزيد من الحقوق والحريات الأساسية، التي تنظم الحياة الأسرية على وفق متطلبات الحياة الحديثة، نجد أن العراق يسير في الاتجاه المعاكس، مستهدفاً النساء العراقيات ويعمل حثيثًا على إعادتهن إلى الماضي".

استقطاب طائفي وتعارض مع حقوق الإنسان

ويعبر خبراء وناشطون عن قلقهم واعتراضهم على ما نشر من مسودة التعديل، إذ يراد بتعديل القوانين عادة ملاءمتها مع تطورات القوانين واللوائح الدولية والحقوقية العالمية، ويشير الأكاديمي والباحث (ع.م) إلى أن "مشروع التعديل، القائم على الرجوع إلى مشهور المذهب في الأحكام الشخصية، قد يتعارض مع التزامات العراق الدولية بحقوق الإنسان، خاصةً فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل".

وعلى سبيل المثال، يُجيز "مشهور المذهب" زواج الفتاة في سن التاسعة، وهو أمر يتعارض مع منطق حقوق الإنسان، وفق الأكاديمي.

ويقول الأكاديمي لـ"الجبال"، إنّ "مسودة القانون المطروحة تغيب منطق الدولة وتضعف دورها في تنظيم الحياة الأسرية، ممّا قد يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاستقطاب الطائفي وتقسيم المجتمع العراقي إلى فرق دينية ومذهبية متناحرة، محذراً من أن "هذا المشروع يهدد التنوع الثقافي والمجتمعي في العراق".

وأدرج مجلس النواب العراقي على جدول أعمال جلسة يوم الأربعاء 23 تموز/يوليو، القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وهو ما أثار الغضب والتحذيرات داخل الأوساط السياسية والإعلامية.

"نائب واحد يريد التعديل"

وترفض النائب سروة عبد الواحد، تمرير تعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي، معتبرة أن ذلك "يقسّم العراق".

واتهمت عبد الواحد، جهات لم تسمها بـ"السعي لتمرير التعديلات بناءً على طلب نائب واحد فقط، ودون نقاش مجتمعي شامل".

وقالت إنّ "من يتحدث باسم المرجعية ويقول إن المرجع الأعلى دعا إلى هذا التعديل لتقسيم العراق فعليه أن يعطينا دليلاً واضحاً وصريحاً على هذا الكلام"، مؤكدةً "رفضها التام لهذه التعديلات".

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الثلاثاء 23 يوليو 2024 08:12 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.