على طول الشريط الحدودي المحاذي لمنطقتي "أم قصر" و"سفوان" يبرز مشهد بيئي مقلق مع استمرار الكويت في حفر آبار جديدة داخل الأراضي العراقية، بحسب ما وثقته منصّة "الجبال"، ووصل عدد الآبار حتى الآن إلى سبعة بعد ما كانت خمسة، فيما ترافق عمليات الحفر حرق مستمر خلّف سحباً من الدخان وروائح غازية ثقيلة غطّت مناطق واسعة.
يروي أهالي المنطقتين أن "الانبعاثات باتت جزءاً من يومهم"، في حين تشير تقديرات بيئية أولية إلى أن مستويات التلوث ارتفعت بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة.
"خرق سيادة"
وتؤكد عضو مجلس محافظة المحافظة ورئيسة اللجنة القانونية في البصرة، زهراء السلمي، في حديث لـ"الجبال" أن "الوضع في منطقتي أم قصر وسفوان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بترسيم الحدود العراقية–الكويتية"، مشيرة إلى أن "هذه الأراضي عراقية أصلاً، وقد تم تخصيصها أو استقطاعها وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833".
وأوضحت السلمي أن قيام دولة الكويت بحفر آبار نفطية بالقرب من الحدود العراقية، "يؤثر سلباً على العراق سواء من الجانب البيئي أو الاقتصادي، ويشكل خرقاً واضحاً لسيادة البلاد".
دعت السلمي القوى السياسية إلى الإسراع في تشكيل الحكومة، مطالبة مجلس النواب بالوقوف "بجدية" أمام هذه الأزمة ومعالجتها "بحزم"، محذرة من أن "أي تهاون سيقابل بموقف شعبي صارم من أبناء البصرة، لضمان عدم تكرار سيناريو اتفاقية خور عبدالله"، مؤكدة أن "مصلحة العراق فوق كل الاعتبارات والمصطلحات السياسية".
"سرقة"
من جانبه، أوضح الخبير البيئي علاء البدران، أن "أي عملية استخراج نفطي قد تؤثر بشكل كبير على سكان مدينة الجفر"، مشيراً أن "النفط الملوث المصحوب بالأتربة يمثل خطراً مباشراً على البيئة وصحة السكان".
وأكد البدران أن ما يحدث حالياً على الحدود العراقية–الكويتية من أعمال حفر نفطي "يتم دون أي تباحث أو تشاور مشترك، بينما يّفترض أن تكون هذه العمليات منسقة بين الطرفين".
عدّ الخبير البيئي هذه الأعمال "انتهاكاً كبيراً للسيادة العراقية، وتصل إلى حد السرقة"، لافتاً إلى أن "الوضع يذكر بما حدث في التسعينيات بشأن النفط العراقي قبل أزمة الغزو".
وأضاف البدران أن الآبار الحالية تقع بالقرب الشديد من مناطق سكنية في سفوان وأم قصر، ما يزيد من خطورة تأثيراتها البيئية والصحية على السكان المحليين.
"تقصير فاضح"
المواطن حيدر محسن، من سكان منطقة أم قصر، قال في حديث لـ "الجبال" إن الآبار وعمليات الحفر النفطي تقع على بعد أقل من 10 كيلومترات من منازل السكان، وهو وضع "خطير" و"غير مسبوق" يهدد حياة الأهالي وسلامتهم.
وأضاف المواطن أن "هذه الأعمال تسببت بتضرر العديد من العائلات، وأدت إلى إصابات متعددة بين كبار السن نتيجة الغازات والملوثات المنبعثة من الحفر النفطي"، مشيراً إلى أن "عمليات الحفر في المنطقة تتزايد منذ أكثر من سبع سنوات بلا أي رقابة أو حماية من السلطات".
وانتقد محسن الحكومة بشدة واصفاً تعاملها مع الأزمة بأنه "تقصير فاضح وإهمال صارخ" لمسؤولياتها تجاه حماية المواطنين وبيئتهم، مؤكداً أن السكوت الرسمي عن هذه الممارسات يشكل "تهديداً مباشرا"ً للسلامة العامة ويعكس "تجاهلاً" للسيادة الوطنية وحقوق السكان.
وحذر محسن من أن استمرار هذه الأعمال دون تدخل عاجل يعني دفع الأهالي للبحث عن وسائل دفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، مشدداً على أن حماية حياة المواطنين يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات السياسية والإدارية، وأن الحكومة مطالبة فوراً بوقف هذه الأعمال وإعادة النظر في سياساتها تجاه المناطق المتضررة قبل أن تتفاقم الكارثة أكبر.

"تهديد حقيقي"
وأكد حازم العكيلي، مسؤول الشعبة الفنية في أم قصر، في تصريح لـ"الجبال" أن عمليات حفر الآبار الكويتية قرب المنطقة أسفرت خلال الأعوام من 2022 حتى 2025 عن تسجيل أكثر من 200 حالة اختناق بين المصابين بالأمراض المزمنة والتنفسية، مشيراً أن "هذه الحالات تتفاوت في شدتها، ولم تُسجّل أي حالة وفاة رسمياً حتى الآن".
وأوضح العكيلي أن تزايد هذه الحالات يعكس حجم التلوث النفطي والغازات المصاحبة لأعمال الحفر التي تمثل "تهديداً حقيقياً" لصحة السكان، خصوصاً للفئات الضعيفة مثل كبار السن ومرضى الجهاز التنفسي، مؤكداً أن "استمرار هذه العمليات دون أي رقابة أو إجراءات وقائية يفاقم المخاطر البيئية والصحية في المنطقة".
العكيلي لفت إلى أن إدارة ناحية أم قصر خاطبت وزارة البيئة والحكومة المحلية بشكل رسمي أكثر من مرة، مطالبين بـ"تدخل عاجل" لإيجاد حلول فعالة للحد من تأثير هذه العمليات وتطبيق الرقابة الصارمة على مواقع الحفر والآبار النفطية، حفاظًا على صحة الأهالي وسلامة البيئة، محذراً من أن "عدم استجابة الجهات المختصة لهذه التحذيرات سيضع السكان أمام مخاطر متزايدة، وسيزيد من حجم الأضرار الصحية والبيئية"، مؤكداً أن "الحلول المؤقتة غير كافية، وهناك حاجة لإجراءات شاملة وحقيقية لحماية المواطنين من التلوث النفطي والغازات الضارة".
"تشظّي"
بدوره، أكد علي العبادي، رئيس لجنة حقوق الإنسان محافظة البصرة في حديث لـ”الجبال”، أن هذا التجاوز يمثل "خرقاً واضحاً وصريحاً" للسيادة العراقية ويتطلب وقفة حقيقية وجادة من الحكومة العراقية.
وقال العبادي إن "الموقف الحالي يعكس تشظياً في التعامل مع القرار"، مشيراً أن "الأمر يحتاج إلى رحلة ميدانية استكشافية من قبل الجانب العراقي للتأكد من الواقع على الأرض".
وأشار رئيس لجنة حقوق الإنسان إلى أن هذه الإجراءات "جاءت في وقت سابق لأوانه"، لافتاً إلى "وجود مناطق لم يتم ترسيمها بعد بالإضافة إلى قضايا الترسيم البحري"،وأكد أن "حماية هذه المناطق جزء من حقوق الإنسان ويجب ألا يسمح لأي طرف بالتعدي عليها".
حرق كويتي بحقول قرب منطقة أم قصر في البصرة