بدأ العراقيون الإدلاء بأصواتهم اليوم لاختيار برلمان جديد، في انتخابات تراقبها عن كثب طهران وواشنطن ومن شأنها أن تحدد مستقبل البلاد إبّان مرحلة إقليمية حاسمة.
وتجري الانتخابات التشريعية السادسة منذ الغزو الأميركي الذي أطاح نظام صدام حسين في 2003، وسط استقرار نسبي يشهده العراق الغني بالموارد النفطية بعد عقود من نزاعات نسفت بنيته التحتية وخلّفت فساداً مستشرياً.
ويرى عراقيون كثر أن "لا أمل في أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير حقيقي في حياتهم اليومية"، معتبرين أن "الاقتراع يشكّل مساحة للتصارع السياسي الذي سيصبّ أخيرا في مصلحة كبار السياسيين واللاعبين الإقليميين".
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة 07,00 من صباح اليوم الثلاثائ الموافق 11/ 11/ 2025، أمام ما يزيد عن 21,4 مليون ناخب مسجّلين لاختيار البرلمان لولاية تمتدّ أربع سنوات، على أن تُغلق في تمام الساعة الـ6:00 مساء.
ويتوقع أن تُعلن النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق المراكز.
ويتنافس أكثر من 7740 مرشحاً ثلثهم تقريباً من النساء ومعظمهم ضمن تحالفات وأحزاب سياسية كبيرة إذ يشارك 75 مستقلّا فقط هذا العام، على 329 مقعداً لتمثيل أكثر من 46 مليون نسمة.
وفي شارع المتنبّي في بغداد، يقول الطالب الجامعي الحسن ياسين "كلّ أربع سنوات، نرى الوجوه نفسها تُعاد"، مضيفا "لا نرى وجوها شابّة قادرة على التغيير"، وفق ما نقلت عنه فرانس برس.
وتهيمن على السياسة العراقية الغالبية الشيعية التي اضُطهدت على مدى عقود حكم صدام حسين، وتحتفظ معظم الأحزاب الشيعية بعلاقاتها مع إيران المجاورة.
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمّري أن المشهد السياسي "يبدو ثابتاً الآن"، إذ "بقي المرشحون الشيعة نفسهم والسنّة نفسهم والأكراد نفسهم".
"هل يعود السوداني بولاية ثانية؟
تبقى الانتخابات مدخلاً لاختيار رئيس جديد للجمهورية، وهو منصب رمزي بدرجة كبيرة مخصص للكورد، وتسمية رئيس جديد للوزراء، وهما عمليتان تتمان عادة عن طريق التوافق وقد تستغرقان أشهرا.
ويتوقع محللون أن يحصل ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يقوده رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، على عدد جيد من المقاعد، من دون أن يعني ذلك بالضرورة عودته إلى منصبه.
ووصل السوداني إلى سدّة رئاسة الحكومة في 2022 بعد جمود استمرّ أكثر من عام من جانب تحالف "الإطار التنسيقي" صاحب أكبر كتلة برلمانية حالياً، وهو يضمّ أحزابا شيعية حليفة لطهران. ولطالما أشاد بجهود حكومته في إبقاء العراق بمنأى عن الاضطرابات التي شهدها الشرق الأوسط منذ استلامه منصبه.
ورغم خوضها الانتخابات بشكل منفصل، يُتوقّع أن تتّحد بعد الاقتراع الأحزاب الشيعية المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي" لتشكيل أكبر كتلة.
ويغيب عن السباق الانتخابي هذا العام الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي يتمتّع بقاعدة شعبية كبيرة، إذ اعتبر أن العملية الانتخابية يشوبها "الفساد". ودعا مناصريه إلى مقاطعة كلَي التصويت والترشح.
وانتهت الانتخابات الأخيرة التي شهدت أدنى نسبة مشاركة (41%) في 2021، بفوز الصدر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان (73 مقعدا)، لكنه انسحب منه جرّاء خلافات مع "الإطار التنسيقي" حول تشكيل الحكومة. وانعكست الأزمة التي استمرت أشهرا، عنفا داميا في الشارع.
في المقابل، تخوض الأحزاب السنية الانتخابات بشكل منفصل، ويُتوقّع أن يحقّق رئيس المجلس النواب السابق السياسي السنّي النافذ محمّد الحلبوسي مكاسب ملحوظة.
وتشمل الانتخابات إقليم كوردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، ويستمرّ فيه التنافس السياسي التاريخي بين الحزب الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
ترقب إيراني وأميركي
وتزداد حالياً أهمية التوازن الذي يقيمه العراق منذ سنوات في علاقاته مع حليفته إيران وعدوّتها الولايات المتحدة، في ظلّ التغيّرات في موازين القوى الإقليمية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة عام 2023.
وتوقّفت فصائل عراقية مسلّحة موالية لإيران وتصنّفها واشنطن "إرهابية"، مطلع العام الماضي عن إطلاق صواريخ ومسيّرات على مواقع تضم قوات أميركية في سوريا والعراق، بينما قصفت واشنطن أهدافا لهذه المجموعات.
وتمارس واشنطن التي تنشر قوات في العراق في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ضغوطاً متزايدة على الحكومة العراقية في سبيل نزع سلاح الفصائل المسلّحة الموالية لإيران.
وعيّنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبعوثاً خاصاً الى العراق هو مارك سافايا الذي شدد الشهر الماضي على ضرورة أن تكون البلاد "خالية من التدخل الخارجي الخبيث، بما فيه من إيران ووكلائها".
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تلقّى حلفاء الجمهورية الإسلامية، مثل حركة حماس وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ضربات قاسية من إسرائيل التي شنّت كذلك حربا على إيران في حزيران 2025 طالت خصوصاً منشآت نووية وعسكرية. كما فقدت طهران حليفاً رئيسياً مع سقوط حكم بشار الأسد في سوريا أواخر العام 2024.
وبعد الخسائر التي منيت بها، تسعى طهران حالياً للإبقاء على مكتسباتها في العراق الذي شكّل منفذاً رئيسياً لتوسع دورها الإقليمي بعد الغزو الأميركي عام 2003.
ناخبة عراقية في أحد مراكز الاقتراع - AFP