يشهد العراق تنافساً انتخابياً مختلفاً عن الاستحقاقات السابقة، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وما تفرضه من تداعيات، وسط مقاطعة جماهير التيار الصدري للعملية الانتخابية، فيما تواصل الكتل السياسية والأحزاب التقليدية حملاتها الدعائية في الشارع، وعبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وما تزال الضبابية تخيّم على شكل الخارطة الانتخابية للقوى السياسية السُنيّة في الانتخابات النيابية المرتقبة، خاصة مع التنافس الشديد بين تلك القوى، وخاصة تحالفات تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، وعزم برئاسة مثنى السامرائي، والسيادة بزعامة خميس الخنجر، فضلاً عن قوى سياسية جديدة، تشكلت مؤخراً.
ويتنافس على العاصمة العراقية، بغداد، عدد كبير من أبرز قادة القوى والأحزاب السياسية، إذ دخلوا حلبة التنافس في الانتخابات البرلمانية المقبلة بثقل واضح.
معركة مكوناتية
وتحوّلت العاصمة إلى ساحة معركة مكوّناتية، خصوصاً بين القوى السنية والشيعة، سواء من حيث كثافتها السكانية أو من حيث الجدل القائم حول مسألة الغالبية فيها.
ففي الوقت الذي تصرّ فيه القوى الشيعية على أن نسبة الشيعة في بغداد لا تختلف عن نسبتهم بوصفهم أغلبية واضحة في عموم العراق، يرى السنة خلاف ذلك، ويربطون موقفهم بغياب أي تعداد سكاني منذ سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 وحتى العام الماضي (2024).
وبهذا الصدد يؤكد النائب السابق في البرلمان العراقي طلال الزوبعي أن الانتخابات البرلمانية المقبلة تشكل أهمية كبيرة للمكون السني، وسيحظى السنة بتمثيلهم الحقيقي هذه المرة.
ولفت الزوبعي خلال حديث لمنصة "الجبال" إلى أن "الانتخابات هذه المرة هي معركة إثبات وجود للمكون السني، وخاصة في بغداد، التي يقولون إنه يشكل أقلية فيها، لكن الانتخابات ستثبت عكس ذلك، من خلال التحشيد الكبير، لحث المواطنين في مناطق الكرخ، والأعظمية والفضل والدورة، وحزام بغداد، على الخروج بكثافة يوم التصويت".
وأضاف أن "عدد مقاعد السنة في بغداد، لن يقل عن 33 مقعداً، من مجموعة 69 مقعداً، مخصصة للعاصمة، فيما سيتجاوز عدد النواب السنة في البرلمان 100 نائب، إذا ما تم احتساب النواب الذين دخلوا في قوائم شيعية، مثل قائمة الأعمار والتنمية التي يترأسها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والقوائم التي يترأسها رئيس هيئة الحشد فالح الفياض".
وينتشر سنة العراق في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبغداد وكركوك، وأجزاء من بابل وواسط ومحافظة البصرة.
ودائما ما يكون عدد مقاعد القوى والتحالفات السنية بين 75 إلى 80 مقعداً في الدورات الماضية، لكن يتوقع أن تشهد المقاعد زيادة هذه المرة، وخاصة في العاصمة بغداد، في ظل مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، والتحشد السني لزيادة عدد المشاركة في التصويت.
في المقابل، يشير القيادي في تحالف العزم، محمد الكربولي، إلى أن "التنافس بين المكون السني على المرتبة الأولى سيكون بين تقدم وعزم، لكن مرشح العزم في بغداد محمود القيسي هو من سيحصل على المرتبة الأولى في العاصمة".
وأوضح الكربولي في حديث لـ "الجبال"، أن "تحالف العزم لديه خطة ثابتة، ومرشحين أقوياء في بغداد والمحافظات، ولكن لا يمكن تحديد عدد المقاعد التي سنحصل عليها، لأنها تخضع لمتغيرات. لكن حتماً إن عدد المقاعد بين عزم وتقدم لن يكون كبيراً، وسيكون التنافس محتدم على صدارة المكون السني".
خارطة انتخابية
من جهة أخرى، يرى الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، عبد الله الفهد، أن خارطة التحالفات السياسية للقوى السنية تشير إلى أن حزب "تقدم" سيحصل على المرتبة الأولى، ولكن كما يعتقدون فإن المقاعد ستصل إلى 50 مقعداً.
وبين الفهد لـ "الجبال" أن "حزب تقدم سيحصل على 30 مقعداً في أحسن أحواله، كونه يعتمد على محافظة الأنبار وبغداد فقط، أما في صلاح الدين ونينوى فإن مساحته قد تراجعت بشكل كبير خلال الانتخابات الحالية، بسبب دخول قوى جديدة، وأيضاً كونه لم يقدم أي خدمة لتلك المحافظات".
أشار الفهد إلى أن "تحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي سيكون في المرتبة الثانية وعدد مقاعدة ما بين 22 إلى 25 مقعداً، ويعتمد على محافظات صلاح الدين وبغداد، وبدرجة أقل محافظة الأنبار، وديالى".
وشدد الباحث السياسي على أن "تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر سيحل بالمرتبة الثالثة، ولكن عدد مقاعده، سيكون حوالي 12 مقعداً، فيما تتنافس تحالفات الحسم، ونينوى لأهلها، وحزب الجماهير على باقي مقاعد السنة".
وخلال انتخابات عام 2010، حصل تحالف كبير يقوده السنة على أعلى عدد من المقاعد بوصفه ائتلافاً سياسياً ترأسه آنذاك إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، في مقابل ائتلاف سياسي آخر هو دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي حلّ ثانياً. لكن الصراع الحالي بين القوى السنية على زعامة المكون من الصعب أن يعيد مشهد 2010 مرة أخرى.
مقابل ذلك، يرى محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي أن عدد مقاعد السنة سيزداد هذه المرة، لكن بالمقابل ستذهب مقاعد أخرى من محافظات سنية إلى قوى شيعية وقريبة من الفصائل المسلحة دخلت المنافسة الانتخابية في المحافظات المحررة.
وأشار النجيفي خلال حديث لـ "الجبال" إلى أنه "رغم ذلك فإنه من المفترض أن تستغل القوى السنية وضع الانتخابات الحالي، لزيادة عدد مقاعدها، لكي تحصل على استحقاقها، وتشكل قوة كبيرة في البرلمان المقبل، لكن الصراع يبدو أقوى داخل قوى المكون".
وعانت المحافظات السنية من سيطرة الفصائل المسلحة، وتغلغل نفوذها، بعد تحرير تلك المحافظات من سيطرة تنظيم داعش عام 2017، حيث أصبحت تلك الفصائل، تمتلك تحالفات سياسية، ومكاتب اقتصادية، وعلى رأسها تحالف بابليون برئاسة ريان الكلداني، والعقد الوطني برئاسة فالح الفياض، وصادقون برئاسة قيس الخزعلي.
من جهة أخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله الحديدي، إن تحديد زعامة المكون السني ومن يشغل منصب رئاسة البرلمان سيكون بعد الانتخابات، من خلال التحالفات.
وذكر الحديدي لـ "الجبال" أن "تحالف نينوى لأهلها برئاسة عبد الله الياور، وتحالف الحسم برئاسة ثابت العباسي، وحزب الجماهير برئاسة أحمد عبد الله الجبوري "أبو مازن"، فضلاً عن تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر، سيكونون هم كلمة الفصل، لتحديد التحالف السني الأول، ما بين عزم برئاسة مثنى السامرائي، وتقدم برئاسة محمد الحلبوسي".
وتابع أن "خارطة الانتخابات في المناطق السنية تختلف من محافظة إلى أخرى، فالوضع في نينوى، سيشهد تقارباً في عدد المقاعد، لكن تحالف نينوى لأهلها هو من سيتصدر".
أما في الأنبار فإن "تقدم" هو الذي سيحصد أعلى المقاعد والأصوات، فيما سينال تحالف العزم المرتبة الأولى في صلاح الدين، أما في ديالى فسيكون تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر هو الأول على المكون السني، أما في العاصمة بغداد فسيكون التنافس محتدم ما بين تقدم وعزم على المرتبة الأولى للمكون السني.
وتعتمد انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2025 على قانون رقم 4 لسنة 2023، وهو التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، الذي أقره البرلمان في 27 آذار 2023.
حملة انتخابية في بغداد